ساحات مدرسية في مأدبا تحرم الطلبة من اللعب في بيئة آمنة
اندفعت سدين -من طلبة الصف الخامس- إلى الأراضي المجاورة لمدرستها، وسط تشجيع الأساتذة والطلبة، خلال سباق نظمته المدرسة.
تروي الطفلة ذكرياتها في "مدرسة القاسمية الأساسية المختلطة" في لواء ذيبان التابع لمحافظة مأدبا، قبل أن تنتقل منها العام الماضي:
"بجانب المدرسة كان في شارع وتسابقنا من عنده، ولفينا حول المدرسة"، تقول سدين.
"حصة رياضة" في الشارع العام
يذكر عبدالله القيسي، والدُ سدين، ما تعرضت له طفلته من خطر عند مشاركتها في السباق، إذ تسبب تدافع الطلبة بسقوط ابنته في الشارع العام، الأمر الذي شكل تهديدًا لسلامتها.
يؤكد القيسي أن مدرسة القاسمية تفتقر إلى وجود ساحة ملائمة، إذ يتبع البناء ساحة مرصوفة لا تتجاوز مساحتها 8 أمتار مربعة، هي موقف سيارات للبناء المتواضع المستأجر منذ سنوات طويلة، حسب ما أشار.
يوضح القيسي أنه لا توجد لبناء المدرسة أسوار أو بوابة :"حصة الرياضة بتكون في الشارع الرئيسي"، يقول والد الطفلة.
لافتًا إلى أنه أُلحقت بالبناء دورات مياه خارجية، بجانبها حفرة امتصاصية غير مؤمنة، حسب ما أشار.
يدرس في مدرسة "القاسمية الأساسية المختلطة" 54 طالبًا وطالبة، يتوزعون في الصفوف من الأول وحتى السادس، حسب بيانات وزارة التربية والتعليم الأردنية.
تقدم أهالي القاسمية بطلب إلى وزارة التربية والتعليم لإنشاء مدرسة أساسية على مساحة ستة دونمات مملوكة للوزارة تقع بمحاذاة البناء القديم.
توضح مديرة تربية لواء ذيبان خولة البداينة أن من أساسيات إنشاء المدارس توفير مرافق وساحات تتسع لأعداد الطلبة فيها، فالساحات المدرسية لها صلة بأمان الغرفة الصفية، وهي تفصلها عن البيئة الخارجية، حسب رأيها،
وأشارت البداينة إلى أنه يتوجب أن تكون الساحات آمنة وتوفر مترين مربعين لكل طالب كحد أدنى.
مؤكدة أن منطقة ذيبان تعاني من فقر في ترتيب وتنظيم الساحات وتهيئتها للطلبة.
تقول البداينة: "مدرسة القاسمية من المدارس المؤلمة والمحزنة، فهي تحتاج إلى ساحات ودورات مياه وأسوار"، مشيرًة إلى عدم وجود بناء آمن به ساحات يمكن استئجاره ليخدم الطلبة في المنطقة.
وبحسب ما أوضحت، تعتزم الوزارة دراسة إنشاء بناء جديد على الأرض المملوكة للوزارة يضم 8 إلى 10 غرف. ويتوقع تنفيذ المشروع في العام 2023/ 2024.
ساحة المدرسة شارع اسفلتي
لا يختلف حال مدرسة الموجب الأساسية للبنات كثيرًا عن حال مدرسة القاسمية. تقع المدرسة في لواء ذيبان ضمن مجمع تابع لسلطة وادي الأردن. تضم المدرسة 56 طالباً وطالبة من الصفوف الأول وحتى العاشر.
تتوفر في مدرسة الموجب للبنات مساحة خارجية للطلبة، هي عبارةٌ عن شارع يخدم المركبات وصهاريج المياه في الوصول إلى مباني السلطة.
تبدو المدارس الأخرى في المحافظة أفضل حالًا من المدرستين، إلا أنها لا تملك جميعًا مساحات خارجية كافية للطلبة لممارسة اللعب والأنشطة الرياضية.
تضم محافظة مأدبا 80 مدرسة أساسية، يقع 45 في المئة منها في لواء ذيبان. يدرس في اللواء نحو ربع طلبة المحافظة، في حين يدرس بقية الطلبة في لواء قصبة مأدبا.
تشكل المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم نحو 60 في المئة من مدارس المحافظة، مقارنة مع نحو 39 في المئة في العاصمة، حسب إحصائيات وزارة التربية والتعليم للعام 2020/2021.
معايير غير مطبقة
تشترط تعليمات "نظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية رقم (130) لسنة 2015 وتعديلاته" تخصيص متر مربع واحد على الأقل لكل طالب داخل الغرفة الصفية ومترين مربعين على الأقل من الساحات، و بمجموع يصل إلى 3 أمتار مربعة للطالب في البناء المدرسي.
يكشف تحليل خرائط جوجل لعينة واسعة من مدارس محافظة مأدبا عن أن وزارة التربية والتعليم لم تطبق تلك المعايير على مدارس تابعة لها هناك.
شمل التحليل نحو 98 في المئة من المدارس الأساسية الحكومية في محافظة مأدبا.
يستند التحليل إلى بيانات جُمعت بواسطة تطبيق الخرائط "جوجل ايرث". كما قام معد القصة بزيارات ميدانية لثلث المدارس الأساسية تقريبًا في المحافظة.
كشف التحليل عن حرمان ما يزيد على 4 آلاف طالب وطالبة من مساحات كافية للعب في ساحات مهيأة، وفق معايير وزارة التربية والتعليم التي تشترطها على المدارس الخاصة.
يقر مدير إدارة الأبنية والمشاريع الدولية إبراهيم السمامعة بأن حصة الطلب من السماحة المساحة كانت تتراوح بين 1.1 إلى 1.4 متر مربع عند إنشاء الأبنية المدرسية في السابق.
يقول السمامعة إن حصة الطالب في أبنية مدرسية قد لا تزيد على 1.4 متر مربع لكل طالب، وقد ينخفض ذلك إلى ما دون المتر الواحد في أبنية أخرى.
وحسب ما أوضح فإن كودة (نظام إنشاء) الأبنية المدرسية التي أقرها مجلس الوزراء الأردني مطلع العام الجاري، ستأخذ بعين الاعتبار مستقبلاً العديد من المعايير، منها أسس اختيار قطعة الأرض، والأعمال الخارجية، والساحات، والوحدات الصحية، والبوابات.
مؤكدًا أن المعايير الحالية تشترط توفر 4 أمتار مربعة لكل طالب.
يشكل استعاضة الأبنية المدرسية المستأجرة بأخرى مملوكة للوزارة تحديًا كبيراَ من وجهة نظر السمامعة، في ظل ما وصفه بالهجرة من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، ما يضطر الوزارة إلى استئجار مبان لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة.
لافتًا إلى تزايد عدد الأبنية المدرسية الجديدة التي تحتاج الوزارة إلى إنشائها وزارة التربية والتعليم سنويًا من 60 مدرسة إلى 100 مدرسة سنويًا، إذ استقبلت المدارس التابعة لها نحو ربع مليون طالب وطالبة منذ العام 2020.
لا تتمتع المباني المستأجرة بمعايير كافية مقارنة مع المملوكة، حسب وزارة التربية والتعليم.
تُشير الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية التعليم 2018-2022 إلى "أن الأبنية المدرسية المستأجرة لا تفي بالمعايير المعتمدة للمدارس بمستوى المدارس المملوكة لوزارة التربية والتعليم".
ومع ذلك يظهر تحليل البيانات أن معظم الطلبة المحرومين من مساحات كافية للعب (أقل من مترين مربعين)، يدرسون في مدارس تملكها الوزارة.
لم يقتصر عدم تهيئة الساحات على ضيق المكان مقارنة بعدد الطلبة، فهناك مدارس ذات ساحات ترابية أو مفروشة بالحصى، ومدارس أخرى دون أسوار تحيط بها من جميع الجهات، حسب ما كشفت زيارات ميدانية أجراها مُعد القصة.
يقول والد سدين، وهو موظف متقاعد، إنه واجه المصاعب ذاتها عندما كان يدرس في مدرسة القاسمية الأساسية في الماضي، مبديًا استياءه من استمرار معاناة الطلبة من الدراسة في مبان غير مهيأة. كانت مدرسة القيسي في مبنى آخر قبل نقلها إلى الموقع الحالي.
في الماضي حلُم القيسي بمدرسة أفضل لأبنائه، لم يكن يعلم أنها ستكون دون ساحة أو بوابة أو أسوار.
أنتجت هذه القصة بالتعاون مع أريج وبدعم من سفارة مملكة هولندا- مشروع 100 واط