سر الصفحة 9 بقضية الكازينو

الرابط المختصر

رغم ان وزير العدل تحدث عن اوجه الخلل الواردة في الاتفاقية, الا ان حديثه اوحى بوجه عام ان الاتفاقية لا تخالف الدستور
لم استطع ان استخلص من حديث وزير العدل كم هي القيمة المالية لمحصلة التعويض العقاري الذي حصل عليه صاحب الكازينو
اعتقد انه لا يوجد في العالم انسان عاقل يقبل بنص تعاقدي يلزمه ان يدفع لذات الشخص تعويضين عن فعل واحد
فقدان الاتفاقية للتوازن الاقتصادي, وعلى نحو تجدني لم اشهد او اعرف او اعلم مثيلاً لما ورد في الاتفاقية في اي عقد او اتفاقية حدثت, خاصة ما تضمنته الصفحة التاسعة
فرحت كأي باحث ينشد معرفة الحقيقة عندما تسلمتُ الصفحة التاسعة, لكني بعد ان قرأتها شعرتُ بالقهر
أهمية الموضوع ومسؤولية وزير العدل لا تعفيه من الحديث الصريح عن مدى مخالفة الاتفاقية للدستور والقانون ولا عن بيان القيمة المالية الحقيقية للتعويض الذي اعطي لصاحب الكازينو في الاتفاقية التكميلية
وبمقدار حبي لهذا الوطن شعرتُ بالحزن والألم, لهذا الاستقواء بالنصوص العقدية, للاستهتار بدستورنا وحقوقنا ونظامنا القانوني
المادة (24) تلزم الدولة الاردنية بأن يصبح الحكم الصادر عن هيئة التحكيم من حيث وجوب تطبيقه وكأنه صادر عن القضاء الاردني
المادة (24) من الاتفاقية تلزم الدولة, بأن يكون الحكم الصادر عن هيئة التحكيم مشمولاً بمعاهدة الامم المتحدة لعام 1958
أعتقد ان ما ورد في المادة (22) يدخل في باب اللامعقول فقد اوجبت على الحكومة ان تدافع عن شركة الكازينو والشركاء فيها او الشركة المتفرعة عنها اذا رفعت عليها الدعاوى او تمت ملاحقتها بأية مطالبات او بوشر ضدها بإجراءات قانونية
تتعهد الحكومة لشركة الكازينو ان لا يلحق بها اي ضرر وأن تعوضها عن جميع ما تدفعه او تتكبده من خسائر جراء تلك الدعاوى والمطالبات والإجراءات, وذلك على مدى السنين الخمسين المقبلة
وفقا لنص المادة (25) لا يجوز لأية نصوص في قوانين الدولة ان تحل محل اي نص في الاتفاقية طيلة الخمسين سنة المقبلة, الا اذا وافقت شركة الكازينو على ذلك
وفقا للمادة (23) فان اتفاقية الكازينو بما فيه بنودها وشروطها هي اتفاقية سرية وتلتزم شركة الكازينو وحكومة المملكة بالمحافظة على سرية هذه الاتفاقية!!
شركة الكازينو لا تخضع للقوانين الاردنية المتعلقة بتعديل مقدار الضرائب والرسوم والجمارك والعوائد التي تفرض داخل المملكة او اية قوانين جديدة بهذا الشأن ولمدة الخمسين سنة المقبلة
أعتقد انه وفقاً للقانون الانجليزي وللسوابق القضائية في بريطانيا وويلز, فإن سوء نية شركة الكازينو, تفوح رائحته بشكل واضح يكاد يزكم الانوف
3/6/2008
المحامي أ.د. محمدالحموري
 
في هذه المقالة, سوف اتحدث عن امرين يجمعهما موضوع الكازينو; تعقيبا على حديث وزير العدل, ثم عرض لما تضمنته الصفحة التاسعة الغائبة من اتفاقية الكازينو, وذلك على النحو التالي:
واحد: تعقيبا على حديث وزير العدل عن الكازينو:
بتاريخ 19/5/,2008 نشرتُ في جريدة "العرب اليوم" دراسة بعنوان "كازينو ودستور وحكومات" وأتبعتُ العنوان بعبارة "من حقي ان اقول لا". وانتهيت في الدراسة المذكورة الى ان اتفاقية الكازينو الموقعة بين الدولة الاردنية, ممثلة بحكومتها, وبين شركة الكازينو (Oasis), هي اتفاقية تخالف الدستور الاردني والنظام القانوني الاردني.
وبتاريخ 28/5/2008 نشرت الصحف الاردنية النص الذي بثته وكالة الانباء الاردنية بترا, لحديث قانوني لمعالي وزير العدل حول اتفاقية الكازينو, وحديث وزيرة السياحة والآثار عن ارتباط الاتفاقية بالسياحة. وقد اسعدني كثيراً ان تقوم الحكومة الاردنية, ممثلة بالوزيرين, بتوضيحات تكسر جدار الصمت الرسمي بشأن اعتداء اتفاقية الكازينو على الدستور والمصلحة العامة.
وفي الوقت الذي اقدِر فيه حساسية الموضوع عند معالي وزير العدل, خاصة أنه لا شأن له ولا لحكومته بتوقيع اتفاقية الكازينو, فإن اهمية الموضوع ومسؤولية وزير العدل لا تعفيه من الحديث الصريح عن مدى مخالفة الاتفاقية للدستور والقانون في الاردن, ولا عن بيان القيمة المالية الحقيقية للتعويض الذي اعطي لصاحب الكازينو في الاتفاقية التكميلية التي افتى بالموافقة عليها.
وهنا اؤكد لمعالي الوزير, امام جميع القانونيين في الاردن, ان الاتفاقية الاصلية تلغي مفاعيل صراحة نص المادتين (12.11) من الدستور الاردني, وتقيد الصلاحيات الدستورية السيادية لمجلس الوزراء الواردة في المادة (45) من الدستور, كما تخالف القواعد الامرة في النظام القانون الاردني, وتعصف بمصلحة الخزينة بسبب فقدان الاتفاقية للتوازن الاقتصادي, وعلى نحو تجدني لم اشهد او اعرف او اعلم مثيلاً لما ورد في الاتفاقية في اي عقد او اتفاقية حدثت, خاصة ما تضمنته الصفحة التاسعة, الا في اتفاقيات الاذعان التي يفرضها المستعمر على الدول المستعمرة.
وقد بينتُ جوانب من ذلك في الدراسة سابقة الذكر التي نشرتها في جريدة "العرب اليوم" اما الاتفاقية التكميلية للتعويض, فلم اطلع عليها, كما ان اعضاء اللجنة القانونية في نقابة المحامين, كما علمتُ منهم, لا يعرفون شيئاً عنها.
وقبل ان اتعرض لما ورد في الصفحة التاسعة التي كانت غائبة وانتظرتها بشوق الحريص على معرفة ما فيها, فلا بد لي من مداخلة مركزة اعلق فيها على ما ادلى به معالي وزير العدل, وذلك على النحو التالي:
1- من حيث الشكل, فقد اعطى معالي الوزير حديثه المكتوب الى وكالة بترا لتنشره كما هو في جميع الصحف ووسائل الاعلام التي ترغب الحكومة بنشر حديث الوزير فيها. وفي الوقت الذي وجدت ان حديث الوزير يثير تساؤلات اكثر مما يقدمه من اجابات, فقد كان بودي ان يحضر معالي الوزير اجتماع اللجنة القانونية لنقابة المحامين الذي دعا اليه النقيب الاستاذ صالح العرموطي مساء يوم الاربعاء 28/5/,2008 اي مساء نفس اليوم الذي تم فيه نشر حديث الوزير, علماً بأن معاليه يعلم بالاجتماع وبأن الاستاذ النقيب وجه الدعوة للاجتماع قبل عدة ايام سابقة, وحضره اكثر من (50) من كبار المحامين في هذا الوطن, وبعضهم لديه معرفة ومؤهلات في القانون الانجليزي, ان لم تكن مماثلة فهي افضل من مؤهلات المستشار الانجليزي, الذي عوضْنا صاحب الكازينو بناءً على رأيه. لقد كان بودي ان يواجه معالي الوزير زملاءه في اجتماع اللجنة القانونية, ويجيب على اسئلتهم, ويسمع آراءهم ليفيد منها, ومن ثم لتقوم وكالة بترا ببث ما لدى الوزير وما لديهم. وأضيف, ان من حضر اجتماع اللجنة القانونية, يشعر بالزهو والفخر وهو يستمع الى كبار رجال الوطن من القانونيين, وهم يتدفقون حباً وحماساً للدفاع عن دستورهم ومقدرات وطنهم, ويزأرون وهم يتحفزون ليشهروا بهاماتهم العالية, سلاح القانون وعلم القانون, سياج المشروعية, في وجه الانحراف والتهاون.
2- لقد تناول معالي الوزير اتفاقية الكازينو من زاويتين:
الزاوية الاولى:
السلامة القانونية للإتفاقية, وهذه الزاوية تناولها معالي الوزير بطريقة تخلو من التوضيح الذي انتظرناه, اذ رغم انه تحدث عن اوجه الخلل الواردة في الاتفاقية, الا ان حديثه اوحى بوجه عام ان الاتفاقية لا تخالف الدستور. ومثل هذا الايحاء يُحدث بلبلة وخلطاً, ويصور الامر وكأنه مجرد اختلاف في وجهات النظر. انني اطالب معالي الوزير ان يوضح موقفه الصريح ويعلمنا بوضوح هل الاتفاقية من وجهة نظره مخالفة لدستورنا ام لا؟ وسبب ما اطلبه من الوزير, هو ان المخالفة الدستورية تُلقى على عاتق الحكومة ومجلس النواب واجبات دستورية اجرائية وموضوعية ينبغي القيام بها.
الزاوية الثانية:
ان معالي الوزير يؤكد ان صاحب شركة الكازينو طالب الحكومة الحالية بتعويض مقداره (1400) مليون دولار, وأن الحكومة قد ارضته بتعويض عقاري من خلال اتفاقية جديدة تكميلية للإتفاقية الاولى, تقوم على تأجير لأرض جديدة واستصلاح لأرض يتم بيعها له, الامر الذي جعله يتنازل عن المطالبة بمبلغ الـ (1400) مليون دولار مقابل ذلك. لكني لم استطع ان استخلص من حديث معالي الوزير كم هي القيمة المالية لمحصلة التعويض العقاري الذي حصل عليه صاحب الكازينو.
وأضيف ان الزملاء في اللجنة القانونية لنقابة المحامين كانوا مثلي في حيرة من امر القيمة المالية العقارية التي وصل اليها التعويض. ومن هذه الزاوية, كان موقف معالي الوزير باعتقادي دفاعياً تبريرياً يكتنفه عدم الوضوح, وغير مقنع, بالنسبة لي, واستوقف ما ورد في حديثه من خلط, اعضاء اللجنة القانونية الذين قرأوا ما صدر عنه. ويظل التساؤل الذي نوجهه الى معالي الوزير قائماً من حيث معرفة القيمة المالية لتعويض صاحب الكازينو, وكشف الاتفاقية التكميلية التي تمت بموجبها التسوية.
3- اما بالنسبة للاستشارة القانونية الانجليزية التي تم التعويض بناءً عليها, فيقول معالي الوزير: "بادرت الحكومة الاردنية الى تكليف فريق من المحامين الانجليز لدراسة الاتفاقية وتقديم الرأي القانوني بشأنها". وهنا اتساءل:
أ. ما هو اسم المؤسسة القانونية (Law Firm) التي جاء منها اعضاء هذا الفريق, وما هي مواصفات تأهيلهم, اذ ليس كل من هو محام انجليزي, لديه التأهيل للتعامل مع موضوع الاتفاقية, ومن هو الذي اقترح اسم هذه الـ (Firm) على الحكومة. وسبب هذه التساؤلات, يفرضه مبدأ الشفافية الذي تحدث عنها بعض الزملاء في اللجنة القانونية.
ب. لقد دفعت الحكومة الاردنية مبلغ (79588) جنيهاً استرلينياً ثمناً للإستشارة الانجليزية, اي ما يعادل (160) الف دولار, والسؤال هنا, من هو القانوني الاردني الذي ناقش مع القانونيين الانجليز الاستشارة التي قدموها وأيّد ما قالوه؟ لقد اعلمنا الاستاذ نقيب المحامين, انك قلت له انك انت الذي افتيت وأقنعت الحكومة بالأخذ بالإستشارة الانجليزية. فإن كان ما قلته للأستاذ النقيب ليس من قبيل منع التوسع في البحث عن اسماء اخرين, وكنت حقيقة انت الذي وافقت, فإنني اخاطبك ليس بصفتك وزيراً للعدل, لأن كرسي الوزارة لا يعطي تأهيلا معرفيا لشاغله, لكن بصفتك القانوني ايمن عودة وأقول, لقد تعجلّت, وأخشى ان تكون قد جانبت الصواب في الاجتهاد, وكان عليك ان تسأل من يعرفون القانون الانجليزي اكثر منك, ليشاركونك في تقدير سلامة الاستشارة الانجليزية, ومن هؤلاء زملاء لك تخرجوا معك من كلية الحقوق في الجامعة الاردنية, وتعمقوا في دراسة القانون الانجليزي, وحصلوا على اعلى الشهادات, وكانوا متقدمين على زملائهم الانجليز في التحصيل القانوني, ويتطلعون الى وضع معرفتهم القانونية في خدمة وطنهم من غير التفكير بأي مقابل, وسوف ابين عند الحديث عن الصفحة التاسعة مزيداً من التوضيحات في هذا المجال.
إثنان: الصفحة التاسعة:
استوقفني حقاً غياب الصفحة التاسعة من الاتفاقية التي حصلت عليها من اكثر من مصدر, وفقاً لما قلت في دراستي السابقة. ووعدتُ ان اكتب عن الصفحة المفقودة ان حصلتُ عليها. والحقيقة انه ما ان تم نشر الدراسة في جريدة "العرب اليوم", حتى فوجئت بالمئآت من الاتصالات, والعديد من المتصلين يقولون, سنواصل البحث معك عن الصفحة التي اصبحت لغزاً, ونزودك بها. وبالفعل, فقد وصلت الصفحة الغائبة بالفاكس الى مكتبي من اكثر من مصدر, وكلٌ يطلب مني ان ابدي الرأي القانوني بشأنها. وفرحتُ كأي باحث ينشد معرفة الحقيقة عندما تسلمتُ الصفحة, لكني بعد ان قرأتها شعرتُ بالقهر, وتمنيت لو اني لم اقرأها. وأسبابي ما يلي, علماً بأني سوف استخدم ذات الاصطلاحات الانجليزية الواردة في الاتفاقية وبجانبها ترجمتها العربية, لتكون امام الحريصين على معرفة دقة المدلول وآثاره:
أولاً: لقد وجدتُ في اعلى الصفحة التاسعة فقرة ثانية للمادة (20) التي سبق ان بيّنتُ شذوذها في دراستي السابقة. فالفقرة الاولى من المادة (20) تتحدث عن التعويض الذي يتوجب على الدولة الاردنية دفعه لشركة الكازينو عن الربح الفائت على مدى خمسين سنة, كشرط جزائي ينطلق من المسؤولية العقدية. وفي الانظمة القانونية المعروفة في العالم, اذا كان الاساس الذي سبب المسؤولية العقدية يثير المسؤولية التقصيرية ايضاً, واجتمعت المسؤوليتان معاً, فإنه لا يجوز لطالب التعويض ان يحصل الا على تعويض واحد. اما الفقرة الثانية من المادة (20) الموجودة على الصفحة التاسعة, فهي تعطى لشركة الكازينو تعويضاً ثانياً على اساس المسؤولية التقصيرية (Tortuous liability) المستمدة من القانون الانجليزي, مضافاً (Cumulative) الى التعويض المستند الى المسؤولية العقدية الواردة في الفقرة الاولى من المادة (20). وأعتقد انه لا يوجد في هذا العالم انسان عاقل يقبل بنص تعاقدي يلزمه ان يدفع لذات الشخص تعويضين عن فعل واحد.
ثانيا: لم تكتف الاتفاقية بالتطاول على مقدرات الدولة الاردنية وتعطيل نصوص الدستور الاردني, والخروج على النظام القانوني الاردني, وسلب صلاحيات الحكومات والسلطة التشريعية, طيلة مدة الاتفاقية وهي خمسين سنة, بل ان المادة (22) من الاتفاقية اوجبت على الحكومة الاردنية ان تدافع (defend) عن شركة الكازينو (Oasis) والشركاء فيها (Partners) او الشركة المتفرعة عنها (Subsidiary), اذا رفعت عليها الدعاوى (actions), او تمت ملاحقتها بأية مطالبات (claims and demands), او بوشر ضدها بإجراءات قانونية (proceedings), ناتجة عن التطاول سابق الذكر.
كما اوجبت المادة المذكورة على الحكومة ان تتعهد لشركة الكازينو ان لا يلحق بها اي ضرر (keep harmless) وأن تعوضها (indemnify) عن جميع ما تدفعه او تتكبده من خسائر (all losses which are sustained, incurred or paid by Oasis) من جراء تلك الدعاوى والمطالبات والإجراءات, وذلك على مدى السنين الخمسين المقبلة.
وأعتقد ان ما ورد في المادة (22) يدخل في باب اللامعقول. ذلك انه اذا كان اي شخص يستطيع ان يوقع على عقد يتبرع بموجبه بماله الخاص لمن يريد او يوزعه او ينثره في الهباء, فإن هذا الشخص لا يملك ان يوقع عن دولته عقداً يعطي بهذا السخاء من المال العام لشركة تجارية كما ورد في الاتفاقية. وبمقدار حبي لهذا الوطن شعرتُ بالحزن والألم, لهذا الاستقواء بالنصوص العقدية, للإستهتار بدستورنا وحقوقنا ونظامنا القانوني.
ثالثا: وفقاً للمادة (24) من الاتفاقية, وهي تتكون من ثلاث فقرات, فإن الاختصاص بنظر اي خلاف بين الدولة الاردنية وشركة الكازينو, هو لهيئة تحكيم تعقد في بريطانيا لتطبق قوانين بريطانيا وويلز على هذا الخلاف, وتكون لغة التحكيم هي الانجليزية, اذ النسخة الرسمية المعتمدة للاتفاقية هي اللغة الانجليزية فقط. وإذا كنتُ قد توقعتُ وجود شرط التحكيم في الاتفاقية وتحدثت عنه في الدراسة السابقة, الا ان ما ورد في المادة (24) المذكورة اضاف جديداً ما يلي:
1- ان المادة المذكورة تلزم الدولة الاردنية بأن يصبح الحكم الصادر عن هيئة التحكيم من حيث وجوب تطبيقه وكأنه صادر عن القضاء الاردني ( as a judgment by any court having jurisdiction)!!
2- ان المادة المذكورة تلزم الدولة الاردنية, بأن يكون الحكم الصادر عن هيئة التحكيم مشمولاً بمعاهدة الامم المتحدة لعام 1958 (The 1958 United Nations Convention) وتقر الدولة الاردنية (acknowledge) بأنها ستنفذ حكم هيئة التحكيم وفقاً لتلك الاتفاقية من دون تأخير (without delay)!!
ويبدو ان شركة الكازينو ومحاميها الانجليزي يهدفان من الامرين السابقين, حتى الى الغاء دور القضاء الاردني في الرقابة على ما اذا كان في الحكم التحكيمي مخالفة للنظام العام الاردني او النصوص الامرة في الاردن, وبالتالي الغاء سلطة هذا القضاء في ابطال ما يخالف هذا النظام او تلك القواعد. وهنا اؤكد ان القواعد المستقرة في النظامين القانونيين العالميين, اللاتيني الجيرماني والإنجلو امريكي, يجعلان اي نص تعاقدي او حكم تحكيمي يخالف النظام العام او النصوص الامرة داخل اي دولة من دول النظامين, نصا او حكما باطلا بطلاناً مطلقاً. ان النظام العام في الفكر القانوني هو الاساس السياسي والاقتصادي والاجتماعي والخلقي الذي يقوم عليه كيان الدولة كما ترسمه النصوص الحامية لهذا النظام, ويعتبر الخروج عليه خطيئة بحق الدولة وشعبها لا يمكن ان تُغتفر. فكيف نوقع نحن في الاردن اذن على اتفاقية نستجيب فيها الى رغبة اصحاب الكازينو في الالتفاف على النظام العام والنصوص الامرة في الاردن, ونلتزم بتنفيذ احكام تحكيمية حتى ولو كانت مخالفة لذلك النظام وهذه النصوص؟
3- ان المادة (24) المذكورة نصت بوضوح على انه يُستثنى من قوانين بريطانيا وويلز التي تحكم تفسير وتنفيذ الاتفاقية, القواعد المتعلقة بتنازع القوانين. وبكلمات نص الاتفاقية:
"the arbitrators shall interpret and enforce this Agreement in accordance with the substantive laws of England and Wales, without regard to the choice or conflicts of law rules of such jurisdiction"
وبالرجوع الى قواعد القانون الدولي الخاص (Private International Law) التي تحكم تنازع القوانين (conflict of laws) في بريطانيا وويلز, نجد انه عندما يتعلق الخلاف او المنازعة بعقار او حقوق عقارية, فإن تلك القواعد تحيل الى نصوص القانون في الدولة التي يوجد فيها العقار لتطبيقها, اي في حالتنا للقانون الاردني.
وهكذا, فإنه بالنظر الى ان العقار الذي سيقام عليه الكازينو موجود في الاردن, وكانت قواعد تنازع القوانين في بريطانيا وويلز عند وقوع الخلاف ستحيل الى تطبيق القانون الاردني, فقد استبعدت الاتفاقية قواعد التنازع المذكورة من التطبيق!! وأكرر القول انه اذا كان الطرف الاردني لا يدري عن غاية النص فتلك مصيبة, وإن كان يدري فالمصيبة اعظم.
رابعاً: اما المادة (25) من الاتفاقية, فإنني اعتقد انها تتضمن انتهاكاً صارخاً لدستور الدولة الاردنية, وذلك على النحو التالي:
1- وفقاً لمطلع المادة المذكورة, فإن لنصوص الاتفاقية صفة السمو على اية قوانين جديدة تصدرها الدولة الاردنية, وأنه لا يجوز لأية نصوص في هذه القوانين ان تحل محل اي نص في الاتفاقية طيلة الخمسين سنة المقبلة, الا اذا وافقت شركة الكازينو على ذلك!!
2- ووفقاً لعجز المادة (25) المذكورة, فإن شركة الكازينو (Oasis) لا تخضع للقوانين الاردنية المتعلقة بتعديل مقدار الضرائب والرسوم والجمارك والعوائد التي تفرض داخل المملكة او اية قوانين جديدة بهذا الشأن, وبالطبع لمدة الخمسين سنة المقبلة.
يا الهي, ما هذا الذي جاءت به الاتفاقية!! لماذا تصبح ولاية السلطة التشريعية بموجب نصوص تعاقدية قاصرة عن الامتداد الى شركة الكازينو, فهل اصبحت هذه الشركة دولة داخل دولتنا, ثم اليس مصدر المال لخزينة الدولة هو الضرائب والجمارك والرسوم, التي تفرضها السلطة التشريعية بموجب قوانين سيادية انطلاقاً من ولايتها الدستورية داخل المملكة ؟ فكيف نقبل ان تتضمن اتفاقية مع شركة تجارية, نصاً يحجر على الصلاحيات الدستورية للسلطة التشريعية!!
خامساً: تنص المادة (23) على ان اتفاقية الكازينو بما فيه بنودها وشروطها هي اتفاقية سرية (Confidential), وتلتزم شركة الكازينو وحكومة المملكة بالمحافظة على سرية هذه الاتفاقية!!
وأتساءل: لماذا تنص الاتفاقية على هذه السرية؟ انني لم اجد في الاتفاقية اية اسرار صناعية او اية اختراعات عائدة لشركة الكازينو لتبتغي هذه الشركة من النص سترها وإخفاءها عن الغير. كما انني لم اجد في الاتفاقية اي نص او حكم يمكن ان يدخل من قريب او بعيد تحت القواعد التي تحكم اسرار الدولة الاردنية.
يضاف الى هذا, ان النص على سرية الاتفاقية مع تاجر او شركة تجارية كشركة الكازينو فيه خروج على مبدأ الشفافية الذي توجب القوانين وينادي جلالة الملك بضرورة العمل به من قبل الحكومات. وفوق ذلك فإن سرّية الاتفاقية تتعارض مع روحية نص المادة (33) من الدستور الاردني. وأؤكد انني لم اجد سبباً مشروعاً للنص على سرية الاتفاقية.
وعلى اية حال, فما دام ان لهذا الوطن مجلس نواب اوكل له الدستور سلطة الرقابة والمحاسبة وتوجيه الاتهام, فليس لمواطن مثلي سوى ان يقول ما عنده بكل انتماء, جأراً بشكوى, املاً في ان يسمع صوته على المستوى السياسي والدستوري من يمثلوه.
سادسا: ومرة اخرى, فإني اتوجه الى دولة الاستاذ نادر الذهبي رئيس الوزراء, بطلب اقول فيه:
1- قد يجد القانونيون في الاردن املاً او بصيصاً من امل, في استعادة ما اعطي لصاحب شركة الكازينو, وإذا كانت الاستشارة القانونية التي قدمها الخبير الانجليزي والوثائق الاخرى يمكن ان تلقي الضوء على مدى ما نستطيع القيام به, فإن مصلحة الاردن تقتضي استنفاذ طرق هذا الامل مهما كان ضعيفاً, وأنت الان كرئيس للوزراء من يستطيع البدء بفتح نافذة على مثل هذا الامل.
2- وأساس طلبي هذا هو القاعدة التي يعوّل عليها الفقه القانوني في بريطانيا وهي انه: "من حيث المبدأ, فإن لأطراف العقد الحرية في اختيار القانون الواجب التطبيق على العقد الذي يبرمونه بينهم, حتى ولو لم يكن لهذا القانون اية صلة بموضوع التعاقد. لكن حرية اطراف العقد في اختيار القانون الواجب التطبيق على هذا النحو, قد يتم استخدامها للتهرب من تطبيق قواعد امرة في النظام القانوني الواجب التطبيق اصلاً على العقد. وتبعاً لهذا, فإن غالبية الدول لا تقبل تطبيق القانون الذي اختاره اطراف العقد, الا اذا تبين ان هذا الاختيار قد تم بحسن نية. فإذا تبين ان هذا الاختيار قد تم بحسن نية, فإنه يجب تطبيق هذا القانون الذي حدده اطراف العقد ليحكم الخلافات التي تنشأ بينهم".
وبلغة الفقه الانجليزي:
"In principle, the parties are free to nominate any law as the proper law of their contract even though there may be no other connection between the substance of the obligation and the law selected. However, such clauses could be used as a device to evade the application of  a mandatory provision of law within a relevant legal system. Consequently, most states will not honour choice of law clauses unless they are seen to have been included on a bona fide basis. If the clause is recognized as a good faith term, the 'forum state' must apply the nominated proper law to resolve the dispute".
3- ان قواعد القانون الانجليزي التي تحكم اتفاقية الكازينو تنقسم الى قسمين هما, قواعد القانون العمومي (Common Law). وقواعد العدالة (Equity). ومن حيث المبدأ فإنه عندما تتعلق النصوص التعاقدية بحسن النية او سوء النية, فإن قواعد العدالة هي التي تصبح واجبة التطبيق. ووفقاً للمستقر في القضاء والفقه الانجليزي, فإن احكام العدالة تعمل على اساس شخصي (equity acts in personam), ولا تعنيها قاعدة العموم والتجريد التي تحكم القانون العمومي. ولذلك فإن المعيار في تطبيق قواعد العدالة اساساً, هو مدى توافر سلامة النية وما يقتضيه الضمير والخلق والوجدان, وهل استغفل احد اطراف العقد الطرف الاخر عن قصد من خلال دراسة وتحضير قام به ورتبه بشكل مسبق (due diligence) منظوراً الى ذلك جميعه من وجهة نظر القاضي كأمر يتعلق بالضمير والسلوك القويم.
وهذا الاساس مستقر في بريطانيا منذ ان وضعه اللورد نوتنغهام (Lord Nottingham) عام 1673 الذي تولى قضاء العدالة في ذلك العام, ولا يزال هذا الاساس قائماً حتى الان.
4- وأعتقد انه وفقاً للقانون الانجليزي وللسوابق القضائية في بريطانيا وويلز, فإن سوء نية شركة الكازينو, تفوح رائحته بشكل واضح يكاد يزكم الانوف, من غالبية النصوص الواردة في الاتفاقية التي تمت التسوية والدفع لصاحب شركة الكازينو على اساسها. ويكفي ان نشير هنا الى العناصر التالية التي تعصف بحسن النية المبحوث عنها:
أ- استبعاد اتفاقية الكازينو قانون الاطراف الثلاثة الانجليزي لعام 1999 من التطبيق, من دون ان تبين الاتفاقية الحكمة المشروعة من هذا الاستبعاد, في حين ان البحث في القانون الانجليزي يقطع ان سبب الاستبعاد هو لأن هذا القانون يعطي بعض المزايا للطرف الاردني.
ب. استبعاد الاتفاقية لقواعد القانون الدولي الخاص الانجليزي "تنازع القوانين" من التطبيق على الاتفاقية, من دون ان تبين هذه الاتفاقية اية حكمة مشروعة لهذا الاستبعاد, في حين ان البحث في القانون الانجليزي يؤكد ان السبب هو ان القانون الانجليزي يجعل القانون الواجب التطبيق على العقار, قانون الدولة التي يوجد العقار فيها, اي القانون الاردني في حالتنا, فتم استبعاده.
جـ. استبعاد تطبيق اي نص من نصوص القانون الاردني وإحلال القانون الانجليزي مكانه, وذلك لأن الطرف الاخر "الكازينو" يعلم جيداً ان نصوص الاتفاقية وفقاً للقانون الاردني مخالفة للدستور والنظام العام, وباطلة بطلاناً مطلقاً.
د. استبعاد اي دور للقضاء الاردني في النظر في حكم المحكمين الصادر في لندن, من خلال النص على ان حكم المحكمين يعتبر وكأنه صادر عن القضاء الاردني, وذلك حتى لا يحكم هذا القضاء ببطلان ما هو مخالف لدستورنا ونظامنا العام في حكم التحكيم.
هـ. النص على وجوب تنفيذ حكم المحكمين وفقاً لإتفاقية الامم المتحدة لعام ,1958 انطلاقاً من اعتبار هذا الحكم وكأنه صادر عن القضاء الاردني, وذلك كوسيلة لالغاء اية قيمة او فاعلية للمادة (5/2/ب) من اتفاقية نيويورك الصادرة في 10/6/1958 التي تنص على انه: "يجوز عدم الاعتراف بحكم التحكيم وعدم تنفيذه من قبل السلطات المختصة في الدولة التي يراد الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه فيها اذا وجدت هذه السلطات ان... الاعتراف بحكم التحكيم او تنفيذه, مخالف للنظام العام في تلك الدولة".
و. تعطيل تطبيق نص المادتين (11 و 12) من الدستور الاردني لخمسين سنة مقبلة, وهما مادتان سياديتان لا تملك صلاحية تعطيلها الحكومة ولا السلطة التشريعية.
ز. تقييد صلاحية مجلس الوزراء الواردة في المادة (45) من الدستور لخمسين سنة مقبلة, وهي صلاحية سيادية لا تملك حق تقييدها الحكومة ولا السلطة التشريعية.
وأمام ما ورد في البند السابق, فإنه يغدو طبيعياً الاستخلاص ان شركة الكازينو كطرف في التعاقد:
- كانت تعلم بأن مواد الاتفاقية مخالفة لنصوص الدستور الاردني وللقواعد الامرة في النظام القانوني الاردني,
- وأن علمها هذا يؤكده استبعادها لأحكام القانون الاردني ولنصوص محددة في القانون الانجليزي تحيل للقانون الاردني, وهذا ناتج عن قيام الشركة بدراسة مسبقة للقواعد القانونية في الدولة الاردنية التي يجري فيها التعاقد والتنفيذ (due diligence), مما يؤكد عدم توافر حسن النية لدى الشركة,
- وبالضرورة, فإن الـ (due diligence) الذي قامت به الشركة اكد لها ان لا الوزير الذي وقع الاتفاقية ولا رئيس الوزراء او حتى مجلس الوزراء, يملك صلاحية الخروج على الدستور الاردني والقواعد الامرة في القانون الاردني,
- وبالتالي, فإن موافقة الوزير المخالفة لدستور دولته وقانون دولته على النحو الذي حدث, يمكن ان تصبح في القانون الانجليزي (ultra vires) اي خارج ولايته وسلطاته, وبالتبعية باطلة بطلاناً مطلقاً في هذا القانون, ومن حق الطرف الاردني ان يعتبر تلك الاتفاقية باطلة ويتعامل معها على هذا الاساس.
لقد كنتُ اتمنى ان تكون الاعتبارات السابقة امام من قدم الاستشارة الانجليزية لمناقشته بها قبل ان يقفل باب الامل امامنا في رد مطالبة صاحب الكازينو, وأن لا ينفرد معالي وزير العدل بقبول هذه الاستشارة كما هي, وإجراء التسوية مع صاحب شركة الكازينو على اساسها. صحيح ان لوزير العدل صلاحية دستورية في هذا المجال, لكن استجلاء امكانية خدمة المصلحة العامة بأفضل الطرق, لا ينتقص من سلطات الوزير ولا ينكر عليه صلاحياته.
وأخيراً, لا بد ان اقول ان هناك خطأ جسيماً قد حدث, وأن من اقترف الخطأ هم اردنيون, وانطلاقاً من مبدأ الشفافية الذي يؤكد عليه جلالة الملك عبدالله دائماً, فإنني اضع ما ورد في هذه الدراسة والدراسة التي سبقتها, امام كل مسؤول لديه سلطة او جزء من سلطة, حكومة ومشرعين, فبيدهم اظهار حقيقة ما حدث, ليكون الحساب الذي يمنع من تكرار اتفاقيات على غرار اتفاقية الكازينو.
اللهم اني اتضرع اليك يا من لا اله غيره ان تجنب هذا الوطن وشعبه الطيب الابيّ, كيد الاعداء, وغدر الابناء, وعاديات الزمان, انك على كل شيء قدير.