صابون بنكهة الفلافل
للصابون طريقته الحكيمة بالتنظيف ، فهو يعمل على التوفيق ما بين الأوساخ والماء ويجمع بينهما ، فالماء في وضعه الطبيعي ، لا يقوى على إذابة كل الأوساخ ، وعندما يتدخل السيد الكبير (صابون) يذيبها رغماً عن رأس أبيها ، ليسهل تخلصها من الثياب ، كي تعود لبريقها وألقها،،.
المقدمة الكيميائية السابقة ، ليست دعاية لمسحوق غسيل جديد ، لكنها إضاءة
بارقة لما تشهده أريافنا هذه الأيام من عملية شبه موحدة ، يشترك فيها
غنيهم وفقيرهم ، وهي صناعة الصابون البلدي ، وما أدراك ما الصابون
البلدي؟، ، فكل منظفات العالم تتقزم وتضيع في رغوة هذا الناعم الحريري ،
وسلوا المجربين،،.
قبيل موسم الزيت ، وتحديداً أول تشارين ، يعمد الفلاحون للتخلص من زيتهم
القديم بتصبينه (تحويله لصابون) ، والسائد أن النسوة كبيرات السن يضطلعن
بهذه المهمة الجبارة،، ، وهي عملية كيميائية تتلخص بتصفية الزيت من
الشوائب والعكر ، ثم تضاف إليه القطرونة (مادة هيدروكسيد الصوديوم) ، بنسب
ثابتة (فثلاث لترات زيت ، تحتاج إلى نفس الكمية من الماء ، وإلى واحد كيلو
غرام قطرونة) ، وبعدها يحرك المزيج جيداً ، ثم يترك لليوم التالي بعملية
تسمى (الترويب)،،.
في الغد يغلى المزيج بنار قوية ، مع إستمرارية التحريك: وهنا يطرد الأولاد
المشاغبون عن مشهد هذه الصناعة ، بحجة أن عيونهم فارغة تفسد الطبخة،، ،
على رأي جدتي،، ، ثم يتكون مادة شبه بيضاء كثيفة القوام ، تصب قبل أن تبرد
في قوالب خشبية ، ثم تقطع إلى فلق متشابهة بعد جفافها،،.
الأغنياء يستخدمون الزيت البلدي (القح) ، وربما الزيت البعلي كنوع من
البذخ ، وقد يضيفون إلى طبيخه عطراً ، لينتج صابوناً أكثر رقة ، أما أنصاف
الفقراء ، فربة البيت (تحوش) زيت المقدوس ، وزيت اللبنة ، وبقايا المقالي
، على طول السنة ، فهذا سيفي بالغرض ، مع أن صابونهم سيكون أقل رقة،،.
والفقراء طوروا طرقاً مبتكرة: فليس شرطاً أن يكون الزيت بلدياً ، فربات
البيوت يتعاقدن مع بعض المطاعم: كي يحتفظوا لهن بزيت الفلافل المحال
للتقاعد ، بعد أن قلى مليون حبة فلافل أو أكثر ، وبعد أن يتجمع لديهن كمية
مناسبة من الزيت ، تبدأ مهمة التصبين،.
وهنا قد لا يكون الصابون معطراً ، أو ناعماً أو مطرياً للملابس ، ولكنه
سيكون رخيصاً ومميزاً ، فالذين سيتمتعون برغوته ، سيعرفون بسيماهم،،، ،
فرائحة الفلافل سترافقهم كظلهم ، أينما رحلوا أو حلوا،،، ، وهذا حال
الرفيق الاستراتيجي لكثير من ناسنا المغلوبين على فقرهم،،.
وبمناسبة مواسم التصبين ، نريد أن تكون حكومتنا صابونا حقيقياً بفاعليته
وحكمته ، يذيب فقر قرانا الغائبة عن القلب: لبعدها عن العين،، ، فليس في
الدنيا أكثر وسخا من فقر ، حتى لو كان بنكهة الفلافل،،.











































