تقدير موقف يتناول الرصيف البحري المؤقت في قطاع غزة، الذي يعمل عليه الجيش الأمريكي بهدف تمكين القطاع من استقبال شحنات كبيرة من المساعدات، ويتطرق إلى التحديات التي تواجه خطط إيصال المساعدات بحرًا.
يعمل الجيش الأمريكي على إنشاء رصيف بحري مؤقت في قطاع غزة، وذلك بهدف تسهيل مهمة إيصال المساعدات إلى أهالي القطاع، في ظل التقارير الأممية أن المجاعة "تكاد تكون حتمية"، وعرقلة إسرائيل دخول المساعدات براً، وعدم كفاية تلك المسقطة من الجو. مع ذلك يرتبط الحديث عن الرصيف البحري بتساؤلات وتحديات عدة، أهمها الحاجة الفعلية إلى هكذا خطوة، وما مصير ذلك الرصيف مستقبلاً، وكيف يُمكن أن يُوظف في خدمة السياسات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية في مرحلة ما بعد الحرب؟
الرصيف البحري المؤقت
جاء الإعلان الأول عن الميناء في 8 مارس 2024 عندما ذكر الرئيس جو بايدن أثناء خطاب حالة الاتحاد أمام الكونجرس، عن توجه الجيش الأمريكي لإنشاء ميناء عائم بمساحة 6 كيلومترات، ويضم مرافق صحية وسكنية عائمة، وفي 11 مارس أبحرت سفينة الدعم اللوجستي " الجنرال فرانك إس بيسون" من ولاية فيرجينيا إلى شرق المتوسط، وهي تحمل المعدات اللازمة لبناء الرصيف البحري، فيما ذكر البنتاغون أن البناء قد يستغرق حوالي 60 يوماً، ويتطلب تواجد 1000 جندي أمريكي قُبالة سواحل قطاع غزة.
تهدف الخطة الأمريكية، إلى تمكين قطاع غزة من استقبال شحنات كبيرة من المساعدات، بواقع 2 مليون وجبة طعام يومية إلى أهالي القطاع، ويأتي بديلاً عن الطرق البرية، إذ تعطل وتمنع إسرائيل دخول معظم شاحنات المساعدات عبر معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم.
لكن حتى المساعدات القليلة المدخلة براً يتم توزيعها في مناطق جنوب القطاع ولا تصل شماله، الذي انقطعت عنه المساعدات منذ أشهر بعد أن كان محوراً رئيسياً للهجوم الإسرائيلي في الشهور الماضية، ما دفع الحاجة لتجاوز الحصار البري الإسرائيلي واللجوء إلى عمليات الانزال الجوي للمساعدات، حيث كان الأردن أول من استخدم الإنزال في 6 نوفمبر 2023، لتسليم إمدادات طبية إلى المستشفى الميداني الأردني.
مع ذلك فإن إنزال المساعدات جواً على نطاق واسع، ثبت عدم فعاليته وكفاية تلك المساعدات في درء مخاطر المجاعة وتلبية احتياجات سكان القطاع وخاصة شماله، كما أنها وسيلة ذات تكلفة عالية بسبب ما يرتبط بها من استخدام للطائرات والوقود والأفراد، ويُقدر برنامج الأغذية العالمي أنها أعلى بسبع مرات مقارنة بالمساعدات البرية. كما ترتبط بمخاطر ومحاذير عدة، خاصة بعد أن تعرضت لانتقادات مع السقوط المتكرر للمساعدات في البحر أو في الجانب الإسرائيلي أو أدت تلك الإنزالات إلى وفيات في صفوف الفلسطينيين نتيجة عدم فتح المظلة.
دوافع الخطوة الأمريكية
يأتي قرار الإدارة الأمريكية في وقت شديد الحساسية، حيث يُنافس الرئيس الديمقراطي جو بايدن، المرشح عن الحزب الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب، وسط صعوبة تحيط بالتنبؤات حول نتائجها، وبشكل يتطلب أن تكون خطوات بايدن مدروسة للغاية، ومن بينها تفادي مُفاقمة النقد المتزايد لمواقف إدارته من الحرب في قطاع غزة، والذي بدأ يتوسع داخل الحزب الديمقراطي نفسه، وبين أكثر الداعمين للرئيس وإسرائيل على حد سواء من بينهم زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر.
وبذلك فإن إنشاء الرصيف المؤقت، وإدخال المساعدات بكثافة إلى القطاع، قد تعيد موازنة المواقف الشعبية والسياسية تجاه الإدارة الأمريكية قُبيل الانتخابات، بل يُمكن أن يقدمه الرئيس الأمريكي كإنجاز يحتفي به، بعد أن كان قطاع غزة على وشك المجاعة وانقطاع سُبل إيصال المساعدات إليه. وفي الوقت نفسه تخفف الخطوة من الانتقادات الدولية للمواقف الأمريكية الداعمة لإسرائيل عسكرياً واقتصادياً، وتبقي الولايات المتحدة في قيادة المبادرات والجهود الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
من جهة أخرى؛ توجه هذه الخطوة الأمريكية، رسائل للحكومة الإسرائيلية بأن واشنطن لن تسمح بخروج الأوضاع عن السيطرة نتيجة الحرب، أو بانهيار الأوضاع الإنسانية في القطاع. خاصة في وقت يبدو أن التعاون بين الإدارة الأمريكية وحكومة بنيامين نتنياهو يواجه تحديات عدة أنتجتها مجموعة من الخلافات التي تطورت منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، ووصلت إلى مراحل حرجة من تاريخ العلاقة بين الدولتين، خاصة تجاه النوايا الإسرائيلية لاقتحام مدينة رفح والموقف الأمريكي الرافض لها، بالإضافة إلى الضغوط الأمريكية للتوصل إلى هدنة إنسانية خلال شهر رمضان، وهو المسعى الذي يضع أمام نتنياهو صعوبات عدة أهمها عدم منح فريق التفاوض الإسرائيلي صلاحيات واسعة، ما يجعل من المفاوضات مسألة إدارية تتطلب وقتاً أكبر، وتحتاج إلى تجاوز تناقضات داخلية معقدة.
في المقابل؛ وجدت إسرائيل في الخطوة الأمريكية فرصة لتقليل حدة الخلافات من خلال ترحيب المسؤولين الإسرائيليين بالخطوة، والتي من شأنها أيضاً أن تدعم خطط الجيش الإسرائيلي لاستكمال الحرب ورُبما اقتحام مدينة رفح، ويُضعف في الوقت نفسه من السيطرة الإدارية والمدنية لحركة حماس على قطاع غزة.
وتنظر إسرائيل بشكل عام إلى الممرات البحرية سواء الميناء الأمريكي أو ذلك الممر الذي أعلنت المفوضية الأوروبية ودولاً أوروبية وإقليمية عزمها على فتحه، بأنها خطوات ستضعف حركة حماس وتعزز السيطرة الإسرائيلية، كما صرح بذلك وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت حول أنّ الممر البحري سيضعف حماس، وسيعزّز سيطرة الجيش الإسرائيلي، ويحسّن قدراته على استمرار القتال.
إذ إن توزيع المساعدات عبر البحر، قد يسهم في الدفع بالخطة الإسرائيلية القاضية بتصعيد قيادات فلسطينية محلية لتوزيع وتخزين المساعدات، على حساب الأدوار السابقة للأونروا وحكومة حماس، كما أن المساعدات التي ستدخل عبر الميناء ستبقى تحت السيطرة الأمنية والإسرائيلية، من خلال فحصها إسرائيلياً في قبرص قبل توجهها إلى قطاع غزة.
تحديات إيصال المساعدات بحراً
تواجه خطط إيصال المساعدات بحراً، لا سيما الخطة الأمريكية بإنشاء الرصيف البحري أو خطة المفوضية الأوروبية للممر البحري على سواحل قطاع غزة بالعديد من التحديات والتداعيات التي من الممكن أن تؤثر النتائج المرجوة منها، ومن تلك التحديات:
1- أن وصول المساعدات البحرية بكثافة وكفاءة يتطلب فترة زمنية طويلة قياساً بتسارع الأحداث وعمق الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، ويواجه كذلك تعقيدات لوجستية كبيرة ستجعل منه ممرا سيكون بطيئاً، ولن يكون بديلاً عن فتح إسرائيل للمعابر البرية لإدخال المساعدات.
2- عدم وضوح الجهة القادرة على توزيع المساعدات، ولا آليات ذلك التوزيع على المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، وتحديداً في المناطق الشمالية منه.
3- لا تلغي تلك المشاريع السيطرة الإسرائيلية على المساعدات، خاصة في حالة الممر البحري حيث تشرف إسرائيل على المساعدات منذ لحظة تحميلها وحتى توزيعها.
4- ترتبط الطرق المائية بمخاوف من احتمالات استغلال إسرائيل لها مستقبلاً بتسهيل الهجرات الطوعية للمواطنين الفلسطينيين من قطاع غزة.
5- إن تأمين المساعدات بعيداً عن معبر رفح، قد يُسهل تنفيذ إسرائيل لعمليات عسكرية في مدينة رفح، خاصة وأنه يتيح إجلاء المدنيين من رفح إلى وسط وشمال قطاع غزة.
وأخيراً؛ لا يمكن عزل الممرات المائية ومنها الرصيف البحري الأمريكي عن تطورات الحرب في قطاع غزة، أو مستجدات المشهد السياسي الأمريكي بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2024، أو ما قد تشهد الساحة الإسرائيلية من تغيرات خاصة على مستوى الائتلاف الحكومي ومجلس الحرب، والذين قد يشهدان سيناريوهات عدة محتملة.