شغف العيش خارج سجن الجسد

الرابط المختصر

لا يكفي أن تسْوَدّ وجوه الآباء وتكظم غيظها عندما تبشر بمخلوق أنثى، فهذا المخلوق ما ان يعي حياته حتى تُحْشَر روحه وإنسانيته داخل أسوار الجسد المحدود. وطالما بقيت المرأة على قيد الحياة فليس لها ان تحياها خارج إسار الجسدالذي سيتحول إلى عبء ثقيل، فهو طورا عورة وطورا يجب الحفاظ عليه منظرا بديعا يسر الناظرين.



كيف يمكن للروح ان تنمو بحرية وللشخصية ان تتبلور بمعزل وخارج قيود عديدة يفرضها المجتمع على المرأة لمجرد أنها تحمل جسدا مختلفا عن الرجل، فالمرأة منذ ان تعي الحياة أو قبلها منذ الطفولة لا تمتلك أبدا حق التحرر من قيود الجسد فهي مطالبة دوما بالحفاظ على هذا الجسد، فلا يجب ان تنام على بطنها ولا ان تباعد ساقيها، وعليها ان تحاذر إذا ركبت دراجة أو مارست رياضة معينة مثل البالية أو الجمباز او القفز فكل هذه الرياضات قد تعرض غشاءها الرقيق للتهتك، غشاء البكارة هذا الذي يجب ان تحافظ عليه هدية وعربون محبة وإخلاص لعريس المستقبل.



والفتاة اذا بلغت تصبح مطالبة بالاحتشام، فلا يجيب والحالة هذه ان ترتدي ما يستهويها هي بل ما "يستر عورتها" والعورة هنا الجسد كله من الشعر حتى أخمص القدمين. وطالما هي تحمل "عورتها" أينما ذهبت فعليها دائما التصرف بمقتضى الحال، فهي يجب ان تمشي الهوينى دون تكلف أو إغراء، فكل خطوة محسوبة وكل حركة يجب ان تكون مرسومة، وكل صوت أو حتى هسيس يخرج منها يسجل عليها.



والجسد أيضا ليس عورة وحسب، بل يجب الحفاظ عليه "متعة تسر الناظرين"، نحيفا متسقا لماعا، لا تشوبه شائبة ولا يمسه الترهل ولا يطفئ بريقه سواد ولا كلف ولا حب الشباب، فالجسد هنا يجب ان يبقى مستوحى من الروايات والأفلام ومجلات الأزياء، وأجساد العارضات والممثلات، وفي غير ذلك لا تكون المرأة أنثى، ولا تتمكن من إغواء الذكر الذي لا يعيبه شكل ولا يمسه سوى عيب الجيب الفارغ.



معايير مزدوجة ونفاق اجتماعي

لعل أكثر ما يثر الاستغراب في المجتمع الأردني هو المعيار المزدوج في التعامل مع مختلف الأشياء، ويظهر هذا بشكل سافر في كل ما يتعلق بالمرأة ،فما هو مسموح للرجل ليس بالضرورة أن يكون مسموحاً للمرأة، وما يمكن للرجل أن يجربه لا تستطيع المرأة في أحوال كثيرة حتى التلميح بأنها تستطيع تجربته.



ولذلك ومن منطلق عاداتنا العميقة التي تقيس حتى التنفس بمقياس الشرف ورسخت المرأة "باروميتر" له فإن الجنس لدينا رجالي حتى النخاع. ولا يهم هنا ما تعبر عنه رولا، 30 عاما، عن العلاقات العاطفية والجنسية قبل الزواج بوصفها تجربة ضرورية لمعرفة مدى انسجام الشريكين وتوافق كيمياء الجسد والروح، فهي تقول عن الرجل الذي تطمح إلى مشاركته الحياة " أشترط أن يكون قد أقام علاقة جنسية قبل الزواج، سواء معي أو مع غيري، لأن الانسجام الجنسي أساس الزواج، إضافة إلى الانسجام الفكري. فالجنس هو الذي يميز علاقة الحب عن أي علاقة أخرى. فإذا لم يكن هناك انسجام جنسي فستفشل العلاقة أو سيصيبها البرود".



وتضيف رولا في موقف يغرد خارج سرب القطيع " لذلك لا أمانع في إقامة علاقة جنسية مع من أحب لأنها فعل إنساني وصحي لأنه يسمح بالتعبير عن المشاعر بطريقة سليمة، بدلا من اللجوء إلى الأفلام الإباحية أو إقامة علاقات غير سوية مع مومسات".



ورولا التي تتحدث عن الحياة السرية للشباب تقر واقعا يعرفه المجتمع تماما ولكن لا يرضى الاعتراف به، وهو سر ازدواجية المعايير والانفصام التي يحياها المجتمع، فمصطلح الشرف يرتبط لدينا بالمرأة، و"تفريطها بعذريتها" هو تلطيخ لطهرها وهو انتهاك أكبر لشرف العائلة، حتى لو لم يكن هذا "التفريط" برغبة أو تخطيط منها، فهي المسؤول الأول والأخير عن" الشرف الرفيع".



أما الرجل الفارس "ذو الدرع اللماع" والذي يذود عن شرف العائلة والذي من الممكن أن يرتكب جريمة قتل في حالة الشك في هذا الموضوع فإن تجربته للعلاقة الجنسية هي في كثير من الحالات وسام يعلق على صدره ودليل على فحولته التي لا شك فيها.



وإذا كانت رولا ترى ان "العذرية ليست أمرا مهما فهناك شباب وشابات تجاوزوا هذه المسألة ولكن في حياة سرية. أصبح في عمان حياة سرية، هناك علاقات جنسية قبل الزواج وهناك عمليات رقع غشاء البكارة لفتيات قبل الزواج. لماذا إذن نعيش في مجتمع من النفاق،علينا أن نعترف بوجود هذه الظواهر وأن نتعامل معها بشكل صحيح".



ولكن لتالا ، 27 سنة، رأي آخر فهي وان كانت تطمح إلى إقامة علاقة عاطفية قبل الزواج ولا تمانع في تطورها إلى الجنس إلا أنها تبقى متحفظة بشدة إزاء فقدان عذريتها فتقول ردا على سؤال بهذا المعنى "ممكن قبل الزواج ولكن لا يصل الأمر إلى فقدان العذرية وشرط ان يكون ذلك مع الشخص الذي أحبه".

وعودة إلى ما تقوله رولا فهو يعبر عن واقع وجود فئة قليلة من الناس صادقت ما عاهدت نفسها هي عليه لا ما فرضه المجتمع عليها، فهي فئة كسرت كل هذه القيود التي لا ترى في الحب والشرف والعلاقات الإنسانية سوى النظرة الضيقة لغشاء رقيق وهي فئة اختارت ان تجد تفسيرا أخر للأخلاق والإخلاص يبتعد كثيرا عن البيولوجيا ليقترب أكثر نحو النفس الإنسانية، فهي كائن أكثر تعقيدا واكبر من ربطه بعضو ما، مهما كان هذا العضو مهما في الجسد الإنساني.



وهؤلاء اختاروا ان يبنوا حياتهم على الحب والثقة والصراحة المتبادلة والندية وتقبل الأخر ليس بما يراد له ان يكون، وهم كذلك قد وضعوا ماضي الإنسان خلفهم كونه حق للشريك وليس حق لهم فاختاروا الحياة الآن ومستقبلا لا العيش في ماض لا يعنيهم.



وفي هذا يقول حسن، 34 عاما، "قبل أن أقيم علاقة عاطفية مع فتاة أكون قد وصلت إلى قناعة أنني أنسجم معها في أشياء كثيرة جدا. ثم تتطور هذه العلاقة العاطفية وتصبح بحكم العرف زوجتي، لأن الزواج كمؤسسة هو إشهار لعلاقة اثنين، الآن قضية العقد في المحكمة أعتقد هي قضايا استحدثت في العصور الأخيرة. الأصل أن يكون هناك إشهار للعلاقة وهذا حاصل، أنا مقتنع بهذه الفتاة وهي مقتنعة بي وتطورت العلاقة العاطفية، الآن أستطيع أن أقيم معها العلاقة الجنسية كما هو سائد في علاقة الزوجين".



وبالنسبة لحسن فانه كما للبعض غيره فالمهم هو الحب والثقة بمناسبة الواحد للأخر إذا يقول " الفتاة التي أقمت علاقة عاطفية معها وتطورت إلى علاقة جنسية لم أفكر للحظة في البداية إن كانت عذراء أم لا، تطورت المشاعر دون أن أعرف إن كان لها علاقات جنسية سابقة أم لا. الآن إذا كنت مقتنعا أنها فتاة جيدة وممكن أن تكون شريكتي في الحياة ونؤسس فيما بعد أسرة فلا يعنيني ماضيها لأنه كان لي ماض أيضا، فكما سأقبلها بماضيها يفترض أن تقبلني بماضي".



وإذا كان حسن يمثل حالة متقدمة ترفض ربط المفاهيم الأخلاقية والعلاقات الإنسانية بجزء عضوي من الجسد فهناك أيضا من يرى في الحب شفيعا قادرا على تجاوز هذا القيد الذي فرضته العادات والتقاليد فيقول سلام ، 26 عاما،انه يرفض الزواج ممن فقدت عذريتها "من حيث المبدأ" ولكنه قد يقبل بالأمر إذا وقع في حب هذه الفتاة، ويقول: "لا أرتبط بفتاة غير عذراء، لكن لا أعرف من سوف أقع بحبها، فإذا أحببت فتاة وأخبرتني بهذا أمر هنا الحواجز تتكسر".



رغبة مكبوتة

لا يخفي البعض رغبته في إقامة علاقات جنسية قبل الزواج، فهي رغبة ليست ناجمة عن كبت فحسب بقدر ما هي متعلقة أيضا في القدرة على معرفة الذات والجسد ومدى توافق الروح مع الشريك، فالمعروف ان ثالث أسباب الطلاق في الأردن يعود إلى عدم التوافق الجنسي بين الزوجين، ولكن أي فتاة تحاول التعبير عن هذه الرغبة ولو من باب التجربة وعدم الوقوع في محظور الطلاق لا تجرؤ على ممارستها.



العلاقة المحرمة

لا يهم ما إذا كان الرجل قد جرب "الجنس" قبل الزواج: الإطار الشرعي والقانوني والأخلاقي، وهو يجد من يتساهل معه ويبرر له في أغلب الأحيان، أما هذا الأمر فهو غير وارد مع فتاة مرت بنفس الحالة، وإذا كانت حاجة الروح والجسد للحب يجدها المجتمع خروجاً عن عاداته وتقاليده ويحرمها على الرجال فهي بالتأكيد خطيئة كبرى تستحق الرجم إذا عبرت عنها امرأة بمجرد الكلام، إذاً كيف الإقدام عليها فعلياً؟.



ويأتي القانون ليكرس وصاية الرجل والقبيلة والمجتمع على المرأة في فكرها وجسدها، فيمنح من قرر محاكمتها وإدانتها ومعاقبتها بالقتل صكا من الغفران و"عذراً محلاً" لجريمة قتل.



رائد، 35 عاما، وهو ليس الوحيد الأكثر تعبيرا عن حالة المعايير المزدوجة هذه فهو في الوقت الذي يسمح لنفسه بإقامة علاقات جنسية قبل الزواج يحرمها على الفتاة وهو أكثر من ذلك يرفض الزواج من فتاة أقامت مثل هذه العلاقة، ويقول: "أكيد اقبل ان أقوم بعلاقات جنسية قبل الزواج وليس لدي أي مشكلة، ولكن لا اقبل بفتاه أقامت علاقات جنسية، بالنسبة لي الأمر عادي لان النفس أمارة بالسوء، أي ان الرجل يجب ان يشارك امرأة غير مخالطة لهذه الأمور ولم تمارس الجنس مع أي شخص من قبل. ونحن نعرف ان الدين يمنعنا لكن هناك العديد من المغريات، أقبلها على نفسي كنوع من الأنانية".



وسامر ابن الثامنة والثلاثين عاما أيضا يرفض الزواج من فتاة غير عذراء ويؤكد: "لا اقبل الزواج من فتاة أقامت علاقة جنسية مع احد، ولكن اقبل الزواج من فتاة مطلقة فقدت عذريتها".



ويبدو انه بالنسبة لسامر كما لآخرين فان نظرة المجتمع هي التي تتحكم في خياراته أساسا فهو يعتقد ان موقف المجتمع من الرجل الذي يتزوج فتاة غير عذراء ستكون نظرة "مختلفة" بمعنى او آخر فان موقف المجتمع سيكون الرفض والاستهجان أو الاستنكار فهو لذلك يقبل بالزواج من امرأة مطلقة فقدت عذريتها، فالعذرية هنا تبقى قبل كل شيء مرتبطة بالمفهوم الأخلاقي لا بحرية الشخص وبجسده وعواطفه.



وبالطبع فانه من الصعب الحديث عن موقف مختلف للمرأة في ظل الثقافة المجتمعية السائدة، ففي مجتمعنا تتم تنشئة الفتاة على أن عذريتها هي الهدية التي ستهديها لزوج المستقبل حيث إنها رمز لإخلاصها للزوج المنتظر ودليل قدرتها على حماية نفسها وسمعتها وشرفها حتى ليلة الزفاف.



ففاطمة ذات الخمس وخمسين عاما لا تقبل بأي نوع من العلاقات العاطفية قبل الزواج وهي ترى كمسلمة ان هذه العلاقة تعتبر نوعا من الزنا وان عذرية الفتاة أمر حساس جدا ومنوط بالعائلة مراقبة بناتهم كي لا يقعن في "الغلط" وتقول: "نظرتي لفتاة فقدت عذريتها قبل الزواج ان الأم والأب لا بد ان يحافظوا على بنتهم ولا تعتبر غلطة البنت بل الغلط يقع على الأم والأب لأنه من المفروض ان يكون لديهم انتباه على بنتهم، لأنه في الوقت الحالي يتطلب ان يكون هناك انتباه على الفتاة أكثر لان وقتنا كثير صعب وكل شيء أصبح مفتوح لذلك على الأم معرفة أين تريد ان تذهب ابنتها ومع مين وأين والأساس الأم والأب".



والأمر لا يختلف بالنسبة لأحلام، 22 سنة، اذ تقول: "لا اقبل إقامة علاقة جنسية قبل الزواج لان الدين والعادات والتقاليد تمنع بالإضافة إلى احترام الذات".



ولكن يبقى الزواج من فتاة غير عذراء "منة" كبيرة يتفضل بها الرجل على المرأة ودائما تبقى حياة الفتاة وأخلاقها معلقة على هذا الغشاء. وان تنازل الرجل وتقبل فكرة زواجها فهو يتقبلها للآخرين وليس لنفسه ومن "باب الستر" أو من باب "المسامح كريم". يقول أنس: "كل واحد حر في نفسه لكن إذا كانت متزوجة وطلقت فان يستر عليها، لكن غير ذلك فانه لا أقبل بها، وحتى لو كنت أحبها فقد تخلت عن شرفها قبلي لذلك لماذا أرضى بها، ومستحيل ان اغفر لها حتى لو كنت أحبها حب قوي فالعقل يطغى على القلب".

ولكنه لا يجد مشكلة كبيرة في زواج غيره منها، فيقول ان نظرته لمثل هذا الشاب "نظرة عادية ومنطقية لأنه ممكن ان تكون الفتاة تزوجت ومرت في تجربة فاشلة".



أما فيصل فهو وان كان لا يملك موقفا ممن أقام علاقات جنسية قبل الزواج الا انه يعتقد انه "ليست كل فتاة فاقدة عذريتها معناه أنها ساقطة، ذلك ليس شرطاً لأن البعض فقدن عذريتهن تحت ظروف تحكمت بهن".



لا يجد أكثر الناس غضاضة في تحميل الدين أكثر مما يحتمل، فكل من رفض الزواج من فتاة فقدت عذريتها يتعذر بتحريم الدين، أي دين سماوي، لمثل هذه العلاقة خارج إطار الزواج، ولكن بالنسبة لكثير من علماء الدين فان العذرية ليست ركنا من أركان الزواج وفقدانها أيضا لا يجيز الطلاق. وإذا كان الإسلام قد حرم هذه العلاقة فهو في المقابل أوقع عقوبة مخففة على غير المتزوج وسواء كان امرأة أو رجل وهذه العقوبة لا تصل حد الموت فهل هذا يعني ان المرأة أو الرجل الذي أقيمت عليه الحدود وعاد إلى توبته سيبقى محكوما إلى الأبد ما غفر له من تقدم من ذنبه؟

أضف تعليقك