سوزان غاوي نصّار: كتبت الممنوع عن أدب الطفل... وأريد مكتبة لكل طفل عربي

سوزان غاوي نصّار: كتبت الممنوع عن أدب الطفل... وأريد مكتبة لكل طفل عربي
الرابط المختصر

في كتاباتها تأخذ على عاتقها، أن تعطي الطفل العربي جرعات من عسل المعرفة، تتناول مواضيع شتى تقترب من الطفل وتأخذه في رحلة مع مخيلته، تكتب عنه وعن عالمه، لقاء خاص في برنامج برائحة القهوة مع الكاتبة الأردنية سوزان غاوي نصّار.تكتب عن الإنسان والحيوان والنبات وعن حقائق الطبيعة من تكاثر وموت وحتى عن تناقضات الحياة المختلفة، بطريقتها الخاصة البعيدة عن الكلمات الكبيرة الزخمة وبلغة قريبة من قلب الطفل وطريقة تعبيره لكأنك تظن أنه هو من يكتبها وليست سوزان.

لها من الإصدارات الخاصة بالطفل منهاجا للصف الأول الإبتدائي، وسلسلتين قصصيتين أولها كان (أنا أقرأ فالقراءة عيد) ومن ثم أتبعتها بسلسلة جديدة حملت اسم (أنا أقرأ فالقراءة فرح)، ومنهما يدرك القارئين الصغير والكبير معاً أنها تعني ما تريد أن توصله من خلال قصص السلسلتين، فهي تريد للطفل أن يقرأ، وأن يقرأ، وأن يعتاد على القراءة.

وكغيرها من الكتاب تلاقي سوزان عثرات في عالم الكتابة والأدب، لكنها وإن كانت تبدو أكثر تفاؤلا من غيرها فإنها أيضا فخورة بما استطاعت أن تصله حتى الآن، لكي تطمح بالمزيد.

- نتحدث بداية عن مجموعتك الجديدة (أنا أقرأ فالقراءة فرح) على ماذا ركزت فيها؟ وبماذا اختلفت المجموعة الجديدة عن مجموعتك الأولى (أنا أقرأ فالقراءة عيد)؟

ركزت في مجموعتي الجديدة على مفردات اللغة العربية، فلدي رغبة قوية في إحياء اللغة العربية، لأني لاحظت أنه وفي اللغات الأجنبية سواء الإنجليزية أو الفرنسية يتعلم الأطفال أسماء صغار الحيوانات مثلا بسهولة منذ الصغر، أما نحن فلا يوجد في مناهجنا استخدام لهذه المفردات، فأحببت من خلال هذه القصص أن أقرب هذه المفردات وأبسطها وأعطيها للطفل على شكل قصة، أكررها من خلال هذه الكلمات ليستطيع حفظها بسهولة.

عندما نتعامل مع الطفل سواء قبل القراءة أو بعد القراءة من صفوف الحضانة أو الروضة حتى صفوف الابتدائية الأولى، ونقدم له هذه المفردات بطريقة قصص مشوقة له تصبح لديه كبناء البيت، كلما راكمنا المفردات تصبح لديه عادية وطبيعية عند كبره، وليس كلمة ثقيلة أو كبيرة مثلما أسمع من بعض الناس، فمثلاً في القصة الأولى من المجموعة (الديسم والغزالة) الديسم وهو صغير الدب هذه الكلمة لم تكن مستعملة من قبل وعندما قرأتها للأطفال، صاروا يعرفونها ويحفظونها حتى أولئك الذين لم يبلغوا الثلاث سنوات، وهذا اعتبره إنجاز لأني استطعت أن أوصل هذه المعلومة لطفل بهذا العمر.

- قرأت لك بعض من المجموعة الأولى، ووجدت اللغة البسيطة والمتمكنة من عقلية الطفل الذكية، فلديك حس عالي باحتياج الطفل الحقيقي... كيف تختارين مواضيع قصصك؟ ومن أين تستقين الأفكار؟


أختار مواضيع القصص من الحياة اليومية للطفل، فأنا بطبيعة عملي دائماً مع الأطفال، فأشعر بهم وبماذا يفكرون وما هي الأشياء المحببة لهم، بالإضافة إلى رغبتي لتناول الأشياء غير المتطرق لها، فإذا لاحظتِ فالعناوين ليست متناولة لا من قريب ولا من بعيد، فأحاول في القصص أن أتكلم في المواضيع المهمة مثلما في قصة (عند طبيب الأسنان)، أو مثلا موضوع الطفل وبرنامجه اليومي مثلما في قصة (لارا الفارة)، والرياضة مثلما في قصة (فؤاد الهداف) حيث أشجع الأهل أن ينمّو أي مهارة لدى أطفالهم ويشجعونهم لأنها لا تتعارض مع التعليم ولا مع الحياة اليومية.

في قصة (روضتي) تتكلم عن كيف يدخل الطفل الروضة ويشعر بالغربة فالقصة تساعده على تقبل الروضة وهي أول خطواته باتجاه المدرسة، إضافة إلى المواضيع الطبيعية مثل قصة (حنان وأرنوبة) والتي تتحدث عن تكاثر الحيوانات، وقصة (شكرا لك أيها الطبيب البيطري) تتحدث عن رعاية الحيوانات، هذا بالنسبة لسلسلة "أنا أقرأ فالقراءة عيد".

أما السلسلة الجديدة "أنا أقرأ فالقراءة فرح" فهناك مواضيع غير متطرق لها أيضا، مثل قصة (الموت في الصحراء) وفيها موضوع حسّاس جداً، لكن الطفل يعيشه بنفس الوقت، وقد حصلت لي تجارب مع عدة أطفال جعلني أكتب في هذا الموضوع، فلا نستطيع ترك الطفل ليفكر ويحلل وحده ليصبح لديه انطواء أو خوف، لأنه من الضروري جدا أن يعبّر عما في داخله ومن خلال هذه القصة نفتح حوارا معه، وتناولت مواضيع أخرى في السلسلة عن الحيوانات وصغارها ومنها عن ماذا يغطي جسم الحيوان وكلها بشكل مبسط وقريب ومشوق للطفل.

- في قصة (حنان وأرنوبة) التي صدرت عن السلسلة الأولى، نقرأ فيها تثقيف لأكثر من موضوع، مثل رعاية الحيوان وتكاثره، إضافة الى تنويه لموضوع الثقافة الجنسية من خلال ذلك، فكيف تطرقت لهذا؟

بالضبط، لقد وجدت أنه من المهم جداً أن يتعلم الطفل هذا منذ صغره، فمشكلتنا أن كل شيء عندنا عيب، لكن في الحقيقة لو أن الطفل عرف هذه الأمور منذ صغره فسوف يكون الأمر طبيعي جداً فيما بعد، ففي القصة تغيب أرنوبة عن صاحبتها حنان وتختفي لبعض الوقت عند الجيران الذين لديهم أرنب، وتعود ومعها عدة أرانب صغيرة وهي الخرانق ويجد الطفل أن الخرانق تشبه الأم والأب، فيتعلم الطفل أن أرنوب وأرنوبه أصبحوا أم وأب ولديهم صغار.
يبدأ الطفل عندها يفكر فيما حصل، بمعنى أن أرنوبة أصبحت أم، فيحلل ذلك تحليلا بسيطا وبمساعدة الأهل أو المعلمة يفهم أنها تزوجت ويعرف أن الحيوانات تتكاثر وهو شيء طبيعي، وأن الحيوانات لا ترعى صغارها مثل الإنسان، كان من الضروري التحدث ولو بشكل مبسط عن هذه الأشياء لأننا إذا تطرقنا لها بشكل صحيح وعلمي وموضوعي ومبسط نكون قد أفهمنا الطفل هذا الموضوع الحساس لنختصر المشاكل التي قد تنتج فيما بعد. فنحن اليوم بعالم الإنترنت وصار الطفل يستطيع أن يرى المشاهد والصور الجنسية على التلفاز والإنترنت ولو لم نتطرق لها فربما ينحرف أو ينطوي على نفسه.

- أدب الطفل أدب صعب، فمثلا تناولك لعالم الحيوانات الذي يثير الطفل ويحببه بالمعرفه، الامور التي تدخل ضمن عالمه الخاص الذي يعيشه كل يوم. فكيف يمكن للكاتب الخاص بالطفولة أن يفهمها ويلم برغبات الطفل الاكتشافية وما يريد أن يقرأه؟


من خلال تعاملي مع الأطفال على مدى سنوات من عملي في التدريس، أشعر بالأشياء الضرورية بالنسبة للطفل، ففي قصص المجموعة الجديدة تناولت مواضيع وكلمات جديدة وبشكل يسير تثير الطفل كما ذكرت وتلبي رغبته بالمعرفة، ومنها ما جاء على شكل (فزوره) وغيره، يهمني أن يعرف الطفل أنه لكل حيوان ما يميزه مثلا وهكذا، وبعد قراءة كل قصة أريد للطفل أن يعبر عن نفسه ومهارته وقدرته.
لا نستطيع أن نقول أن هناك طفل غبي، فالقدرات تتباين لدى الأطفال وهناك لكل طفل نبوغ في مجال ما، وعلى الأهل أو المدرس أن ينمي هذه المهارة أو هذا النبوغ التي يجده لدى طفله، ومن خلال إهداءي في كل قصة هناك رسالة موجهه للطفل حتى يعرف ماذا أريد أن يوصل لطفله، ومن خلال هذه القصص أريد أن أنبه الأهل لهذه الأمور والمواضيع المهمة.

- كيف الإقبال على شراء قصصك؟ خاصة في ظل هذا الفقر والعوز الثقافي لدى المجتمع، فأدب الكبار لا يباع، فكيف بأدب الصغار؟ فهل ما يزال الطفل يقرأ؟ خاصة وأننا اليوم في عصر فضائيات الطفل، mbc3 و spacetoon؟

هنا أوجه عتباً على الأهل، بالنسبة لقصص مجموعتي فقد كان شرطاً من شروطي لدار النشر أن تكون معتدلة السعر ومتناولة من الجميع لأن رغبتي هي أن يحصل عليها أكبر عدد ممكن من الأطفال في المملكة أولاً ثم خارجها.

أما فيما يخص البيع فبيعها في مناطق عمّان الغربية أكثر منه في عمّان الشرقية أو باقي المحافظات، والسبب أنهم يقولون أنها غالية، لكن ما لاحظته أن بعض الأهالي يقولون لأولادهم ماذا ستستفيد من هذه القصة ستقرئها مرة ومن ثم سترميها، وهنا أوجه عتبي، فإذا كان الأب أو الأم لا يشعرون بأهمية اقتناء الطفل لقصة وعمل مكتبة في منزل كل طفل فكيف سنشجع الطفل على القراءة، أتمنى أن يكون لكل طفل مكتبة تعبّأ بالقصص ويضاف إليها كل فترة قصص جديدة، فالمشكلة ليست أولادنا المشكلة بالأهل للأسف.

هناك عتب آخر أوجهه للإعلام، فكلما صدرت أغنية جديدة نجدها على كل الإذاعات والمحطات والإعلانات، لكن إذا صدر كتاب لا أحد يتكلم عنه ولا أحد يدري إن كان صدر أم لا، فلماذا لا يكون هناك اهتمام بالكتاب ولماذا لا نقوم مثلا بعمل قراءات للأطفال تستضيف فيها كتاب الطفل ويأتي إليها الأطفال للاستماع والتعرف على الكاتب وقصصه مثلاً، وتعلن عنها في الصحف اليومية وفي وسائل الإعلام المختلفة.

- أدب الطفل في العالم العربي وفي الأردن يفتقر الى التخصصية قليلاً، ويبدو لنا تجاريا أكثر، وأنا أقول أدب وليس دراما الطفل، ذلك أننا نقتصر على ما يصدر في الخارج من كتب تخص الطفل ونترجمه والبعض الآخر يكتب أدبا يخص الطفل لكنه ربما وأحيانا وليس دائما، نجده لا يلقى صدى... هل ما أقوله صحيح؟

طبعاً فيه الكثير من الصحة، ففيما يخص التخصصية في أدب الطفل، ربما السبب أنهم لا يجدون التشجيع الكافي لكي يتخصصوا بعالم الطفل، فكثيرا ما أسمع أن الكتابة لا (تطعم خبزاً)، بالنسبة لي أنا أكتب لأني لدي رسالة أريد أن أوجهها وليس للتجارة مثلاً وربما لهذا أكتب في المواضيع التي أحس أنها مهمة بالنسبة للطفل.
قد يوجه اللوم في الأردن على المناهج وعلى المؤسسات الراعية للأدب والثقافة، فأنا أتمنى مثلاً أن يطلب مني أحد أن اقرأ في المناطق النائية، أو دعينا نرى بماذا يمكن أن نتعاون فيما يخص المنهاج الدراسي، أنا لا أستطيع الوصول إلى الأماكن الأخرى والى المناهج، فيجب أن يكون هناك تعاونا بيني وبين الجهات المعنية فالمثل يقول (يد واحدة لا تصفق)، لما لا يكون التعاون مع المهرجانات الخاصة بالطفل، المؤسسات الراعية للطفل وأي شيء له علاقة بالطفل فمثلما هناك مهرجان أغنية الطفل لما لا يكون لدينا مهرجان كتاب الطفل.

وبالنسبة لقضايا ترجمة القصص فهناك قصص تبقى غربية بكلامها ورسوماتها فلا يحسها الطفل طبيعية، لكن هناك قصص قيّمة يجب ترجمتها للصغار أو الكبار لكن ليس أي كتاب، بالنسبة لي لا أفضل الترجمة وأفضل الكتابة الواقعية التي تتناول عالم الطفل الذي يعيشه في الأردن والعالم العربي وتتناسب مع الطفل العربي.

- سبق وأعددت منهاجا للغة العربية للصف الأول الإبتدائي، ولك خبرة جميلة فيما يخص الطفل، هل تجدي مناهج المرحلة الإبتدائية الخاصة بالتربية والتعليم لدينا مناسبة لطفلنا الأردني، ووافية وكافية لبناء عقليته وتكوينته الشخصية؟

مشكلتا أننا نتقيد في المناهج المقررة من وزارة التربية والتعليم، لكن ذلك لا يعني أن كل معلمة لديها حرية الإطلاع على مناهج أخرى، أنا أعرف أن المنهاج الذي قمت بعمله لن يكون بديلا لمنهاج التربية والتعليم لأننا نتبع لنظام معين مضمن ما تقدمه من كتب، لكن كان لدي رغبة أن يهتم أي شخص بهذا الكتاب كأن يأخذ أفكاراً منه، أو يستقي منه شيء.
فكرتي من كتاب منهاج الصف الأول أن الدرس الرئيسي فيه هو عبارة عن قصة، وهي ما أردت أن أوصله للوزارة، فالمناهج لدينا محدودة بجملة أو جملتين، لكن كتابي الذي صدر منذ ست سنوات وأدرسه في المدرسة التي أعمل بها ناجح ويمكن تطبيقه بسهوله، وفيه يقرأ الطفل بآخر السنة قصة وويصبح قادرا على قراءة أي مجلة بسيطة محرّكة الكلمات، فقبل أن ينهي الطفل مرحلته الابتدائية يكون قادرا على قراءة قصة لوحده، وهنا نعود لفكرة كيف نشجع الطفل على القراءة حتى يحب أن يشتري الكتب الخاصة به ليكوّن في النهاية مكتبته الخاصة.

- وأخيراً ....

أتمنى أن يكون في مناهج التربية قصة صغيرة من القصص الموجودة في السوق من قصصي أو من قصص أي كاتبة أخرى، وتوضع كدرس فيأخذوا فقرة مثلا تبسط وتصبح درساً معبراً ومشوقاً، بكلمات جميلة وبنفس الوقت يقرأ الطفل ويحلل التمارين من خلال القصة، المناهج الغربية تعتمد على قصة ويكون فيها قراءة فلما لا يكون لدينا مثل هذا النظام ولماذا يقولون دائما أن لغتنا العربية صعبة، هذا ما أريد أن أصل له، تبسيط للغتنا العربية وإحياء لمفرداتها، ومكتبة لكل طفل في بيته.

أضف تعليقك