شهادة العمر الجامعية: علم، أم تجارة مربحة؟

الرابط المختصر

... تقول نماء "المشكلة أن ليس هناك احتجاجاً، هم يرفعون الأسعار ونحن ندفع صامتين، وأي شيء يستمر ضد مصلحتك وانت صامت؛ فمن الطبيعي أن يستمر وأن يزداد، ويبدو أن هناك خطوات مستقبلية للاستمرار في رفع الأسعار أكثر وليس هناك أي بوادر احتجاج".هي ربما صرخة ألم، أو سمها إن شئت نداء استغاثة، فهل يُغاث هؤلاء وهل يُنقذون؟

أحلام الطفولة بالدراسة الجامعية وشهادة البكالوريوس لم تعد احلاماً سهلة المنال، ولم تعد تعتمد على الاجتهاد والجد في الدراسة، لكنه المال... يفرض نفسه على كل القيم الاخرى، فأنت إن كنت من أصحاب المال استطعت أن تحصل على شهادتك بكل سهولة، وإن لم تكن كذلك؛ فعلى أبويك أو من يعيلك أن يدفع ثمن ذلك من دم القلب حتى تدرس أنت لتحصل في نهاية المطاف على شهادة وهم بحث عن عمل قد لا تجده فيها.

في الجامعات الرسمية..
هي أحوال الحياة المعاصرة، لكن أليس بيد أحد أن يقوم بأي تغيير، نماء طالبة في الجامعة الأردنية على نظام التنافس، وتقول "اقبال الطلاب على الدراسة في الجامعات رغم رفع الأسعار متزايدة، والمأساة في نظام الموازي - وهو دفع الساعة أضعاف - فالناس يقبلون لأنه الحل الوحيد، إذن الحكومة سترفع الأسعار بكل بساطة طالما أن هناك إقبالاً على الموازي فلما لا يرفعون رسوم الدراسة العادية".

منذ سنوات وهناك توجه لرفع أسعار الرسوم الجامعية في المؤسسات التعليمية، والحجة (في ارتفاع أسعار المشتقات النفطية)، والحصيلة أن الارتفاع يزداد رويداً رويداً بشكل يلحظه الناس بهدوء، فهل تحول تعليمنا الجامعي الى تجارة مربحة؟

لكل طرف من الأطراف مبررات وأسباب، فالجامعات الرسمية والتي تعتمد بالدرجة الاولى على الدعم الحكومي، صارت تعتمد اليوم على الرسوم الجامعية لسد العجز، ورئيس الجامعة الأردنية د. عبدالرحيم الحنيطي يقول في أن الجامعات الرسمية صارت ربحية "لا أعتقد ذلك لأن الرسوم الجامعية في الجامعات الرسمية لا زالت متواضعة، ولا تشكل خمس كلفة الطالب الحقيقية ومتدنية مقارنة برسوم الجامعات الخاصة الأردنية والجامعات في دول العالم".

ويتابع الحنيطي "معدل الرسوم الجامعية في الفصل الجامعي مايقارب الـ 500 دينار، وهي أقل من رسوم أي مدرسة خاصة، وتتراوح كلفة الطالب في الجامعات الرسمية بحدود 2000 دينار فهي نسبة قليلة جدا مقارنة بكلفة الطالب على الجامعة نفسها".

ويشاطره النائب عودة قواس وهو عضو لجنة التربية والثقافة والشباب النيابية "الجامعات الرسمية لا تزال لا تغطي مصاريفها، وبالتالي فهناك نقص وعجز في موازناتها ومجالس أمنائها تحاول بكافة الطرق أن تنشأ مشاريع استثمارية بهدف تغطية هذه العجوز".

وحول ما تقوم به اللجنة يقول قواس "الجامعات بحاجة الى دعم، وإقرارنا الى تغيير قانون الصناعة والتجارة، والموافقة على مشروع قانون البحث العلمي في الدورة الإستثنائية، أعطينا مجالاً لإيرادات إضافية للجامعات وللصناعة الأردنية لأنها مصدر دخل حوالي 70 مليون دينار في السنة وهي 1% من أرباح كافة الشركات المساهمة العامة".

لكن هذا الكلام لا يقنع الآخرين، فأمين عام المكتب التنفيذي في دائرة الشباب الديمقراطي (رشاد) في حزب حشد يوسف الغزاوي أكد أن النهج الإقتصادي الذي تتبعه الحكومات المتعاقبة انعكس وما تزال آثاره السلبية تنعكس على واقعنا الإجتماعي.

وبرأي الغزاوي فـ "حتى التعليم تحول الى سلعة تجارية تباع وتشترى، والمبررات التي كانوا يستخدموها للدفاع عن هذا الحال مبررات غير مقنعة والجامعات تشتكي أن الحكومة غير قادرة على دعم البرامج المتعددة، وبنفس الوقت تبيع حصصها في المؤسسات الإقتصادية حيث كان بإمكانها ان تقدم عائدات مالية كبيرة لصالح المواطنين".


وترى رجاء كحلوت الطالبة في جامعة العلوم والتكنولوجيا أنه في السنوات الأخيرة "ارتفعت الرسوم بشكل ملحوظ حتى في الجامعات الحكومية، وكذلك بالنسبة للموازي في الجامعات الحكومية، كما أن عدد الساعات زاد وازداد استهلاك الطلبة للمختبرات والتقنيات الجامعية والكمبيوترات والإنترنت، لكن الزيادة صارت مضرة بالطالب لأن الوضع المادي له متدني وهو لا يكاد يستطيع ان يدفع أقساط الجامعة والكتب والمواصلات والتبعات الجامعية الأخرى".

ويعود الحنيطي ليقول "لا نية الآن الى رفع رسوم الجامعات، وهناك أيضا منح تقدم للمبدعين والمتميزين لأوائل التخصصات وهنالك وزارة التعليم العالي لديها صندوق دعم الطالب الجامعي يقدم منح وقروض ميسرة يسددها الطالب بعد التخرج والإلتحاق بالعمل وكل هذه الآليات تساعد الطالب في دعم الطلاب المحتاجين في هذا الأمر وهو نوع من التكافل الإجتماعي".

تجارة... خاصة
الجامعات الخاصة لها قصتها المختلفة، فلا يمكن إنكار دورها في رفد المجتمع بالطاقات الإنتاجية، ولا يستطيع احد أيضاً أن يقول انها (تجارية ربحية بالمعنى الكامل).

أنس طالب في جامعة خاصة في النظام المسائي بتخصص المحاسبة وجد أن الجامعات الخاصة صارت ربحية بالدرجة الأولى "جامعاتنا أصبحت ربحية لأنني أرى الرسوم تزداد فصلاً بعد فصل، ففي جامعتي كانت الرسم الجامعي بتخصص المحاسبة 70 ديناراً ثم أصبح 80 ديناراً، ولا نعرف إن كانوا سيزيدونها في السنوات القادمة أم لا، فصار الهدف من الجامعات ليس التعليم وإنما التجارة، الرسوم تزداد ولا أحد يتكلم وما نتلاقاه في الجامعة لا يرقى الى ما ندفعه من رسوم مرتفعة".

وفيما ينفي رئيس جامعة البتراء الخاصة نزار الريس أن تكون الجامعات الخاصة ربحيّة لكنه يقول "هناك كلفة كبيرة في الجامعات الخاصة بدون شك، لأن كلفة الجامعة الخاصة عالية بطبيعة الحال، فالجامعة الحكومية مدعومة من الدولة وتدفع لها الدولة دعماً كبيراً حتى تستطيع أن تقوم بواجباتها التعليمية، في حين أن الجامعة الخاصة لا تتلقى أي دعم من أي جهة وإنما عليها أن تغطي كل كلفتها من خلال الرسوم الدراسية".

يقول الطالب محمد مستاءا من ارتفاع الرسوم الجامعية في جامعته الخاصة "الجامعات الخاصة صارت ربحية، ورسم الساعات فيها عالي جداً، ولست ادري لماذا يستمرون في هذا الرفع ونحن لا نكاد نستطيع دفع هذه الرسوم".

وحول الجامعات الخاصة يقول النائب عودة قواس "يجب أن نفرق بين الجامعات الحكومية والجامعات الخاصة، الجامعات الخاصة هي أصلاً لشركات، وهي تعمل بالمعنى الربحي ما دامت لا تقوم بالبحث العلمي، لكني لا أظن أنها تستغل الطالب لأنها تحمل جزءا من هم الوطن التعليمي".

مجانية تعليم أم خفضٌ الأسعار..
يقول الطالب مصطفى درويش وتخصصه هندسة في إحدى الجامعات الخاصة "أنا مع مجانية التعليم لأن من حق كل مواطن أن يتعلم، وحينما نطرح مجانية التعليم نضع المجال أمام الفرد أن يختار ما يريده إذا ما أراد مثلاً الذهاب الى المجال الصناعي أو كان يريد إكمال التعليم يكمله وهكذا نخلق مجتمع قادر ان يتخذ قرارته بنفسه وليس أن يترك الإقتصاد هو الذي يقرر له ما يريد".

لكن رئيس الجامعة الأردنية الحنيطي يرى مجانية التعليم الجامعي غير واردة، ويقول "نتحدث هنا عن معدل كلفة الطالب الجامعي في جامعته من استخدام اجهزة الحاسوب والمكتبة وغيره فهنالك مصاريف كثيرة تقع على الجامعة لتوفير البيئة التعليمية والتعلمية للطلاب، وهذه التكاليف لا يمكن تغطيتها إلا من الرسوم الجامعية، فيبقى الدعم الحكومي للجامعات وتحمّل هذه الكلفة؛ عندها فنتكلم عن مجانية التعليم، ومشاركة الطالب في النسبة المتواضعة الآن هي معادلة متوازنة للطرفين على أساس تأمين جزء من موارد الجامعة لتغطية نفقاتها من الرسوم بالإضافة الى الدعم الحكومي الكبير".

مشيراً الحنيطي أن مجانية التعليم قد لا تعطي الجدية على التعليم، "وقد تؤدي الى نوع من التسيب، فطالما أن الطالب يدرس مجاناً فيبقى فصولاً عديدة في الجامعة وهذا طبعاً، فمعادلة مجانية التعليم أصبحت غير مقبولة في معظم الدول من ناحية تربوية لأنها تؤدي الى ترهل الطالب في الجامعة".

ويشاطره الطالب محمد الرأي قائلاً "أن أتلقى تعليماً مجانياً لا أدفع فيه شيئاً معناه أن آخذ موادي الجامعية على فصول جامعية طويلة وأستهتر في التخرج".

لكن محمد يؤكد على الرغم من ذلك أن "ما نريده أن يخفضوا الرسوم بما يتناسب مع دخل المواطن".

ويعزز مصطفى هذا الرأي بقوله "الرسوم يجب أن تخفض؛ فكثير من الناس يمرون بظروف معينة في مرحلة الثانوية العامة، وهناك عائلات لا يكادوا يجدوا خبز يومهم ومع ذلك يريدون أن يتعلموا ويدرسوا في الجامعات للدخول على المجتمع بشهادات علمية".

لكن النائب قواس يجزم على استحالة تحول التعليم الى المجانية بقوله "دخل المواطن منخفض من كل النواحي، والأصل أن تكون الجامعات الرسمية مجانية مثل الدول المتقدمة، ولكن هل يستطيع الإقتصاد الأردني تحمل ذلك؟ طبعا لا يستطيع، ولكن هناك بعض الحلول الجزئية والتي تتلخص في موضوع المكارم الملكية في تخفيف جزء من العبأ على المواطن، وصحيح أن مداخيل مواطننا الأردني لا تكفي لتعليم طالب فما بالك بالعائلة التي لديها طالبين أو اكثر في الجامعة لكن من أين ستأتي الحكومة بالمال لسد هذا العجز والأردن دولة نامية".

وعليه فأن يصبح التعليم مجاني كما تقول رجاء "فكرة جميلة لكنها صعبة التطبيق، لكن يمكن أن نخفض من الرسوم الجامعية بطريقة تكون بمتناول يد الطالب وتحقق له كل التسهيلات والتقنيات التي يحتاجها بنفس الوقت".

ما الحل.. إذن!
ما هو مطلوب برأي أمين عام المكتب التنفيذي في (رشاد) يوسف الغزاوي من البرامج الحكومية الحالية والقادمة على الصعيد التعليمي الجامعي "ليس فقط الكف عن الإرتفاع المتواصل للرسوم الجامعية وإنما تخفيض هذه الرسوم بما يتناسب مع نفقات الجامعة كخطوة ثانية استنادا الى الحق الطبيعي والمشروع لأي مواطن يعيش في دولة مطلوب منها تأمين حاجاته الاساسية وتوفير منبر حر لهؤلاء الطلبة للتعبير عن آرائهم بدون أي تدخلات على شكل (الإتحاد العام للطلبة الأردنيين)".

وإذا ما كان هناك تحرك من قبلهم يقول الغزاوي "تقدمنا بطلب اعتصام بإسم دائرة الشباب الديمقراطي الأردني رشاد ومكتب شباب الحزب الشيوعي لإقامة اعتصام أمام الجامعة الأردنية احتجاجا على رفع الرسوم الجامعية من قبل محافظ العاصمة حيث كان موعده يوم الثلاثاء 10 تشرين الأول الحالي لكن تم رفضه".

ويشدد النائب عودة قواس على أنه لا يوجد هناك ارتفاع مستمر على الرسوم الجامعية "الإرتفاع سيكون في التخصصات البيئية التي ستفتح في الجامعات الرسمية، فقد كان هناك نقاش مطول مع وزارة التعليم العالي وكانت هناك خطة لزيادة الرسوم الجامعية على مدى خمس سنوات نفذ منها 3 سنوات، ثم أوقف العمل بها نتيجة الغلاء الذي شهده الأردن وارتفاع أسعار النفط، وهذا العام لن ترتفع الرسوم أبداً في الجامعات الرسمية".

مع رضوخ الأردنيين وسكوتهم عند أي ارتفاع في الأسعار رغبةً في الحصول على التعليم بأي وسيلة وتحسباً لمستقبل قادم، وتزايد عدد الجامعات الخاصة والحكومية في الأردن، يبقى سؤال معلق بين الأفواه: هل من حلول أخرى؟

أضف تعليقك