صحف بلا تقاليد: فنون بلا نقد
يشكو الشعراء والأدباء بشكل عام من تجني الملاحق الثقافية في الصحف المحلية على نتاجاتهم، وتحديدا في موضوع النقد، ولكن كيف والحال مع فنون اخرى كالدراما والموسيقى التي لا تكاد تجد لها اثرا في هذه الملاحققبل ايام وزع رئيس اتحاد المنتجين والموزعين الاردنيين للصوتيات والمرئيات، محمود الشيبي، رسالة مطولة ومفصلة على عدة جهات منها الصحف وكتابها يشكو فيها حال الدراما الاردنية وغياب الاهتمام والدعم الحكومي لها.
وقد وجدت هذه الرسالة صدى في كتابات بعض المعلقين أمثال فخري قعوار وناديا هاشم العالول فكتبوا مؤيدين مطالب الاتحاد في زواياهم بصحيفة "الرأي" (9 و10 آب).
إذا الحق كل الحق على الحكومة التي "ليس لديها قرار سياسي بدعم الإنتاج الدرامي المحلي"، هذا ما جهر به بطريقة أو بأخرى من كتب معلقا على رسالة الاتحاد. ولكن ما غاب عن ذهن هؤلاء الكتاب ومحرري الصحف هو دور الصحافة في تنمية وتشجيع هذا الانتاج.
من البساطة كثيرا القول ان نهضة او تردي أي فن من الفنون اصبح يعتمد في وقتنا الراهن على دور وسائل الإعلام أولا واخيرا، هذا الدور الذي لم يعد مجالا للمحاججة فيه.
في صحفنا المحلية التي تزخر بالملاحق والصفحات الثقافية والمنوعة تغيب الدراما المحلية بشكل محزن، فيما تحضر الدراما العربية بشكل خجول او منقول وتطغى الدراما الأجنبية بفعل عصر العولمة وسهولة النقل عن الوكالات والانترنت التي وفرت معينا لا ينضب، ان لم نقل سرقة مواد كاملة عن الممثلين والأفلام والمسلسلات الأجنبية.
مع ان بعض الصحف المحلية اصبح عمرها الآن يتجاوز الثلاثين عاما لكنها عجزت عن إرساء تقاليد صحفية هامة مثل تخصيص صفحات وملاحق تعنى بعرض ونقد الانتاج السمع - بصري وتحديدا نقد الدراما التلفزيونية والمحاولات السينمائية المحلية البدائية التي هي في اشد الحاجة لحركة نقدية تسهم في تطورها.
يقلب القارئ ملاحق صحف "الرأي، الدستور والغد" الثقافية الصادرة في الجمعة (11 آب) بعدد صفحات كثيرة، فيجد فيها موادا عن شتى الفنون، الشعر، القصة، الرواية، المسرحية السينما والفن التشكيلي، ولكنه لا يجد فيها أي مادة عن الدراما وخاصة الدراما المحلية.
وبالطبع فإن حال ملاحق الجمعة هذه ليس استثناء بل هو القاعدة، فالصحف المحلية التي تزخر بمحررين ونقاد في الآداب والفنون لم تستطع حتى الان تأهيل محررين ونقاد لهذا الجانب الابداعي، واذا كانت هناك بعض المحاولات من قبل صحيفة "الرأي" مثلا التي يكتب فيها الناقد نزيه ابو نضال بين وقت واخر عن الدراما التلفزيونية، فهي محاولة تتناول أساسا الإنتاج العربي اولا، وهي اقرب إلى العرض منها الى النقد الحقيقي ثانيا. اما ما عدا ذلك فهناك شذرات بسيطة في أعمدة كتاب أو أخبار سريعة على هوامش الصفحات الثقافية او المنوعة.
لقد بقيت الدراما الاردنية في مدار عقدي السبعينيات والثمانينيات تحتل مساحة هامة في الشاشات العربية واستمر حضورها حتى الان في الدراما العربية إخراجا وتأليفا وتمثيلا وموسيقى، وبرز من المبدعين الاردنيين الكثيرين أمثال: وليد سيف ومحمد عزيزية واحمد دعيبس وفيصل الزعبي وطارق الناصر وجمال ابو حمدان وغيرهم الكثير.
واسهمت الدراما الاردنية مؤخرا إسهاما حقيقيا في رفع سوية الدراما العربية من خلال مشاركة أمثال هؤلاء المبدعين في مسلسلات مثل: التغريبة الفلسطينية، صلاح الدين، صقر قريش، ربيع قرطبة، الحجاج، الطريق إلى كابول، شهرزاد، سر النوار، ذي قار، امرؤ القيس، زمان الوصل وعائد الى حيفا.
لا يكفي الحديث عن الدراما المحلية أو "محاولة التباكي عليها"، ولا محاولة ترويجها ونقل أخبار الفنانين والفنانات واخر مشروعاتهم، فالمطلوب اكثر، إذ كيف يمكن تطوير هذا الفن الأكثر انتشارا بين الفنون الاخرى، والإسهام في رفع ذائقة الجمهور ونشر الوعي بدون وجود حركة نقد تواكب هذا الجانب الابداعي.
لا تفتقر صحافتنا ايضا الى اقسام او مواد مختصة بالدراما فهناك جانب لا يقل اهمية وهو الموسيقى التي لا يوجد لها مجال بتاتا في الصحف وملاحقها الا في حدود تقارير مراسلين عن نشاطات موسيقية او اخبار الفنانين والفنانات.
في هذا الصدد، كثيرا ما تشتكي الصحافة المحلية بمحرريها وكتابها، وهي صحافة اقرب ما تكون الى صحافة الرسالة منها الى صحافة الخبر المحايد، من طغيان موجة "الاغنية الشبابية" و"ثورة الفيديو كليب" والتي يحلو للكثيرين وصفها بـ"الاغنية الهابطة" على ما تذهب اليه سائدة خليل عبده، في مقال لها في صحيفة "الرأي" (10 اب)، وعبده ليست الوحيدة التي كتبت تنتقد طغيان هذه الاغنية فهو موضوع تطرقت له الصحافة كثيرا.
وبمناسبة صيف الاردن الملتهب بحمى المهرجانات حيث تحتل الاغنية والموسيقى الحيز الاكبر في هذه المهرجانات وبروز فرق موسيقية اردنية ومغنيين اردنيين، كان لا بد من وقفة مع تعاطي الصحافة مع هذا الجانب الفني الابداعي.
مع ان صحافتنا تجأر بالشكوى من هذا "التلوث السمعي" وفقا لتعبير الفنان مارسيل خليفة، الا ان صحافتنا ليست بعيدة عن الترويج لهذه الاغنية والموسيقى السائدة عبر تخصيص صفحات عديدة يطلق عليها تسمية "منوعات" تتناول آخر أخبار الفنانين والفنانات وتنشر لهم صور مثيرة في الغالب، وتخصص مساحات كبيرة للشائعات والمقابلات مع هؤلاء.
ومن اللافت للنظر ان بعض التجارب في عرض البومات الفنانين الجديدة كتلك التي كان يقوم بها الصحفي علي عبد الامير في صحيفة "الرأي" اختفت تماما ولم يعد القارئ يعثر على أي مادة تعرض له هذه الاشرطة بنوع من التفصيل وتساعده على انتقاء ما يناسبه، فيما لا زالت بعض الصحف تتبع تقليد سائد بنشر مواد عن الـ"توب تن" دون أي تعليق.
وتتعامل الصحافة مع هذا الجانب الابداعي كما لو كانت تتعامل مع خبر سياسي او نشاطات اجتماعي، فهي ترسل مراسليها الى هذه النشاطات لكتابة تقارير اخبارية وصفية انشائية يغلب عليها الانطباعات الشخصية، عن الحفلات التي احياها هذا المغني او ذاك، او هذا الموسيقي او ذاك، ولا تخرج هذه التقارير عن اطار التقارير الاخبارية الاخرى.
وفي المقابل لا يوجد للصحافة، وخاصة عبر ملاحقها الثقافية، أي اسهام حقيقي في نشر الوعي الموسيقي وارساء تقاليد نقد موسيقي تقني يكشف جماليات الموسيقى ويتناولها من حيث البناء اللحني والايقاعي والتوزيع، ويسهم بذلك في رفع ذائقة الجمهور من ناحية والمساهمة في حصار ما يوصف بـ"الاغنية الهابطة".
لا يخلو الاردن من نشاط موسيقي حقيقي وفرق وموسيقيين اردنيين لهم تجارب ومحاولات جادة مثل فرقة "رم" بقيادة الموسيقي طارق الناصر او الموسيقي ايمن تسير وتجربته الاخيرة في اعادة توزيع موسيقى محمد عبد الوهاب عبر دمجها مع خلفيات موسيقى الجاز الاميركية. وبالطبع فان هذه الفرق ليست كل شيء فالاردن يشهد نشاطات موسيقية متنوعة لا تبدأ عبر فرق إحياء التراث الشعبي والدبكات والاغنية التراثية ولا ينتهي عند فرق سمفونية كفرقة المعهد الوطني للموسيقى مرورا بعشرات الفرق الموسيقية مثل "اوراق الزعتر" وغيرها.
من المشكوك فيه ان تتوقف هذه الفوضى "السمعية" وان يتطور أي فن ابداعي بدون وجود تيار نقدي حقيقي مواز له كشرط موضوعي لا يمكن عزله.
ربما أثقلنا النقد على الصحافة المحلية ودورها في تطوير هذه الفنون، وربما يقال ان تخريج نقاد ومختصين في جوانب ابداعية ما ليس مهمة الصحف بل مهمة المعاهد والجامعات، ولكن ما يحصل في الصحف المحلية هو اولا انها تسهم كثيرا في نشر ما تشكو منه ولا تقدم كثيرا في تحسين هذه الفوضى السمع بصرية.
ولكن لماذا أنتجت الصحافة مختصين في كل جوانب الابداع الاخرى وبرز محررون ونقاد في الادب والفن التشكيلي والسينما وغيرها ولم يقدم اسهاما حقيقيا في جوانب الدراما والموسيقى.
سؤال برسم محرري الصحف؟