سخونة متزايدة في الخبر الاقتصادي
يوماً بعد يوم تتخلى الصحف عن تحفظاتها في اختيار العناوين التي تتناول شؤون الاقتصاد الكلي، وتصبح أكثر جرأة وأكثر كرماً في الموقع الذي تضع فيه هذه العناوين. فإلى زمن قريب كانت الصفحات الأولى لأغلب الصحف عندما تتطرق الى الاقتصاد لا تحمل سوى العناوين الايجابية مثل النمو والازدهار وأرقام المؤشرات الكلية الصاعدة، وشهادات الجهات الدولية بمتانة الاقتصاد الأردني ونجاته عن الأزمات، وغير ذلك، مع ابتعاد واضح عما يمكن أن يثير التشويش تحت طائلة الاتهام بـ"قلة الوطنية" الاقتصادية.
وحتى بعد مضي أشهر على تفاقم الأزمة المالية العالمية فإن الصحافة المحلية واكبت الحرص الحكومي على سلامة الوضع في الاقتصاد الوطني واعتمدت سياسة "تفاءلوا بالخير تجدوه"، و واظبت الصحف على تقديم الخطوات الحكومية باعتبارها نشاطات إضافية ومجرد تحوطات ولا تعبر عن قلق أو خطر حقيقي، ثم طغى عنوان "خطة التحفيز" الحكومية للاقتصاد. وكما هو ملاحظ فإن اختيار مصطلح التحفيز لا يشير الى وجود مشلكة معينة، فالأمر مجرد تحفيز لوضع يسير بشكل طبيعي.
لكن الأيام الأخيرة شهدت تبدلاً واضحاً في العنوان الاقتصادي حتى في صحف امتازت بتحفظها الكبير في هذا المجال كصحيفة "الرأي" مثلاً، حيث كتبت يوم الأحد 26/4 على صدر صفحتها الأولى تصريحاً منقولاً عن وزير الصناعة والتجارة يقول فيه: "اقتصادنا يمر بتباطؤ ولا تعثر لاستثمارات صناعية"، وفي التفاصيل الداخلية هناك أكثر من عنوان بلغة تختلف عن لغة "الرأي" المعتادة.
في نفس اليوم (الأحد 26/4) كانت صحيفة "العرب اليوم" تنشر على صفحتها الأولى أيضاً عنواناً لافتاً يقول: "الحكومة توقف انشاء المؤسسات الجديدة والتعيينات وتجمّد سلّم الرواتب"، وتضع الصحيفة ذلك في سياق حديثها عن "خطة لمواجهة الأزمة الاقتصادية" ونشرت في الداخل ما قالت أنه تفاصيل حصلت عليها لتلك الخطة.
غير أن الملاحظ ان الصحف جميعها لم تتعمد البحث والتقصي الخاص ولم تلاحق القضايا الاقتصادية الحساسة بالشكل الذي تستحقه، أي أن الصحف لا تزال متحفظة تجاه ما يسمى "صناعة الخبر" في هذا المجال، وهي لا تزال تبحث ما بين سطور الكلام الرسمي، ولكن الواضح أنها لم تعد تتردد كثيراً عن النشر عندما تعثر على مؤشرات سلبية في الكلام الرسمي، ففي صحف مثل "الدستور والرأي" اللتين اشتهرتا بتبني الخطاب الاقتصادي الرسمي، لوحظ مثلاً أن الصحفيين العاملين فيهما تخلوا عن كثير من حرجهم عند اجراء المقابلات مع المسؤولين، وأخذوا يقتربون من مواضيع الاقتصاد الحساسة، وعند عودتهم الى صحفهم صاروا يميلون الى اختيار التصريح الأبرز حتى لو حمل إشارات سلبية، ولم تعد الخيارات مقتصرة فقط على الايجابيات. وفي "الدستور" التي تشهد تغيرات في محتواها ككل، تميل الصفحات الاقتصادية الى اعتماد لغة جديدة.
والملاحظ ان التبدل في الصحافة الاقتصادية يحاول تجاوز حدود المواد الاخبارية وصولا الى المقالات، وخاصة في صحيفة "الغد" التي تتميز بوجود العدد الأكبر من الكتاب المتخصصين في قضايا الاقتصاد، فبالاضافة الى رئيسة القسم جمانة غنيمات وزميلها حسن الشوبكي الرئيس السابق للقسم، يقوم كل من الدكتور ابراهيم سيف والدكتور يوسف منصور وهما متخصصان في الاقتصاد، بنشر مقالات تحليلية بانتظام في صحيفة "الغد"، وغالباً ما يتناولا قضايا الاقصاد المحلي.
أما "العرب اليوم" فقد ارتبط قسم الاقتصاد فيها بالكثير من القضايا الاقتصادية التي شكلت مواضيع انشغل بها الرأي العام زمناً طويلاً، وقد اعتادت الصحيفة على إبراز الخبر الاقتصادي، وإن كانت كتابة المقال في الشأن الاقتصادي تكاد تقتصر على رئيس قسم الاقتصاد الصحفي سلامة الدرعاوي.
وبالطبع عند الحديث عن المقالات الاقتصادية لا يستطيع المراقب تجاوز مقالة الدكتور فهد الفانك في "الرأي" التي حافظت على حيويتها، غير أن التعليق في هذا التقرير يقتصر على الظواهر الجديدة.
أما الصحيفة اليومية الجديدية "السبيل" فلم تطور لغاية الآن تجربة خاصة في الصحافة الاقتصادية، وربما يعود ذلك الى قصر عمرها كيومية أو لعدم وجود ارث في الاعلام الاقتصادي من منظور اسلامي. ففي "السبيل" صفحتان اقتصاديتان في القسم الثاني تحت عنوان "مال وأعمال" غير أن المحتوى تغلب عليه المادة الدولية من مصادر وكلات الأنباء.
على العموم، يمكن أن نتوقع أن التبدل الملحوظ في الصحافة الاقتصادية لا يزال في بدايته، والمهم أن الصحف جميعها تخطت حاجز التحفظ، غير أنها قد تكون في المستقبل القريب أمام امتحان النوعية والمحتوى، وهنا تطرح مجدداً مسألة التخصص في الصحافة الاقتصادية وضرورة عدم استسهال التحليل والكتابة في هذا المجال.











































