شارع الأردن والجلوس على الركام

شارع الأردن والجلوس على الركام
الرابط المختصر

بعد خروجي من مستشفى الملك حسين في لواء عين الباشا متوجهة إلى منزلي في عمان، عقب تعرضي لحادث تحطمت إثره سيارتي من قبل بعض "البلطجية" في شارع الأردن، تصفحت الصحف والمواقع الالكترونية والقنوات بشكل عام بحثا عن أخبار تتعلق بمشاكل هذا الشارع والبلطجة التي يتعرض لها الناس أثناء مرورهم به والذي يربط بين محافظات الشمال والعاصمة عمان، ولم أجد ما يملأ جعبتي سوى بعض الأخبار "البادرة" التي لا تتجاوز فقرتين حول الأمر والتي لم تسعفني بالوصول إلى أكبر قدر من المعلومات حول معاناة المواطنين بسبب المخالفات الموجود في مثل تلك الأماكن.

 

شروع بالقتل، أبسط ما يمكن أن يقال حول ما دار في تلك الليلة، حوالي عشرة شبان من أصحاب تلك الأكشاك والعاملين فيها اجتمعوا ليناصروا بعضهم لأخذ 10 دنانير من حقيبتي لمجرد وقوفي في تلك المنطقة، والجلوس على كرسي على جانب الطريق الأمر الذي يقع للعشرات كل يوم، إلا أن قليلا منهم  يتحدث عن الأمر ويشتكي، وتستسلم الأغلبية من زائري ذلك الشارع لضغوطات البلطجية هناك، الذين باتوا"يحتلون" جانبا منه بالأكشاك غير المرخصة والطاولات والكراسي..

 

ربما تقودك الفضولية إلى الاستفسار حول المستفيد من هذا الاحتلال للارض المخالف للقانون أمام أعين الأمن والدولة والحكومة، لتدرك ببداهة أن المنتفعين كثر، للأسف، وما يثبت ذلك أن البلطجي يخاطبك وكأنه بمركز قوة مسنودا من أحد من لا يهاب أحدا، ويعتدي عليك في أي وقت من اليوم أمام مرأى الجميع دون رادع .

 

خسرت سيارتي التي لا يمكن إصلاحها لشدة الأضرار التي تعرضت لها، وخسرت بعض المناطق الجميلة من جسدي، والتي تم حياكتها بالخيوط الطبية لتعود كما كانت، عقب هجوم من شبان لا يمكن لك لوهلة وأنت تنظر إلى وجوههم أن تؤمن بأنها آدمية، فذاك الذي يدهس بقدميه ويمشي فوق السيارة ويقفز فوقها وكأنها مسرح للدبكة، وآخر يجلب عصي الأراجيل الحديدية ويركض باتجاهي ليسدد رمية نارية لزجاج السيارة التي أغلقتها بسرعة البرق حتى لا يتمكن أحد من إنازلي منها، وكأنه يثأر من المجتمع كله بكسره الزجاج .

 

بعد مضي أسبوع على الحادث، و رفض الأطباء إزالة "الغرز" الطبية، قررت التوجه الى عملي بعد ملل من مكوثي في السرير طيلة تلك المدة، وكنت ما زلت أبحث بين الأخبار عن صور إزالة الأكشاك بعد الإيعاز الذي أصدره وزير الداخلية سلامة حماد، عقب ورود شكاوى إلى مكتبه ، إلا أنني لم أجد أية صورة حديثة للمكان، وكأن كل صحفي الأردن لم يذهبوا لالتقاط، ولو صورة واحدة، عقب إزالة الأكشاك أوتناول القضية في مقال حتى!! ، مكتفين بصور أرشفية ووتناقل الاخبار على طريقة "كوبي بيست" .

 

وبعد نهاية يوم العمل الأول منذ وقوع الحادث، توجهت مع بعض الأصدقاء إلى "مسرح الجريمة "، وتوقفت أمام قوات الدرك التي تسمرت هناك لتطبيق قرار الإزالة، وطرحت عليهم أسئلتي ومشيت في المكان لألتقط الصور التي لم يلتقطها صحفي أردني واحد.

 

كان هناك العديد من السيارات على جانب الطريق المليء بآثار الهدم والحجارة والرمال التي تم فرشها على الأرض لمنع أي أحد من وضع كرسي واحد لابتزاز المواطنين، المشهد غريب جدا .. حطام ودمار والناس تجلس بكل أريحية، تتناول طعامها أو تتبادل الأحاديث بكل فرح دون أي إزعاج من أحد، رغم أن المكان مدمر تماما، وأعتقد أن السبب خلف تلك الصورة الغريبة، أن الجالسين يشعرون الآن أن الأرض أرضهم، ولهم الحق بالاستفادة من المساحة العامة فيها دون ترهيب أو ابتزاز مادي من أي أحد..

 

غادرت المكان حاملة معي تلك الصورة الذهنية، والتي تنافس صورة الحادث الذي تعرضت له، صورتان في عقلي تفصل الواحدة عن الأخرى أيام .. وفي قلبي حلم كبير بتطبيق القانون دائما وسيادته فوق كل شيء .. بأن لا يعتدي الواحد منا على الآخر لمجرد أن ظروفه المعيشية وضعته في خانة بعينها، ألا نعتدي على حقوق الآخرين للحصول على مكاسبنا الشخصية.

فما حصل من "شروع بالقتل" لأجل بضعة دنانير أمر يشترك فيه كل من ساهم بإيصالنا إلى ما نحن عليه الآن من تردي خدمات وسوء أوضاع معيشية وعدم تكافؤ الفرص، ما يتطلب أن يكف المتنفعون من المسؤولين عن تجارتهم بقوت البشر ولقمة عيشهم ودفعهم إلى عالم الجريمة .. فالمجرم الحقيقي هو من يجلس خلف مكتبه دون أن يدري به أحد، أو تطاله يد الرقابة والمحاسبة.

 

 

20

40
70010

أضف تعليقك