طفح الكيل!
لن اتحدث عن فجاعة ما حدث في جريمة جرش؛ ببعدها الوحشي واللاإنساني، لانني افترض ان كل إنسان بالغ عاقل لديه ادنى درجة من الإنسانية لن يختلف على ذلك. وإذا سأل أيا كان نفسه: "بس إبصر شو عاملة؟"؛ فليراجع نفسه وإنسانيته وقيمه قبل ان يتفوه بها في العلن!
خمس سنوات من الانخراط بالعمل في قضايا المرأة على المستوى العام؛ خمس سنوات من المفاوضات المعلنة والمغلقة خلف الأبواب التي تعطي من لهم اليد الأعلى تشريعيًا وتنفيذيا من المؤمنين بالسترة وبالحفاظ على "الأسرة" (ظالمة أو مظلومة)، والحفاظ على سمعة "الأردن" الفرصة ان يقودوا الحوار وفي كثير من الأحيان الهجوم علينا كحركة نسوية واتهامنا باننا نسعى لهدم المجتمع ورفع نسب الطلاق وتقوية النساء على الرجال وطبعا الأجندات الخارجية، واحدهم حتى اتهمنا بالصهيونية!.
خمس سنوات والقوانين تخرج بالقاسم المشترك الأدنى بحيث تصبح بلا ادنى قدرة على الردع!
خمس سنوات ولم ارى تغييرًا جذريًا في المناهج في وجه ثقافة السلطة الذكورية وأي محاولة لذلك يصبح تلاعبًا بالقيم والثقافة.
خمس سنوات وكل الأموال تتدفق للحكومة من برامج التمويل وحتى الان لازالت خطة الاستجابة الوطنية للعنف ضد المرأة تعاني من عدم التنفيذ لعدم توفر موازنات ضمن الوزارات لها!
منذ ١٩٩٨ حتى اليوم لم نستطيع توفير سوى مأويين لضحايا العنف الأسري!
وما زالت المرأة والأولاد هم من يخرجون من البيت هروبًا من عنف الأب، (ان استطاعوا الى ذلك سبيلا!) .
أين ستذهب امرأة في معان أو جرش أو المفرق أو العقبة في منتصف الليل عندما تواجه عنف الرجل؟ في مجتمع لا زال يحملها مسؤولية عنف الرجل اتجاهها؟ في مجتمع يعاني من الفقر ؟ في دولة لا زالت استراتيجية الحماية الاجتماعية غير مدركة لهذه التعقيدات وكأن القضايا غير متشابكة وغير متداخلة!
١٩ عاما على تأسيس الفريق الوطني للحماية من العنف الأسري ولا زالت القوانين المتعاقبة للحماية من العنف الأسري غير قادرة على تحقيق الردع، ١٩ عاما ولا زالت آليات الوقاية غير قادرة على التأثير مجتمعيًا! ١٩ عامًا ولا زالت الحركة النسوية متهمة بتفتيت الأسرة و"تقوية النسوان عالرجال"! ١٩ عاما من الجهود المشتركة ولا زال العمل في مجال حماية المرأة من العنف تهمة! ومواقع التواصل ملأى بالهجوم والخطاب المتنمر على هذه الجهود بدءا من بعض المشرعين مرورًا بصحافة الإثارة وانتهاء بالمراهقين من كل الفئات العمرية الذين يمارسون فرد عضلات الذكورية من خلف الشاشات. ١٩ عاما ولا زال ٤٠٪ من الأردنيين يؤمنون ان العنف الأسري شأن خاص!
والآن سيأتي احدهم ويقول ماذا فعلتم؟ الحقيقية هي اننا أُرهقنا واستُنفذنا وتعبنا من المعارك الجانبية التي نواجهها عندما نقوم بأي جهد مؤسسي! الحقيقة هي لا تستطيع مؤسسة واحدة- لا زالت الحكومة مترددة بالاعتراف بها أصلًا مؤسسيًا، وحتى لو تم الاعتراف بها - لا تستطيع ان تحدث ثورة قيمية في المجتمع في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية في تحدي منظومة معقدة ومتشابكة تبرر العنف وتحميه! منظومة لا زالت تقود خطاب يُفصّل العدالة حسب رؤياه للمرأة ككائن فاقد للأهلية ويرفض مفهوم المساواة والحقوق! ويفرض وصاية الرجل على المرأة. ثقافة معشعشة مؤسسيًا واجتماعيًا تعيد انتاج العنف والتمييز؛ نواجهها كل يوم في كل اجتماع علني أو مغلق! أقول لكم: نحن لم نختار هذا العمل لانه مصدر رزق ولكننا اخترناه لاننا نرفض الظلم ونرفض التمييز ولأن العيش بكرامة وأمان حق! ومن المخجل ان نتهم من ينادي بحماية المرأة من العنف بانه صاحبة/ة اجندة خارجية؛ ان كنّا فعلا مجتمع الفضيلة وقيم العدالة والكرامة الذي ندّعيه، فعلينا ان تكون هذه أجندتنا الوطنية جميعا!
وان كنت تقرأ هذا المقال وتشعر بالاستفزاز فهذا لانك بالعامية "على رأسك بطحة"!
*الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة