زياد عبد الصمد: أزمة الدين العام في المنطقة العربية مسألة عدالة اجتماعية وحقوق إنسان

الرابط المختصر

شدّد زياد عبد الصمد، المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية، على أن أزمة الدين العام في المنطقة العربية لم تعد قضية تقنية بحتة، بل تحولت إلى مسألة عدالة اجتماعية وحقوق إنسان، وذلك خلال كلمته الافتتاحية في الورشة الإقليمية – أصوات عربية من أجل تمويل تقدمي للتنمية التي عُقدت في عمّان اليوم (25 آب 2025).

وأشار عبد الصمد إلى أن حجم الدين العام العربي بلغ نحو 1.55 تريليون دولار في 2023، أي ما يزيد عن ضعفي مستواه في 2010، لافتًا إلى أن تفاقمه يعود إلى عوامل متعددة أبرزها النموذج الاقتصادي الريعي، العجز المزمن في المالية العامة، غياب العدالة الضريبية، الفساد وضعف الحوكمة، إضافة إلى شروط الاقتراض المجحفة.

وحذّر من الانعكاسات الخطيرة للدين على الحقوق الأساسية للمواطنين، مثل التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والعمل اللائق، مؤكدًا أن خدمة الدين تستهلك جزءًا كبيرًا من الموازنات على حساب الاستثمار في الإنسان.

واقترح عبد الصمد مجموعة من الحلول لمعالجة الأزمة، من بينها إصلاح ضريبي تصاعدي، إعادة توجيه الإنفاق نحو القطاعات المنتجة، التفاوض على إعادة هيكلة الديون بشروط منصفة، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، معتبرًا أن الحل الجذري يكمن في بناء اقتصاد منتج ومستدام يقلل الاعتماد على الاستدانة.

كما دعا إلى دور أكبر للمجتمع المدني والإعلام في تسليط الضوء على الكلفة الاجتماعية للأزمة المالية، وتشكيل رأي عام ضاغط من أجل سياسات أكثر عدالة وإنصافًا.

 

كامل الكلمة:

ورشة العمل الإقليمية – أصوات عربية من أجل تمويل تقدمي للتنمية
عمان – 25 آب 2025


زياد عبد الصمد – الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية

 

 

السيدات والسادة،
الزميلات والزملاء،

أود بداية أن أشكر شركاءنا في تنظيم هذا اللقاء الإقليمي، وأشكر حضوركم الكريم الذي يجسد التزامنا الجماعي بالبحث عن مسارات بديلة أكثر عدالة في إدارة الاقتصاد والمالية العامة في منطقتنا.

نلتقي اليوم في ظل واقع إقليمي مأزوم، إذ تشهد المنطقة العربية تضخمًا غير مسبوق في الدين العام بلغ عام 2023 حوالي 1.55 تريليون دولار أمريكي، أي بزيادة تفوق مرتين ونصف عما كان عليه عام 2010. هذه الأرقام الصادمة تعكس حجم الاختلالات التي تراكمت على مدى سنوات، والتي لم تعد مجرد مسألة اقتصادية تقنية، بل تحولت إلى قضية ترتبط مباشرة بالعدالة الاجتماعية وبحقوق الإنسان.

وهنا، اسمحوا لي أن أتوقف سريعاً قليلاً عند بعض النقاط التي يفترض مناقشتها بشكل عام، لنتمكن من فهم الواقع بشكل أفضل، ووضع رؤية واضحة وبرامج عمل فعّالة لمواجهة التحديات التي يفرضها موضوع الدين العام.

 

أولًا: أسباب تفاقم الدين العام.

حين نتأمل أسباب تضخم الدين في منطقتنا، نجد أنها لا تعود إلى عامل واحد، بل إلى مجموعة من السياسات والخيارات المتراكمة:

  1. النموذج الاقتصادي الريعي والاعتماد على الخارج:
  2. العجز المزمن في المالية العامة:
  3. غياب العدالة الضريبية:
  4. الفساد وضعف الحوكمة:
  5. الاقتراض بشروط مجحفة:
  6. اختلال النظام المالي الدولي والذي برز بوضوح في القمة الرابعة لتمويل التنمية التي انعقدت منذ شهر تقريبا في سيفيليا إسبانيا، وشارك فيها عدد من أعضاء الشبكة وقد صدر عنها نشرة مخصصة لمعالجة التحديات التي واجهت القمة، وتتجلى ملامح هذا الاختلال في:

العديد من بلداننا لم تنجح في بناء قاعدة إنتاجية صلبة، بل اعتمدت على الريوع النفطية أو على تحويلات المغتربين أو المساعدات. هذا جعل الاقتصادات عرضة للصدمات الخارجية، وكلما تراجعت الموارد لجأت الدول إلى الاستدانة.

في معظم بلداننا، النفقات الجارية – مثل الرواتب، الدعم، وخدمة الدين – تبتلع القسم الأكبر من الموازنة، بينما الإيرادات الضريبية تبقى محدودة وغير عادلة. هذا العجز يُموَّل عادةً بالاقتراض بدل إصلاح المنظومة الضريبية.

الضرائب في منطقتنا غالبًا غير تصاعدية، تعتمد على الاستهلاك (TVA) أكثر من اعتمادها على الثروة أو الريع أو الأرباح الكبرى. هذا جعل الفقراء والطبقات الوسطى يتحملون العبء، بينما بقيت الشرائح الأكثر ثراءً أقل مساهمة.

لا يمكن تجاهل أن جزءًا من الدين تراكم لتمويل هدر وفساد، بدل أن يذهب إلى استثمارات منتجة. في حالات عديدة، الاقتراض الخارجي استُخدم لسد عجز ناجم عن سوء إدارة لا عن استثمار في مستقبل أفضل.

في أوقات الأزمات، تضطر الدول إلى الاقتراض من أسواق المال الدولية أو من مؤسسات مانحة بشروط قاسية، ما يضاعف كلفة الدين ويُقيد السيادة الاقتصادية.

  •  قواعد التجارة والتمويل والاستثمار غير المتكافئة
  •  ⁠أطر إعفاء الديون التي يقودها الدائنون
  • ⁠ضعف التمثيل والتأثير في المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين، و مجموعة العشرين، مقابل الأمم المتحدة)
  • ⁠المشروطية التي تفرض التقشف وتقيّد الحيّز المالي
  • واستنزاف القاعدة الضريبية عبر التدفقات المالية غير المشروعة وتحويل الأرباح، وهناك اتفاقية دولية حول الضرائب قيد التفاوض بين الدول الأعضاء في الامم المتحدة لمعالجة هذه القضايا.
  • الحق في التعليم: كلما ارتفعت خدمة الدين، تقلصت الموازنات المخصصة للمدارس، للمناهج، وللأستاذة. هذا يعني جيلًا كاملًا مهددًا بنقص في فرص التعليم.
  • الحق في الصحة: المستشفيات العامة تعاني، والأدوية الأساسية تختفي، لأن الموازنات تُستهلك في دفع الفوائد بدل شراء المستلزمات الطبية.
  • الحق في الحماية الاجتماعية: برامج الدعم أو شبكات الأمان الاجتماعي يتم تقليصها تحت شعار "الإصلاح المالي"، بينما تُترك الفئات الأكثر هشاشة وحيدة في مواجهة الفقر.
  • الحق في العمل اللائق: من خلال السياسات التقشفية التي ترافق خطط خفض الدين، يتم تجميد التوظيف، وتُرفع الضرائب غير المباشرة، ما يخلق بطالة أعلى ويفاقم التفاوتات.
  • السيادة الاقتصادية: حين تخضع الدول لإملاءات الدائنين، تصبح سياساتها الاجتماعية والاقتصادية مرهونة للخارج، ما يعني انتقاصًا من الحق الجماعي للشعوب في تقرير مصيرها الاقتصادي.

 

ثانيًا: انعكاسات الدين على حقوق الإنسان

الدين العام ليس مجرد رقم في ميزانية الدولة، بل هو عامل يُعيد تشكيل أولوياتها. وهنا تكمن خطورته على حقوق الإنسان:

 

ثالثًا: كيف يمكن معالجة أزمة الدين؟

أمام هذه الصورة القاتمة، قد يبدو المشهد مسدودًا. لكن التجارب الدولية تثبت أن هناك بدائل وسياسات ممكنة إذا ما توفرت الإرادة:

  1. إصلاح ضريبي عادل:
  2. إعادة توجيه الإنفاق:
  3. إعادة هيكلة الديون بشروط منصفة:
  4. مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية:
  5. بناء اقتصاد منتج:

لا بد من اعتماد نظام ضريبي تصاعدي يفرض ضرائب عادلة على الأرباح الكبرى، على الثروة، وعلى الريوع العقارية والمصرفية، بدل تحميل العبء للطبقات الوسطى والفقيرة.

بدل أن تبتلع خدمة الدين الجزء الأكبر من الموازنة، يجب أن تُعطى الأولوية للاستثمار في الإنسان: في الصحة، في التعليم، وفي البنى التحتية المنتجة.

على الدول أن تتفاوض مع الدائنين، وأن تضع حماية الحقوق الأساسية في صلب أي اتفاق لإعادة الجدولة. هناك تجارب دولية حيث جرى ربط خدمة الدين بمؤشرات التنمية لا بمجرد نسب العجز والفائض.

كل إصلاح يفشل إذا لم يُرافقه تعزيز للحوكمة، عبر موازنات شفافة، ورقابة برلمانية ومجتمعية، وتمكين القضاء من محاسبة الفاسدين.

الحل الجذري ليس في إدارة الدين فقط، بل في تقليص الحاجة إليه عبر تعزيز القطاعات الإنتاجية – الزراعة، الصناعة، التكنولوجيا – وخلق فرص عمل تُعيد للدولة مواردها السيادية.

 

رابعًا: دور المجتمع المدني والإعلام

المجتمع المدني ليس متفرجًا. هو قادر على الإفصاح عن كلفة الدين على الناس، على الضغط من أجل شفافية أكبر في الموازنات، وعلى بناء رأي عام يرفض السياسات المجحفة. كذلك الإعلام مدعو إلى كسر خطاب الأرقام الجافة، وإظهار الوجه الإنساني للأزمة: الأمهات اللواتي لا يجدن دواءً لأطفالهن، الطلاب الذين يتركون مدارسهم، والشباب الذين يهاجرون بحثًا عن فرصة.

 

خاتمة

كما وصل دين منطقتنا إلى 1.55 تريليون دولار عام 2023، فإن التحدي أمامنا ليس في حجم الدين فقط، بل في كيفية إدارته، وفي الخيارات الاقتصادية التي جعلت الفئات الأضعف تتحمل العبء الأكبر. إن البحث عن مسارات أكثر عدالة يتطلب إعادة النظر في المنظومة الضريبية، وفي دور الدولة، وفي أدوات التمويل التي تضع التنمية وحقوق الإنسان في صدارة الأولويات.

اعود واشكر الشركاء والزملاء المشاركين في هذه الورشة على مل ان تحقق أهدافها وتؤتي بنتائج مفيدة لمجتمعاتنا 

شكرا