صحافة ما بعد الحرب.. سخونة من صنف جديد

صحافة ما بعد الحرب.. سخونة من صنف جديد
الرابط المختصر

بعد ثلاثة أسابيع سيطرت فيها أخبار حرب غزة على أغلب صفحات الصحف الأردنية بما فيها الصفحات المخصصة لأخبار المحافظات وصفحات الفنون والثقافة وصولاً إلى الرياضة في بعض الأحيان، بعد هذه الأسابيع الخاصة عادت الصحف للبحث عن عناوين أخرى معتادة.


بالطبع كان من الصعب الانتقال من الحديث الساخن عن الحروب والقتال إلى مواضيع عادية هادئة، ولهذا فقد كان من حسن حظ الصحف أنه توفرت لها عدة عناوين ساخنة أيضاً، وإن لم تكن بنفس درجة سخونة الحروب، لكن هذه الصحف انشغلت بهذه العناوين وبحرارة، ومن المرجح أنها ستواصل الانشغال بها في الأسابيع القادمة.
 
العنوان الأول يتعلق بمصير الحكومة، أي حكومة الذهبي وتعديلها الذي كان وشيكاً. لقد ظهر أن الصحافة كانت تنتظر هدوء الحرب في غزة كي تعود إلى نقاش موضوع مصير الحكومة، وهو الموضوع الذي مَنعت الأحداثُ الصحفَ من تناوله في وقته المناسب، أي في اللحظة التي تغيرت فيها قيادة جهاز المخابرات وهو الأمر الذي فُسّر على أنه رفْع للغطاء الأمني عن الحكومة وتعويم مصيرها.
 
لقد عاشت الحكومة سنة أولى هادئة مع الصحافة ومع باقي المؤسسات وخاصة النواب، وهو الهدوء الذي يعزوه كثيرون الآن ما اخذ يسمى بـ"المظلة" الأمنية، رغم أن أحداً في الصحافة أو في النواب لم يعلن سابقاً عن ضيقه أو احتجاجه العلني تجاه تلك المظلة.
 
ما أن هدأت الحرب في غزة حتى عادت الصحافة إلى اصطفافاتها التقليدية في المعركة الداخلية، ولكن الطلقة الأولى كانت من مصدر نيابي هذه المرة، غير أن النواب اختاروا الصحافة لكي يشكوا همومهم أمامها، فقد استغل نواب حاليون وسابقون انعقاد ندوة للمنتدى الإعلامي البرلماني التابع لمركز حماية وحرية الصحفيين، لكي يفصحوا عما كان كامناً في داخلهم خلال السنة الماضية.
 
ومن المفارقات هنا أن اختيار الصحافة من قبل النواب لبث الهموم لا يعني الوئام بين الطرفين، وعلينا أن نتذكر أن علاقة الصحافة بالنواب وصلت في بعض الأحيان إلى مرحلة كسر "عظم"، وكما يذكر المتابعون فقد تهشمت بالفعل "عظام" كاميرات الصحفيين تحت قبة البرلمان ذات مرة. وحينها كانت المظلات متوفرة أيضاً، ولكن مع تبدل الأطراف التي استظلت بها.
 
من غير المرجح بالطبع أن تتغير علاقة النواب بالصحافة، لكن المرجح أن الحكومة ستشكل قاسماً مشتركاً عند الصحافة والنواب، وهو ما قد يقود إلى كلام كثير عن "مظلات فرعية" ستنشأ هنا وهناك، وقد تتقاسم الأطراف الثلاثة (أي الصحافة والنواب والحكومة) المكوث تحتها.
 
العنوان الثاني الذي حمل بدوره قدراً من الحرارة، كان عنواناً سياسياً يتصل بالوضع الداخلي الفلسطيني في مرحلة "ما بعد الحرب". وعلينا أن نلاحظ أن الاهتمام بهذا الأمر لا يعود إلى مجرد الحرص على متابعة ما يجري عند الأشقاء، بل هو يتصل مباشرة بالنقاش الذي يدور محلياً في الأردن بين فريقين: فريق أنصار السلام والمفاوضات، وفريق أنصار المقاومة من رافضي نهج المفاوضات عموماً. لقد عاد كتاب الصحف الذين اتفقوا خلال أسابيع الحرب على الوقوف وإن بتفاوت إلى جانب المقاومة وضد العدوان، عادوا إلى مواقفهم الأصيلة واختلفوا بين مؤيد للسلطة ومؤيد للمقاومة.
 
أما العنوان الصحفي الثالث الذي ساد خلال الأيام الماضية والذي قد يسود زمناً أطول ويتخذ مسالك شتى، فيتعلق بشأن خارجي من الناحية الشكلية لكنه داخلي عملياً، وهو ما يتعلق بالتوقعات بعد التنصيب الرسمي للرئيس الأمريكي الجديد اوباما.
 
مرة أخرى فإن النقاش هنا يتخذ لغة محلية، فقد تم إدراجه في سياق الخلاف بين فريقين: الأول يرى أن لدى أمريكا مشروعاً متجددا للإصلاح والسلام في المنطقة والثاني يرى أن جوهر الموقف الأمريكي لا يغيره تبدل رئيس.
 
في يوم واحد وبالإضافة إلى عناوين الأخبار المتعلقة بالرئيس الأمريكي الجديد، حملت صحيفة "الرأي" مقالات تحمل العناوين التالية:
-        "اوباما جمل المحامل".
-        "الرئيس اوباما والأمل المنشود".
-        "اوباما يقود نهجا جديدا لأمريكا فهل ينجح؟".
-        "رسالة أمل عبر الأطلسي".
 
وفي هذه المقالة الأخيرة يذكّرنا كاتبها بدور مبعوث اوباما للمنطقة الذي اشتهر عام 2001 من خلال ما سمي حينها "تفاهمات ميتشيل" بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، ليستنتج الكاتب الشاب أن "ثمة أمل في سلام عادل وثمة فرصة في إعادة قطار التسوية السياسية إلى مساره".
ولكن للطرافة كان أحد الكتاب الشيوخ المعروفين يكتب بنفس الصحيفة مقالاً ملاصقاً لمقالة الكاتب الشاب المشار إليها حول الأمل بالرئيس الجديد، ولكن تحت عنوان آخر مختلف كلياً هو: "بعد الذباب"، يتحدث فيه عن أهمية ملاحقة ذباب الأغوار والبحر الميت ويحذر من استمرار مصانع الطوب في المنطقة التي يتطاير منها غبار "البودرة" و"العدسية" وهما صنفان شهيران من الرمل.
 
من المرجح أن حكمة الشيوخ الذين عايشوا العديد من الرؤساء الأمريكان، وطموح الشباب الذين يأملون برئيس جديد، هذه الحكمة وهذا الطموح هما اللذان دفعا الكاتبين إلى اختيار موضوعين بهذا التباعد في يوم واحد وفي صحيفة واحدة.