"زهرة الأغوار" ... قصة إذاعة

"زهرة الأغوار" ... قصة إذاعة
الرابط المختصر

أسماء ومنيرة من لواء الشونة الجنوبية في غور الأردن، أخذتا على عاتقهما تحدي مجتمعهما الريفي المغلق، لتصبحا من أول الصحفيات اللواتي يخاطبن مجتمعهن عبر الأثير الإذاعي، ليتحدثن دون خوف.

في لواء الشونة الجنوبية حيث الانغلاق والتشدد تجاه المرأة، شقت أسماء ومنيرة طريقهما لتغيير تلك النظرة عن الموروثة عن المرأة، من خلال عملهما كصحفيات في مشروع لإقامة إذاعة "زهرة الأغوار".

هذه الإذاعة تأتي كأول إذاعة نسائية في الأردن هدفها الأول والأخير تمكين المرأة الأردنية التي تعيش في غور الأردن، وهي منطقة تنتشر فيها عمالة النساء في قطاع الزراعة.
هؤلاء النساء يتعرضن للاضطهاد الاجتماعي، ويعانين من هدر للحقوق كعاملات في قطاع الزراعة.

قصة إذاعة
الحكاية بدأت عام 2006 في مؤتمر "أمارك الثامن للإذاعات المجتمعية" الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان.
حينها تم الإعلان عن مبادرة لإقامة إذاعية مجتمعية نسائية في لواء الشونة الجنوبية بغور الأردن لتكون صوتا للنساء بالتعاون مع راديو البلد "عمان نت" والتي أخذت على عاتقها تدريب فتيات من منطقة غور الأردن ليتمكن من قيادة الإذاعة وجعلها منبرا حرا للنساء هناك.

وعلى الفور ودون تردد انضمت أسماء رجا ومنيرة الشطي وعدد من الفتيات للمشروع من خلال التحاقهن بدورة تدريبية في راديو البلد "عمان نت" ليتعلمن الصحافة الإذاعية.

وبهذا  بدأ راديو البلد العمل مع الجهات الرسمية من اجل الحصول على ترخيص البث الإذاعي  لتمكين منيرة وأسماء من البث مباشرة من وسط لواء الشونة الجنوبية في الأغوار الوسطى.
إلا انه ولتعقيدات إجراءات الحصول على رخصة البث الإذاعي لم تمنح الرخصة للان حيث تأخر موعد البث لأكثر من سنة كاملة.

وقد عللت هيئة الإعلام المرئي والمسموع الأردنية، وهي الجهة الحكومية التي تمنح التراخيص، هذا التأخير بقيامها بإجراء دراسات فنية على الموجات القصيرة لتنظيم القطاع من خلال هيئة تنظيم الاتصالات الأردنية، خاصة أن هذه الإذاعة ستكون على الحدود مع إسرائيل مما يتطلب الحذر من عدم تداخل هذه الموجات مع موجات الإذاعات الإسرائيلية.

وهذه العقبة لم تمنع فتيات الأغوار من مواصلة العمل والنزول إلى الميدان في الأغوار والوصول إلى الناس في كل مكان وتسجيل أصواتهم والبحث في مشاكلهم وإعداد التقارير الإذاعية التي يتم بثها على أثير راديو البلد ومقرها في العاصمة عمان.

تقول أسماء لمنصات " تحديات الإجراءات الرسمية وتعقيدات منح الرخصة أعطتنا حافزا لان نعمل بكل طاقتنا لإيصال صوت المجتمع فأطلقنا فكرة برنامج إذاعي ب اسم صوت الأغوار يبث على راديو البلد".

منيرة بدورها تحدثت عن اختيار اسم البرنامج "صوت الأغوار معبر بالنسبة لنا لأننا نعيش في مجتمع زراعي بعيد عن المركز ومهمل من حيث الخدمات وبالفعل إن البرنامج الإذاعي هو صوت لنا و تحديدا صوت للمرأة".

عقبات ومساهمات
هذا وقد بادرت فتيات الأغوار الناشطات في البرنامج إلى التغلب على عقبة التأخير في منح الترخيص لبث الإذاعة من خلال خطوة أخرى وهي الاتصال بإذاعة "بيت لحم 2000" في فلسطين (وهي إذاعة تغطي في بثها منطقة الأغوار الأردنية).
وقد نجحت تلك الفتيات في إقناع القيمين على الإذاعة ببث برنامجهن الإذاعي صوت الأغوار على الهواء مباشرة بشكل مجاني كمساهمة لتدعيم دور المرأة الأردنية في المجتمع الغوري.

وحول هذه الخطوة تقول أسماء "لقد شعرنا عندما بثت إذاعة بيت لحم 0200 الحلقة الأولى لنا على الهواء أن حلمنا تحقق حتى وان كان جزئيا.
المهم أننا مسموعون في كل بيت في الأغوار و ما أسعدني هو أن المسؤولين من رؤساء بلديات في الأغوار ومدراء الدوائر الخدمية أصبحوا يتسابقون من اجل الاستماع إلى البرنامج وأيضا الرد على ملاحظاتنا مما احدث تغيرا في عملهم من خلال شعورهم أن السلطة الرابعة وصلت إلى الأغوار البعيدة والاهم أنها وصلت بجهود فتيات من المنطقة اسمعن صوتهن للجميع دون خوف".

هذا الحراك الذي أحدثه عمل تلك الفتيات على إيجاد إذاعة نسائية في الأغوار دفع الكثير من الفتيات والشباب أيضا لطلب التطوع في المشروع.

المحامية زينات الجريري، وهي أيضا فتاة من الأغوار،  قالت لمنصات " عندما سمعت عن المشروع توقعت في البداية أن الصعوبات كثيرة أمامه لكن عندما استمعت لأول حلقة على راديو بيت لحم قررت أن أساهم في المشروع لأنها الفرصة الفريدة بالنسبة لي كي أصبح فاعلة في مجتمعي و ومساعدة الفتيات على الخروج من السلبية التي يفرضها مجتمعنا عليهن".

محمود الشطي شاب من الأغوار تخرج من الجامعة بتخصص القانون لم يتوانى عن التطوع في حضور دورات التدريب على العمل الإذاعي في راديو البلد"عمان نت"، وقال "إنني من خلال مشاركتي في المشروع سأقوم بدعم النساء ودعم الرجال معا لان التنمية تتحقق بالاعتراف بجميع أعضاء المجتمع".

أورى فتاة من اللواء أفادت "نحن بحاجة ماسة إلى صوت يعبر عنا كفتيات نعاني من الظلم في مجتمع تحكمه التقاليد القديمة التي تعيق تحقيق الفتاة لطموحها".

أما خلود فتبين أن المجتمع الزراعي في الأغوار يعاني من ظلم نسيان المسؤولين له وضعف الإمكانيات والبنية التحتية فيه مما يتطلب أن يكون هناك عمل جاد لتنمية المجتمع " أنا أرى أن الإذاعة ستسهم بشكل كبير في إيصال صوت المجتمع إلى المسؤولين بالإضافة إلى إيصال صوت المرأة إلى أعلى المستويات".

يشار إلى أن عدة جهات دولية دعمت المشروع بالتعاون مع راديو البلد "عمان نت" وحول ذلك تقول تمارا عقرباوي الناشطة الإعلامية ومديرة المشروع إذاعة زهرة الأغوار" عندما بدأت في تنفيذ فكرة المشروع كنت أسابق الزمن على تحقيق سبق في العالم العربي من خلال إيجاد إذاعة نسائية في مجتمع مثل مجتمع الأغوار لأثبت لجميع النساء في أي مكان أن الجانب الأهم من دعم المرأة وتمكينها يقع على عاتقهن كنساء كما أن الإذاعة ستثبت أن المرأة قادرة على القيادة فلا يجب أن ننتظر من احد أي يدعونا للتمتع بحقوقنا".


وفي التجربة العملية تقول عقرباوي " في المجتمع الريفي نجد طاقات كثيرة تحتاج إلى مد يد العون لها وفي البداية كانت لدي خشية من أن يواجه المشروع بالرفض لكن الآن أنا أعطي جزا كبيرا من مهام العمل لفتيات الأغوار بعد أن رأيت الاهتمام بالفكرة من الناس هناك".

وقد أكدت أسماء لمنصات أن تجربتها بالعمل الصحفي وبعد خضوعها لعدد من الدورات التدريبية أضافت إلى شخصيتها الكثير.

"مشروع إذاعة زهرة الأغوار زاد من تفاعلي مع المجتمع. واشعر الآن أن لي دور في طرح مشاكل المرأة والناس في مجتمعي ".
أما منيرة فتقول " أصبحت لدي الجرأة والقدرة على الحديث مع المسؤولين ومتابعة قضايا مجتمعي والبحث عن الحقيقة وحل المشكلات، وذلك من خلال خبرتي في العمل الصحفي ".

يذكر أن الأغوار الأردنية تقع على امتداد الحدود الأردنية الفلسطينية وتشتهر بانتشار المزارع فيها حيث يعتمد سكانها على الزراعة كمصدر دخل أول ويقع فيها البحر الميت وهي اخفض نقطة في العالم وتتأثر بمناخ قاس حيث ترتفع فيها درجات الحرارة بشكل كبير غالبية أوقات السنة وتعاني هذه المنطقة من الإهمال وعدم الاهتمام من الجهات المعنية مما يؤثر على مستوى خدمات التعليم والصحة.

ويعاني سكان الأغوار من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة بالإضافة إلى انتشار بعض الممارسات الاجتماعية السلبية كالزواج المبكر للفتيات وانتشار ظاهرة عمل النساء في الزراعة دون إعطائهن حقوقهن في العمل.
كما تعاني هذه المنطقة من انتشار الجريمة بين الشباب بسبب سيادة نمط العشائرية بين الناس هناك.