سيد حجاب: أنا شاعر أنتمي إلى طبقة الغلابة من شعبي

الرابط المختصر

يعتبر الشاعر المصري سيد حجاب، من أهم الشعراء العرب المغنى لهم في الأعمال الدرامية من مسلسلات، حيث تتجول قصائده في شواطئ الإسكندرية، المدينة التي درس فيها وأحبها وكتب عنها أحلى القصائد، تلك المدينة التي يلقبها بمدينة النور، لكنه، وبنفس الوقت كتب عن بسطاء مصر أو الغلابة كما يحلو أن يقول عنهم.



سيد حجاب، شاعر الفقراء، حامل همومهم، وحلمهم أيضا، هو الذي يقول دوما " لو كنت أمير من أمراء الحواتيت، كنت أدي لكل فقير وفقيرة بيت، بيت بجنينه مليانه زهور وبعشه مليانه كتاكيت، وأعلق فوقُ قمر بنور، ونجوم لولي فتافيت فتافيت".



سلسلة من أهم الأعمال المصرية الناجحة عربيا، كانت بصمة سيد حجاب موقعة عليها، فـ "الليل وآخره"، و"أميرة في عابدين" وفيلم "الأراجوز"، وغيرها الكثير شهدت تميزه في كتابة الكلمة البسيطة المعبرة عن رؤى مجتمعه المصري، وفهمه للأعمال الدرامية، وتغلغله في أعماق الإبداع الدرامي.



ثمة عناوين تؤرق هذا الشاعر؛ إسكندرية، حياة المواطنين "الغلابة" في مصر، القضايا العربية. والتالي حوار أجراه الزميل محمد شما مع حجاب، في برنامج ركن الكتاب الذي يبث على إذاعة عمان نت



< أنا زي ما أكون بوسطجي سكران.. ماسك جوابات فاضية من غير عنوان.. أنا زي ما أكون عسكري سكران ماسك مدفع سعران.. اضرب في الفاضي والمليان.. فين السكة? امتى يطلع فجر الإنسان.. ويستمر التقليب في الصفحات>



قصائدك هوية الفقراء والكادحين، تخرج من آلام المقهورين والغلابة في أحياء مصر الفقيرة؟



أستمد موضوعات قصائدي؛ من حياتي من خبرتي وداخلي، من محبتي الغامرة لبسطاء شعبي بالتحديد، من واقعي المصري والسكندري أيضا، وحياة الفقراء والغلابة.



ثمة علاقة روحية بينك وبين الإسكندرية، أنت مغرم بها، وكما تقول عنها بأنها عاصمة النور، ما سر العلاقة بين حجاب وتلك المدينة؟



الإسكندرية بالنسبة لي، أول مدينة كبرى تأسر روحي بعد مدينتي الأم "المطرية الدقالية" الصيادين، حيث خرجت منها في سن السادسة عشرة لأدرس في الإسكندرية تخصص الهندسة، وهناك، وقعت في حبها، في تلك الأيام كانت الإسكندرية العاصمة الثقافية الحقيقية لمصر، وكذلك كانت العاصمة التجارية الأولى، وكان فيها جاليات أجنبية عديدة خصوصا من الإيطاليين واليونانيين، كانت لهم حياتهم الثقافية، ولهم اوركستراتهم الموسيقية وأنديتهم الأدبية وكذلك مجلات ثقافية، كانت الإسكندرية في تلك الفترة بوتقة تنصهر فيها ثقافات عديدة من البحر الأبيض المتوسط، ويكفي أن يكون هناك شاعرا كبيرا مثل كفافس متخذا الإسكندرية مقرا له - شاعر يوناني مصري ولد وعاش ومات في مصر وهو يعد من اكبر شعراء القرن العشرين اسمه قسطنطين كفافس وهناك جائزة رصدت لتخليد اسمه -، الحياة السكندرية غنية جدا جدا، فهي تأسر روحي منذ ذلك الحين، ولما حان الوقت كي أقرر المكان الذي سأعيش فيه، اخترتها دون تفكير، لأنها الأقرب إلى القلب.



< لو كنت أمير من أمراء الحواتيت، كنت أدي لكل فقير وفقيرة بيت، بيت بجنينه مليانه زهور وبعشه مليانه كتاكيت، وأعلق فوقُ قمر بنور، ونجوم لولي فتافيت فتافيت، لو كنت أمير من أمراء الحواتيت، كنت أدي وزارئي محاريت، علشان يشتغلوا بأديهم ويشوفو إزاي الأرض السمرة، لما نحرتها كده رايح جاي، بطلع غله وقطن وضل وشاي واطلع غاب، نعمل منه الأرغول والناي >



قليلون هم شعراء الذين لامسوا لهجات بلادهم وظهرت في أشعارهم، أذكر منهم سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم من مصر، وعمر الفرا من سوريا، هل يمكن وصف شعركم بالشعر الشعبي؟



لا، أنا أظن أن مصطلح الشعر الشعبي ليس صحيحا، نحن نكتب شعرا حديثا، بلغة الحياة اليومية، فالشعر الشعبي هو الموروث الشفهي؛ الذي تبدعه الجماعة الإنسانية ولا ينسب لفرد بعينه. نحن شعراء ننتمي للطبقة المتوسطة بالأساس، بعضنا ينهل من روافد الشعر الشعبي، وبعضنا لا ينهل، بعضنا يتصور أن الشعبية هي الغوغائية والروح الدعائية، لا أظن أنه من الصحيح أن نضع هذه الأسماء المطروحة في هذا الشعر في سلة واحدة، لكل منهم ذاته الشاعرة المتفردة والمختلفة، ولكل منهم مشروعه الشعري المختلف، والذي يوحد بينهم جميعا أنهم يكتبون بلغة الحياة اليومية، مع اختلاف رؤاهم، ومع اختلاف توجهاتهم، إضافة إلى أنهم ليس قلة، فإذا قلنا أن هناك خمسين شاعرا يكتب بالفصحى في مصر، فهناك ضعفهم يكتبون بالعامية، تجدهم في كل أرجاء الوطن وبيوت الثقافة، هناك كثرة غالبة لمن يكتبون بلغة الحياة اليومية.



< سلو قلبي، سلو قلبي، وقولوا لي الجواب، لماذا حالنا أضحى هبابا، لقد زاد الفساد، وزاد فينا، فلم ينفع بوليس أو نيابة، وشاع الجهل حتى أن بعضا من العلماء لم يفتح كتاب، وكنا خير خلق الله، صرنا في ديل الأيما وفي غاية الخيابه. قفلنا البابَ، أحبطنا الشبابَ، فأدمنَ أو تطرفَ أو تغابى، أرى أحلامنا طارت سرابَ، أرى جنّاتنا أضحت خرابَ، وصرنا نعبد الدولار، حتى أصبحنا نقول له أنت ماما، وأنت بابا، ومليارتنا هربت سويسرا، ونشحدوا من الخواجات الديابَ، ونهري مصر حبا بالأغاني، فتملؤنا أغانينا اغترابَ>



حول المسلسلات التي تقدم لها أشعارك الغنائية، هل ترى نصوص الأعمال قبل الكتابة لها، خصوصا وأن الكثير من الأعمال المصرية أصبحت شارتها بصمة لا تنسى؟



من يحسنون الكتابة في هذا النوع، ينبغي أن يكونوا ممن يحسنون فهم الدراما بالأساس وتحليلها والنفاد إلى أعماقها، وممن لهم مغامرة لغوية ليعّدلوا من أدواتهم اللغوية، لتساق مع المسلسل، سواء كان المسلسل تاريخيا أو يدور بلهجة إقليمية؛ صعيدي، بحيري...، فالمطلوب أن يحسن الإنسان قراءة الدراما، ويذوب في داخلها، وهذا ما يسمى بالقضية المنطقية للدراما، والدعوة الدرامية المقامة عليها العمل الدرامي، ويأخذ لنفسه موقفا في هذه الدراما، ويجد نقطة التقاطع بين نفسه وبين ما تقوله الدراما، وبين اللحظة الدرامية واللحظة الحياتية التي يعيشها، ويمكن أن نكتب عن دراما تاريخية. لكنني بالنهاية أُخاطب جمهورا محدثا ومعاصرا، فبالتالي عليَ أن أصنع هذا التوازن، أن أجد أولا فيما هو تاريخي الرسالة المعاصرة التي أقولها، وأن أعدل في اللغة، بحيث تكون مفهومة لأبناء عصري ومتسقة مع لغة العصر وتوائم العمل الدرامي، فهي مسألة عويصة وأظن لهذا السبب لم ينجح فيها الكثيرون ممن كتبوا الأغنية للدراما، فمنهم من كانت أغنياته ملصقة بالدراما في أحيان كثيرة، أو معوقة للدراما أو زخرف يضيف للدراما مذاقا زخرفيا للعمل.



ألا تجد صعوبة في كتابة هذا النوع من الشعر؟



على درجة من الصعوبة، طبعا تحديد الجمهور المستهدف، والرسالة تُّضيق مدى الحرية الممنوحة أمام الشعر، لكن، بنفس الوقت أيضا، فالقانون العلمي الشهير أن "التحدي العظيم يولد استجابة عظيمة" يقينا عند من يقدرون على مواجهة هذا التحدي.



<أراجوز، أراجوز، إنما فنان، فنان أيوا، إنما أراجوز، وياجوز يا زمان غاوي الأرجزه طياري، ياجوز،إنما لما بقى الكيف إدمان أجي بوص لشي واحد، أراجوز، أرى أيه أراجوز، فلسان كحيان، أيوا أنا فلسان، إنما بردك راجل إنسان، بضرب بألف لسان ولسان، وباكولها بعرقي ومش إحسان...>



لمن يقرأ سيد حجاب ومن يستفزه؟



أحاول أن أقرأ كل ما أجده أمامي، أحب أشعار الشعوب وموسيقاهم المختلفة،وليس لدي أسماء معينة، أحب الموسيقى الكلاسيكية، أسمع الموسيقى الكلاسيكية العربية والأجنبية، أحب الفن في كافة صوره، أحب الإبداع الإنساني في كافة تعيناته.



<الإعلان بيقول: دخن دخن دخن دخن، شفطا نفخا، شدا بخا، ودنك تخن، تصتك سخن، تصبح أزكى وأكبر مخا، لما الدنيا ترخم دخن، الحالة تتسخن دخن، فايق ولا موخم، متواضع متضخم دخن، متفرعا قوي أو متفرخا دخن دخن دخن دخن>



المصري دائما ينحاز إلى مصريته، واللبناني للبنانيته، هذا كنوع من الالتصاق بالهوية، هل أنت مع هذا الطرح بكافة ما يحمله؟



تقول فيروز "فيك تكون بلا أسم فيك تكون بلا وطن"، لا تستطيع أن تكون إنسانا كاملا، إلا إذا كنت من مكان ما، تحمل خصوصية ما، وهوية ما، ولا يعني أن هذا تعصبا شوفينيا، لكن لا يمنك أن تكون عالميا وإنسانيا ومطلقا، إلا إذا كانت لك جذور ممتدة في أرض ما. تصادف أننا من جذور مصرية وعرفنا الوجود واستقبلنا الوجود بعيون مصرية وبمفاهيم مصرية، لكن هذا لا يمنع انفتاح القلب الروح على كافة بني الإنسان.



ماذا تقول في ختام الحديث؟



سأختم حديثي بقصيدة بعنوان "معدلة جبرية"؛ "الموت ترف، وعيشة القرف ترف، ولما تصبح الحقيقة عار، والكذب على النفوس شعار، بتصبح البيوت، قبور بلا صبار، ويصبح السكوت ترف، ساعتها يبقى الموت طريقنا للشرف.

أضف تعليقك