سكن النهضة للطالبات: معاناة يومية

الرابط المختصر

قبل عامين، كانت ريم قد أنهت التوجيهي، وحصلت على معدل لم يؤهلها لتخصص في جامعة قريبة في عمّان حيث تسكن، لكنها حصلت على تخصص جيد في جامعة الحسين بن طلال، لتضطر للسكن في سكنات الجامعة، حتى تبدأ مشوار المعاناة.الفرحة بالحصول على تخصص جيد في جامعة الحسين، أنسى ريم المصاعب التي ستواجهها، بُعد المكان والغربة عن الأهل وهو ما كان أصعب الأمور عليها، وأول ما تبادر الى ذهنها تلك المسافات التي ستضطر الى قطعها في الطريق من وإلى معان كل أسبوع، والمبيت لأول مرة خارج البيت.

واختلطت صدمة أولى أيام الحياة الجامعية مع السكن الجامعي، فالسكنات والخيارات كلها متشابهة، وكل طالبة عليها أن تسكن مع ثلاث بنات أخريات في غرفة واحدة ضيقة وعلى ريم أن تبدأ رحلة التأقلم مع هذا الوضع الجديد.

معاناة طالبات سكن النهضة
وتحكي ريم طالبة هندسة الحاسوب قصة ابتداء معاناتها "قد أكون انبهرت في البداية بفكرة السكن، كأي شاب أو شابة يودون تذوق طعم الاستقلال وتجربته، إلا أني كرهت الأمر تماماً ومن أول أسبوع".

سجلت ريم في سكن النهضة للطالبات حيث كان الشاغر الوحيد، ولم تكن تعرف بالطبع زميلاتها في الغرفة ولم تخترهن، إذ أنها وجدت نفسها مسجّلة في غرفة صغيرة رباعية الأسرة ليس فيها مكتب للدراسة حتى.

حين زرنا سكن النهضة التابع لجامعة الحسين والذي بني منذ أقل من ثلاث أعوام، وجدناه يتكون من 3 طوابق، كل طابق فيه 26 غرفة متقابلة في ممرين طويلين، ما عدا الطابق الأرضي ففيه 6 غرف وصالة للتلفاز أو الدراسة بالإضافة الى غرف المشرفات في الجهة المقابلة لها.

وفي كل طابق هناك مطبخ واحد فيه ثلاجتين و3 غازات طبخ من تلك التي تتكون من 3 عيون وعلى كل غاز أسطوانه، ومقابل المطبخ مجمّع للحمامات مكوّن من ممر طويل فيه مغاسل من الجهة اليسرى و(شورات) للاستحمام في الجهة اليمنى، وفي داخل الممر هناك ممر آخر به مجموعة من المراحيض المتقابلة.

الطابق الأرضي يحتوي على 6 غرف خشبية، وفي غرفتين منها على عكس الطوابق الأ خرى 6 طالبات بكل غرفة، وفي هذا الطابق صالة واسعة تسميها الطالبات غرفة التلفاز، وتسميها أخريات غرفة الدراسة، إلا أن أيا من هذه الوصوف تنطبق عليها، فالصالة المفروشة بموكيت رقيق فيها تلفاز يبث محطات محلية، وليس هناك أي طاولة (للدراسة) بل مجموعة من الكراسي المبعثرة وتجمع دائم للطالبات وإزعاج مستمر.

كبر العدد وضيق المكان
في كل غرفة بالسكن هناك 4 طالبات، وفيها أربع أسرة حديدية بنظام كل سريرين فوق بعضهما، ولكل طالبة خزانة صغيرة "باب" واحد لا تكاد تتسع لحاجيات الطالبة وثيابها، وهناك طاولة واحدة للجميع بالإضافة الى رفّين صغيرين تضعن عليها مونة طعام أسبوع أو أكثر.

وتتحدث ريم "وجود 4 طالبات في غرفة واحدة، يجعل الدراسة والتركيز فيها شبه مستحيلة، فالسكن كما هو عبارة عن سجن وليس سكن".

ليس أمام طالبات جامعة الحسين خيار آخر سوى سكنات الجامعة، فهناك سكن النهضة وسكن ذات النطاقين و11 سكناً اخرى منتشرة في مدينة معان وكلها ممتلئة بالطالبات، وتقول داليا زميلة ريم في الغرفة أنها حاولت أن تغير سكنها الى سكن فروة لأن تنظيم الغرف فيه مختلف قليلاً وعبارة عن شقق فيها غرف وليس غرف متقابلة على طول الممر، لكنها قوبلت بالرفض والسبب عدم وجود شواغر فيه، وتقول "أصلاً الانتقال الى سكن آخر مثل عدمه، لأن السكنات كلها مثل بعضها".


الكهرباء ممنوعة!
ممنوع شحن الهواتف النقالة في الغرف، بالتالي ممنوع الكيّ أو استخدام المسجلات، فالأباريز مغلقة في جميع الغرف، ولا تستطيع الطالبات أيضاً استخدام الكمبيوترات الخاصة بهن، وهي مشكلة تعاني منها بالتحديد الطالبات اللاتي تعتمد دراستهن على الحواسيب، وصالة التلفاز أو صالة الدراسة هي المكان الوحيد الذي به (فيوزات) كهرباء.

إلا أن الصالة لها قصة أخرى، فهي عبارة عن تجمع للطالبات، يستخدمن فيها الكهرباء لشحن هواتفهن أو لاستخدام الحواسيب الشخصية أو التفرج على التلفاز أو أي من استخدامات الكهرباء المختلفة، ولأنه المكان الوحيد الذي تتوفر فيه الكهرباء، فقد أصبح المكان الأكثر ازدحاماً وإزعاجاً وخاصة في ساعات ما بعد إغلاق السكن.

وبالتالي فالدراسة في الصالة مستحيلة أيضاً، فالإزعاج والأزمة على الكهرباء من قبل الطالبات وانتظارهن على الدور لشحن هواتفهن وكي ملابسهن أو شحن الكمبيوترات المحمولة ليتمكنّ من الدراسة في غرفهن إن استطعن ذلك، كل ذلك يحول الصالة الى مجمع وليس صالة دراسة.

وتقول علا صديقة ريم "لو أن هناك كمية من الأباريز في الصالة لسهل الأمر علينا، لكن الصالة لا تحتوي إلا على 12 أبريز كهرباء، فكل طالبة تحتاج الى هاتفها مثلاً شحن بمعدل ساعة، وبالطبع لا تستطيع الطالبات ترك هواتفهن حتى ينتهي الشحن لئلا تُسرق، فتتجمعن في الصالة يثرثرن ويتسلّين".

قلة نظافة
أزمة العدد تسبب أزمات أخرى، فالعدد الهائل على الحمامات عبارة عن مأساة، فالحمامات تتسخ طوال اليوم، ولا يتم تنظيفها سوى صباحاً فتظل عائمة بالمياه، وعدد الطالبات الكبير لا يترك المجال واسعا أمام بقائها نظيفة وتقول سهير طالبة اللغة الانجليزية "طلبوا منا مؤخرا تنظيف الحمامات بأنفسنا، سنترك الدراسة وننظف حمامات السكن".

ولا تقف المشكلة عند نظافة الحمامات، فدورات المياه في معظم الطابق تعاني من التلف، فالكثير من الحنفيات والشورات مكسرة وصدئة وتسرب المياه وبعضها مسدودة لا يمكن استخدامها وتحتاج للصيانة، هذا إضافة الى أن بعض أبواب الحمامات لا يقفل.

وقد وقعت طالبات الغرف المطلة على الساحة الخلفية على ورقة (تعترفن فيها بأنهن رمين الاوساخ حول السكن، وأنهن يتعهدن بعدم رميها وإلا سيتعرضن للاستجواب والتنبيه والإنذار) وتقول ريم "لم نرم الاوساخ وإن كا رميناها، فهل هذه يبرر التهديد والانذار، وقد قالت المشرفة لنا ان الامر جاء من الدكتور صالح الشراري مسؤول السكنات ولا يمكن مناقشة الامر".

لا يوجد في ممرات السكن مناهل أو مصارف، وحينما تنظف البنات غرفهن تبقى المياه متكومة في الممرات لصعوبة إيصالها الى المطبخ أو الحمام مما يزيد من تراكم القاذورات.

إضافة الى القطط التي تعيش داخل السكن ولا يقوم احد على منعها من الدخول، والتي تزيد من نشر القاذورات بنثر القمامة والشرب من المياه في الحمامات.

وأزمة غاز
الاكل ليس واحد من أسس السكن، فصحيح أن المطابخ واسعة وبكل مطبخ من مطابخ الطوابق يوجد ثلاث غازات، إلا أن واحدا فقط من هذه الغازات يعمل في كل مطبخ، والسبب أن الغاز لا يتوفر دائماً بل أحينا لا يتوفر لمدة أشهر، ولهذا تضطر الطالبات الى الوقوف بالدور في المطبخ حتى يتسنى لهن طبخ طعام الغداء أو حتى مجرد صنع الشاي أو القهوة، وفي رمضان "كنا نتناول الإفطار في الساعة العاشرة ليلا وأحيانا اكثر، فالدور على الغازات مستحيل أن يتوفر".

المجلى فيه لا يصلح إلا ليكون مكرهة صحية، فالأوساخ المتراكمة فيه والروائح الكريهة تجعل الأمر بالنسبة الى ريم "مقرف أن أغسل ما نأكل به، لكننا مضطرون".

هناك ثلاجتين بكل مطبخ، إلا أننا حينما فتحناها كانت فارغة تماما، وحينما سألنا عن السبب ضحكت البنات وقلن "لا نستطيع أن نضع شيئا في الثلاجة، فكل شيء فيها للجميع، يعني سرقات مشروعة". إضافة إلى أن بعضها يكون معطلاً أو مسحوباً من الكهرباء أصلاً.

هناك في المطبخ برادات ماء، وسألنا ريم إن كان بها مشكلة فقالت "لا، لكن أنا لا أشرب منها فقد سمعت أن بعض البنات وجدن بها كتل من القاذورات، نحن نشتري المياه المفلترة من البائعين".

"إذاعة للبهدلة"
في كل طابق بسكن النهضة يوجد العديد من السماعات أو كما تسميها الطالبات (الإذاعة)، ومن خلال هذه الإذاعة تخاطب المشرفات الطالبات، وتنادي عليهن وتتأكد من وجودهن في السكن، كما أنه وسيلة لـ (بهدلة) الطالبات أو الصراخ عليهن، وبذلك يضاف صوت هذه السماعات الى إزعاج البنات الذي يستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، وحتى في الصباحات الباكرة عند استيقاظ الطالبات للذهاب الى الجامعة.

تقول ريم "لا أدري أحيانا أحس أنني في سجن نساء حقاً، فالمشرفات يدخلن على الغرف بدون استئذان وفجأة، هذا غير المناداة الليلية والصباحية عن طريق السماعات على الطالبات، وطبعا السماعات تصدر خشخشة مزعجة وتستخدمها المشرفات للبحث عن البنات، ونحن طبعاً تستحيل دراستنا وحتى نومنا".

لابد من أن يكون هناك نظام لأوقات السكن، لكن في الشتاء يغلق السكن أبوابه الساعة 6:30، وآخر موعد محاضرة في الجامعة تنتهي الساعة 5:30، وكثيرا ما تتأخر الطالبات حتى يصلن من الجامعة الى السكن، ومع ذلك تتعرضن للتوبيخ من قبل المشرفات اللاتي لا يكترثن بمواعيد المحاضرات ويعللن سبب التأخير "بأن البنات يتسلين خارج السكن".

أزمة الكهرباء: لا حل
ويقول نائب عميد الطلبة ورئيس الشعب السكنية الدكتور محمد الشريدة "سكن النهضة يعتبر واحد من بين 11 سكن موجودة خارج حرم الجامعة، وفيه نوعين من الغرف الرباعية وغرفتين فقط فيها ست بنات والسبب في وجود هاتين الغرفتين الوضع الاقتصادي لهؤلاء الطالبات، وهاتين الغرفتين واسعتين وليس هناك فيها أي مشكلة، وتدفع كل واحدة فيهن 70 ديناراً في الفصل شاملة لجميع الخدمات المقدمة من مبيت وتدفئة وإشراف وحرس وحاسوب وكهرباء وغيره".

وأكد الشريدة أن الكهرباء ممنوعة من الغرف وذلك "حرصاً على الطالبات من استخدام الكهرباء في الغرف، فالغرفة فيها 4 طالبات، فهناك كوي و(سشوار) واستخدام سخانات كهرباء لعمل شاي وقهوة داخل الغرف فالسلامة العامة تقتضي منا أن نحاول ما امكن أن لا نبقي أباريز كهرباء داخل الغرف".

إلا أنه لم ينف أن تكون الصالة لا تحتوي على قدر كاف من الأباريز لاستخدامات البنات المختلفة، ويقول: "خصصنا في الطابق الأرضي طابق خدمات كامل يحتوي على أباريز لأغراض استخدام الكهرباء، ويمكن أن نزود الصالة بعدد أباريز كافية".

وتقول ريم أنه "منذ أقل من أسبوع حصل في الصالة أكثر من مس كهرباء تسببت في حصول حريق في أسلاك الكهرباء وفي تلف تلفاز الصالة، وحصل ذلك مرتين خلال أسبوعين، وكانت الكهرباء تنقطع عنا لفترات وخاصة في الليل في أيام الامتحانات في الفصل الماضي".

بينما يقول الشريدة "لا نستطيع أن نضع أباريز كهرباء بالذات داخل الغرف فقد عانينا قبل فترة انه تسبب (شرت) في الكهرباء لزيادة الحمل عليها، مما قد يعرض طابق كامل في حالة نشوب حريق فخصصنا طابق الخدمات لاستخدام الكهرباء فقط حتى يسهل خروج الطالبات منه في حالات الخطر".

وعود بحل المشاكل
وحول مشكلة عدم توفر غازات كافية في المطابخ قال الشريدة "أنا المسئول عن مراقبة توزيع الغاز، ويقوم مندوب اللوازم مرتين أسبوعياً ويزود السكنات كاملة بجرار الغاز وهذه المشكلة حلت ونحن طلبنا 50 جرة زيادة، وقضية السلامة العامة فيما يخص الغازات تقتضي ألا يكون هناك جرات غاز احتياط كثيرة داخل السكنات حتى لا تسبب أية مشكلة".

وفيما يخص صيانة الحمامات أو المطابخ يقول "نحن نقوم بصيانة دورية من قبل فريق كل يومين أو ثلاثة، فهناك ضابط ارتباط بيننا وبين السكنات ويبلغنا بشكل دوري عن المشاكل التي تتواجد، والثلاجة التي تتلف تكون نتيجة استخدام 205 طالبات لهذه الثلاجات فنحاول أن نوعّي الطالبات أن لا يتركن الثلاجات مفتوحة وإذا ما تعاونت البنات معنا لا نستطيع أن نعالج مثل هذه المشاكل".

ويتابع الشريدة "أما دورات المياه فما أعرفه أن في الأسبوع الماضي كان هناك دورات رش وتنظيف للسكن كامل وقد اعطيناها لشركة موجودة الآن وكل سكن فيه ثلاث عاملات نظافة، ونقول أنه على الطالبات أن يقمن باستخدامها بشكل صحيح الصيانة موجودة وعدد الطالبات كبير قياسا بعدد الحمامات".

وفيما هو يقول ذلك تطالب مشرفات السكن الطالبات حالياً بالقيام بتنظيف المطابخ وأنه سوف يوضع برنامج للتنظيف كل يوم على كل غرفتين، إلا الطالبات استنكرن ذلك فيما بينهن لكنهن قلن "سنضطر لعمل ذلك لتهديدننا بالاستجواب والإنذار".

وحول المشكلة التي تواجه الطالبات في الشتاء من تأخر على موعد إغلاق السكن قال "في فترة الشتاء على الطالبة أن تحاول أن تؤمن حاجياتها قبل انتهاء فترة اغلاق السكن، فأصلا صعب على البنات البقاء خارج السكنات ما بعد ذلك في معان".

سكنات جديدة "بنفس المواصفات"
سيتم استئجار 5 سكنات جديدة تابعة للجامعة في السنة الجامعية القادمة، يشرح الشريدة "نحن طرحنا عطاءا جديدا لاستئجار خمس سكنات جديدة، وفي الخطة أن يكون في كل غرفة ثلاث طالبات لا أكثر، بحيث نقلل الضغط على الحمامات ونحل المشكلة حلا جذريا".

ولا تبدو مشكلة السكن بكامله مشكلة اقتصادية، فالطالبات يدفعن 85 دينار رسوم للسكن فصلياً، هن قادرات على دفع أجرة أقل في شقق خاصة تستأجر من سكان المنطقة، غير أن هذا الأمر مستحيل في ظل العادات الاجتماعية في معان التي تمنهعن من ذلك، وصحيح أن طلاب الجامعة الذكور يعانون من قلة وجود سكنات أو حتى بيوت للسكن فيها، لكن باستطاعة الشباب استئجار بعض البيوت بأجرة لا تزيد عن 20 دينار في الشهر أحيانا،ً وحالهم أفضل بكثير من حال الطالبات اللاتي ليس أمامهن خيار آخر سوى السكن في السكنات التابعة للجامعة.

أضف تعليقك