"سيداو" تضرب في قلب المجتمع الأردني
ازدياد التصعيد ضد اتفاقية إنهاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" لن يقف عند هذا الحد، إذ ستواجه الاتفاقية بأصعب الاشكاليات المعقدة
في مقدمتها "الدين" والثقافة المجتمعية لما لامسته من محظورات في المجتمع الأردني، بحسب مراقبين.
الاتفاقية التي تثير جدلاً كبيراً في هذه الآونة إبان إلغاء الحكومة تحفظها على المادة (15) والتي تمنح المرأة الأردنية حرية التنقل واختيار المسكن زادت من خشية العديدين من إلغاء الحكومة لتحفظها على باقي المواد المتعلقة بمنح الجنسية لأبناء الأردنيات والعلاقات الأسرية.
بعض الناشطين في حقوق المرأة أرجعوا هذا الجدل إلى خشية المجتمع "الذكوري" من خسارة مكانته وسطوته بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.
حزب جبهة العمل الإسلامي عقد بدوره مؤتمراً صحفياً يوم الأحد حول ما أسموه "مخاطر" اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو".
وأصدر حزب الجبهة عقب المؤتمر بيانا يؤكد فيه ان اتفاقية سيداو من شانها ان تحول الحياة الاسرية الى صراع وحرب مشتعلة بين الرجال والنساء ، وتؤدي تطبيق بنودها وتقنين التشريعات المحلية بناء عليها الى شيوع التفسخ الاسري، وسلب المرأة الحقوق التي منحها ايايها الشرع بحجة المساواة المطلقة، وترسم لمستقبل خطير من خلال خلق جيل نسائي يستغني عن الرجل بل وينظر اليه العدو" بحسب ما جاء في البيان.
مدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان قال في حديث لعمان نت " من له الاولوية في الحديث عن هذه البنود هم اصحاب الاختصاص في القضايا الشرعية كدائرة الافتاء وعلماء الاجتماع والشريعة الاسلامية، وليست المنظمات النسائية بغض النظر عن ماهية توجهاتها وما تحمله من افكار مناصرة للمرأة ".
ويرى سرحان انه من الضروري الانطلاق بأي حوار يتعلق ببنود الاتفاقية، بان يكون منبثقا من الثوابت الدينية والقيم الاصيلة التي تصب في مصلحة المجتمع.
فالجمعية لم تبدي رأيها بالاتفاقية إلا بعد دراسة مستفيضة اخذت بعين الاعتبار "البعد الشرعي والاجتماعي ومصلحة الأسرة والمجتمع"، بحسب سرحان
الكاتب والصحفي باتر وردم كتب في مقالة له أن الاتفاقية لا تساهم بأي شكل من الأشكال في التفكك الأسري ولا في الانحلال والجريمة كما يشيع البعض، فهي إطار قيمي وتشريعي لحفظ حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل في الأدوار الاجتماعية.
وأشار سرحان الى ان " المادة 9 الفقرة 2، الخاصة بقانون الجنسية، لا اشكالية عليها، فحتى الان لم ترفع التحفظ عنها لأنها تعتبر قضية سياسية".
من جهته، طالب عضو كتلة العمل الإسلامي النائب سليمان السعد الحكومة الأردنية بعدم الخضوع للضغوط الخارجية للحصول على "التمويل"، مشيراً إلى أن تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة "لا يمكن القبول به"
ونوه سرحان ان اتفاقية سيداو لا تفرق بين المرأة المتزوجة من غيرها، "فهذا الامر ليس مقبولا لا في الشريعة الاسلامية ولا حتى في اعرافنا الاجتماعية، فالشريعة تفرق بالتعامل مع المرأة المطلقة او غير المتزوجة".
ورداً على رفض مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة يرى الكاتب وردم أن هذه الفكرة تنطلق من نظرية خاطئة مفادها أن المرأة هي سبب الانحراف الأخلاقي وأن الوسيلة الأفضل للوقاية هي الحد من تحركها، "ولكن الواقع يقول أنه منذ فجر البشرية فإن سوق الانحلال الخلقي كانت مفتوحة من قبل الرجال ومن أجل فائدة الرجال ودور النساء هو فقط أدوات في هذه السوق".
أما فيما يتعلق بالمادتين (15) و(16) المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وحرية التنقل للمرأة، يرى سرحان انها تتيح للفتاة السكن في خارج منزل العائلة، "والزوجة بإمكانها ان تتطلب المسكن في خارج اطار بيت الزوجية، وهذا منافي للشريعة الاسلامية فإذ كان هناك رغبة حقيقية في تغير مكان المسكن يجب ان تتم بموافقة الزوجين، ولا نعطي للفتاة الحرية المطلقة لتنقل بدون اذن وليها، اذ هذا الامر يؤدي الى تفكك الأسرة وخلخلة بنيانها ".
تقييد حرية المرأة "والحجر" عليها يتخذ كحجة للحرص على مصالحها، برأي الناشطة في مجال حقوق الإنسان المحامية منى مخامرة.
ومن جانبها، اوضحت امين عام اللجنة الوطنية اسمى خضر ان الاتفاقية تأتي مساندة لقانون الاحوال الشخصية النافذ، وفيه حق التنقل وحق اختيار مكان السكن مكفول.
"فالبعض يقول ان المرأة ملزمة بالالتحاق ببيت زوجها، بينما قانون الاحوال الشخصية يتيح لها هذا الاختيار، وللمرأة كامل الحرية لان تقبل الزواج او لا تقبل ، وباستطاعتها ان تضع الشرط التي تريد في عقد الزواج فهذا حق لها كان تختار مكان "، تضيف خضر.
وأكدت خضر بأن الغاء التحفظ على هذه المادة مطابق للشريعة الاسلامية والقانون والدستور الاردني الذي نص على المساواة بين المرأة الرجل "وبالتالي علينا ان نتوافق في موقفنا الدولي ومجتمعنا بما هو موجود لدينا فعلا وبحسب القانون".
ويعود سرحان لانتقاد المادة 16 مبيناً "خطورتها" على حد تعبيره، "المادة ترفع شرط رضا الولي وموافقته في موضوع الزواج وهذا الامر فعليا خطير لان جمهور الفقهاء قالوا ضرورة وأهمية وجود موافقة الولي في موضوع الزواج ولكن هذا لا يعني التحكم في مصير الفتاة لكن نحن نريد للأسرة ان تمتد وتبقى متماسكة"
وقالت خضر بأن المجتمع الأردني مثال للمجتمعات الذكورية المنحازة لمصلحة الرجل "وهذا مرتبط بالعادات والتقاليد والأعراف وليس بالنصوص الدينية، فهو راسخ بالثقافة و التربية والسلوك، وهذا يتطلب تعديل وتغير ولكن يحتاج الى جهود جبارة كبيرة ".
ويختتم الكاتب باتر وردم مقالته قائلاً بأن أن التمييز ضد المرأة لن تعالجه اتفاقية مثل هذه لأنه مزروع في ثنايا ثقافية اجتماعية راسخة تاريخيا ولن يتم التخلي أبدا عن هذه الثقافة بسهولة حتى لو تم توقيع مليون اتفاقية سيداو.











































