زعزعتوا "سنسفيل" ثقتنا

الرابط المختصر

المشكلة ليست مشكلة ان كان الجاني هو الجاني ؟! أم كان مأجورا ؟! وليست مشكلتنا في طريقة القاء القبض على قاتل طالبة جامعة العلوم التطبيقية بعد ثلاثة أيام ؟! وليست في زجاجة الماء وعدم ظهور المسدس في الصورة ؟! وليست في الأب ذي الخلفية الأمنية الذي أشار الى أن القاتل ( قناص محترف ) ؟! وليست مشكلتنا مع الأخ ( الذي عاد عن كلامه ) بأنه يرفض التسليم بالرواية الأمنية بأن (القتيل )هو الجاني !! وليست مع فيديو عم المتهم الذي يُحمل عناصر الأمن مسؤولية تصفية ابن شقيقه واتهامهم بقتله ؟! وليست مشكلتنا أن الجاني ( انتحر ) أم ( تمت تصفيته ) ؟!ولا في الشهادات الحيّة التي قدمها شهود العيان من (أهالي بلعما ) ، وليست مشكلتنا مع مطابقة ما رصدته كاميرات المراقبة المنتشرة في الجامعة ؟! ولن نناقش دور المكاتب الأمنية ( المخابرات والشرطة والبحث الجنائي) الموجودة في الجامعة ؟! وبالتأكيد ليست مشكلتنا في غياب ( الساتر الجسدي ) عند محاولة القاء القبض على الجاني وعدم توفر فريق مختص يجيد ( المفاوضات ) مع الجاني لتسليم نفسه ، ولا كيف وصلت صورة ( المشتبه به ) للمعارضة ، وليست مشكلتنا في تصديق أو تكذيب رواية أن الجاني ( ضحية ) قُدم (قرباناً ) لحماية ابن متنفذ سُهل فراره خارج البلاد؟! ..

مشكلتنا  أنكم بهذه الحادثة زعزعتم " سنسفيل " ثقتنا بأجهزتنا الأمنية - لا تسألوني شو معنى سنسفيل.. في السياق تعني الأساس - وهذه أخطر أنواع الزعزعة ، صحيح ثقتنا بحكوماتنا المتعاقبة منذ أكثر من عشرين عاما مهزوزة أو معدومة ، لكن هذه الزعزعة لا تشكل مشكلة مقابل ان ( تُهز ) صورة الأجهزة الأمنية و( تزعزع ) لدى المواطن ، لما لها من انعكاسات سلبية على هذه الأجهزة التي ستفقد القدرة على اقناع الرأي العام بسياساتها وقراراتها ، والأخطر أنه سيولد حالة من الغضب والغليان لدى المواطن الثائر لعدم تطبيق القوانين أو تطبيقها على ناس وناس .. والفساد غير المحاسب .. وحجم السرقات .. وغياب العدالة .. كل هذه الأمور أوصلتنا الى شيوع حالة السخط والكرة والاستقواء والشعور بالظلم بعد ان أصبح لدينا ( 6 ملايين مواطن محبط ) من الصابرين والمرابطين ، مقابل (333 منتفعا من خيرات الوطن ) ، ويشكل هؤلاء المحبطون ( قنابل موقوتة ) ننتظر ان تنفجر في وجهنا جميعا في أي وقت .

وحتى لا أنزلق الى ما أنزلق إليه بعض العَوَامِّ ، لجأت الى أستاذ علم الجريمة الدكتور ذياب البداينة لتفسير بعض الأحداث التي ( حيرتنا ) ، ووسعت (حيز الشك ) لدينا ، وجعلتنا نستسلم ( للخيال ) ، وبالتالي كانت النتيجة الحتمية ( زعزعة سنسفيل ثقتنا بأجهزتنا الأمنية ) ، ومنها الصورة التي انتشرت للجاني قبل الانتحار وبعده، حيث أوضح ان (ما خلف الصورة ) يظهر شخص يعاني الإرهاق والجوع والعطش ، وتظهر عليه علامات التشتت وضعف التركيز حيث انه يقع تحت تأثير الخوف ( شخص ملاحق ، خائف  يتوقع الموت في أي لحظة ) ، ومن خلال المؤشرات الأولية تظهر على الجاني الاضطرابات العقلية  أي أنه فاقد للأهلية قادته الى فقدان الصلة بالواقع بشكل دائم أو مؤقت ( على شكل نوبات ) أقدم فيها على ارتكابه لجريمة القتل او الاقدام على الانتحار.   

ويجد الدكتور البداية أن طريقة ( مسك المسدس ) طبيعية ، حيث انه جرت العادة في الانتحار أن يكون من خلال الفم او ( نحو الرأس ) وهي أسرع طريقة للوفاة لخلوها من الألم ، معتبراً  أن الانتحار فكرة لم تكن وارده لدى الجاني ، حيث أنه لم ينتحر بعد تنفيذ جريمته ، بل بعد الضغوطات  والاتهامات الشعبية التي مورست عبر ( السوشيال ميديا ) بضرورة إعدامه ، حتى أصبحت فكرة قتل النفس هي السبيل .

وحول عدم نشر الجهاز الأمني لصورة المشتبه به وتعميمها ، على الرغم من دور  المواطن في القاء القبض على الجاني من خلال ( بلاغات أهالي بلعما ) ، كما كان للمواطن دور في الكشف عن مكان وجود الانتحارية الفارة ( ساجدة الريشاوي ) المتهمة في احداث تفجيرات عمان 2005 ، يفسر أستاذ علم الجريمة بأن الامن غير متيقن من أن المتهم الفار هو الجاني وكان لدية هامش من الشك ، ولتخوفه من أن ( يخفق ) في أداء دوره بوصول الأهل أو أحد الموطنين ويقتلونه دون محاكمة ، خاصة بعد تصريحات (والد الضحية بأنه سيقتل الجاني بنفسه) ، وتفاعل الشارع مع القضية وأصدر ( حكمة ) على ( المشتبه به ) دون محاكمة (مطالبين بشنقه ) من خلال اطلق  هاشتاق ( #الاعدام لقاتل طالبة التطبيقية ) ، وبذلك تكون قد ساهم في نشر ثقافة ( شريعة الغاب )..

الحقيقة لم تمت ، بل فقدنا جزءا منها، صحيح أننا فقدنا التواصل مع طرفي الجريمة ( الجاني والمجني عليها ) لموتهما ، بحسب الدكتور البداينة ، إلا أننا نستطيع مقابلتهما ما قبل الوفاة من خلال ( الرسائل ، والاتصالات ، وتسجيلات كاميرات الجامعة ، والزملاء والأهل ) لمعرفة كيف عرف الجاني بموعد امتحان المجني عليها ؟! لماذا هذه الطالبة بالتحديد ؟! وكيف حصل على المسدس ؟! وما القصة ؟! هل هي اعجاب مرضي ؟! ام وهم وانفصال مؤقت ..ذهبت ايمان ضحية هذا الوهم؟!..

زعزعة الثقة ، أمر ليس بجديد ، وكان رأس الدولة حذر في احد خطابات العرش أمام ( المجلس النواب 19 ) من تراجع الثقة في  (البرلمان) والحكومات والقضاء ، باستثناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بكافة فروعها ، إلا أننا اليوم وبعد ( عدد من الاحداث وآخرها قضية طالبة التطبيقية ) ندق ناقوس الخطر بعد أن تسللت ( زعزعة الثقة ) الى أجهزتنا الأمنية التي كانت تحظى بثقة شبة مطلقة..

كاتبة وصحافية أردنية

[email protected]

أضف تعليقك