رواية الشندغة لقاسم توفيق.. إطلالة الغربة الذاهلة

رواية الشندغة لقاسم توفيق.. إطلالة الغربة الذاهلة
الرابط المختصر

كما تجري العادة كلما أصدرت رواية أو مجموعة
قصصية أو ديوان شعر، يدعو الكاتب ثلة من أصدقائه المثقفين والمهتمين، ليقرأ بضعاً
من نتاجه وينقده أصدقاؤه - إيجاباً طبعاً - ويحتفي في نهاية الجمع بتوقيع منتجه في
محاولة للترويج والدعم الإعلامي.وكذا الحال جرى مع إصدار الروائي الأردني قاسم توفيق روايته
الخامسة الجديدة "الشندغة"، حيث احتفل بها في رابطة الكتاب الأردنيين
يوم السبت الماضي، بحضور أصدقائه من مثقفين وكتاب.


فقدم الروائي جمال ناجي والشاعر يوسف عبد
العزيز والناقد د. سليمان الأزرعي قراءاتهم للرواية، إضافة لشهادة ابداعية قدّمها
صاحب "الشندغة".


وحيث يشير ناجي أنه بإصدار توفيق روايته الجديدة
"الشندغة" يعود إلى مواقعه الإبداعية الأصيلة، بعد أن اختطفته الحياة
بتفاصيلها المصرفية، ومساربها الروحية، وتساؤلاتها التي لم يعثر - لحسن الحظ - على
إجابات لها، رغم محاولاته المخلصة الدؤوبة.


ويتابع ناجي حديثه، إذ يتحدث عن عنوان الرواية
بأنها "تسمية محلية في دبي، وتعني النفق الزجاجي عبر الماء، لكنها في الرواية
تعني تلك الإطلالة الذاهلة التي تتجاوز حيز المكان والزمان، لتقرأ ما يشف عن زجاج
الماء وعباب الذكريات التي تحرر توفيق من ضغوطها حين تتبع في روايته هذه ، مراحل
من حيوات أبطالها في لعبة أدركوا سلفاً أنها خاسرة.


وعن شخوص الرواية يصفها ناجي بقوله "هي
شخوص تحكي وتتحرك في برزخ الانتقال من غربة إلى أخرى، ومن عتمة إلى أخرى: أليست الحياة
غربة عن الرحم؟ أليست انتقالية اجرائية في مساحة مضيئة بين عتميتين؟ لا صحة
للانتقال السلمي بين عتمتي الرحم واللحد، ربما أراد الروائي قول هذا، وربما اوجعته
المصائر المحتمة لشخصياته الصاخبة، تلك التي هرولت نحو النهايات فراراً من نذر
الدمار وشواخصه المنتشرة على اديم تقاطعات ومنعطفات الرواية.


وقدّم الأزرعي قراءة في مجمل تجربة توفيق
مؤكداً بما لا يقبل الشك عدم وقوعه في كمائن الوطن التعبوي الذي يأتي في الغالب
على حساب الوطن الدرامي ـ الروائي ، وهو في الشندغة يظل واقعاً تحت هذا الكابوس
الذي يحول أحياناً دون تحرير العمل الروائي والبناء الدرامي ، إذ تلاحق البطل
أحاسيسه بوطنه التعبوي ـ الثقافي في خلال تنقله ما بين عمان وزغرب ودبي وغيرها من
حواضر العالم.


وانتهى الأزرعي بحديثه الى أن
"الشندغة" هو عمل أردني آخر في اتجاه تصوير معاناة المغترب الأردني الذي
خطفت أبصاره برائق حقول النفط والذهب الأسود، إنها عمل أردني يضاف في الاتجاه نفسه
إلى "براري الحمّى" لابراهيم نصر الله، و"الطريق إلى بلحارث"
لجمال ناجي" و"زمامير وهوامير" لفؤاد حسين، وفي الاتجاه نفسه الذي
كتب فيه يحيى يخلف روايته الهامة "نجران تحت الصفر".


فيما قال عبد العزيز أن توفيق يحاول في هذه
الرواية أن يوسع المنفى قليلاً، وأن يحرثه ويفتح كوة في جداره الصلب، وأن يروضه
بأصابع جسورة وأن ينتصر عليه، في مدينة دبي وحيث تحدث وقائع هذه الرواية تفاجئنا
شخصية البطل ناصر الحاج، الذي جاء من عمّان ليعمل في إحدى الشركات، حيث ثمة الم
وذكريات قاسية يحملها في رأسه، ذكريات تتصل بأيام النضال تحت الأرض والمنشورات
السرية وعتمة الزنازين: "لقد وصل دبي وانخرط في العمل مثل حجر اصم كان يعمل
ويتحرك حاصراً مشاويره ما بين الشركة والشقة التي يقيم فيها كان كتوماً أو لنقل
صامتاً أكثر مما ينبغي".


ومضى عبد العزيز في قوله "ولكن داخله كان
يمور بالأحلام والذكريات الجميلة مع رفيقته سارة، كانت تلك الذكريات بمثابة مخلّص
له في ليالي القهر والعزلة، لقد اكتشف الحقيقة الصادمة التي تحاصره في المكان
الجديد، لم يكن ذلك المكان سوى سجن آخر ولو أنه اختلف في الهيئة والجغرافيا
"ما زلت أراك تذهب إلى السجن كما كنت تذهب دائماً".



وقرأ توفيق شهادته الروائية في نفسه إذ بدأ
بقوله: "جربت مرة أن أرسل لنفسي مادة التقطتها أثناء تصفحي الانترنت، وفوجئت
عندما فتحت بريدي الإلكتروني بوجود رسالة تنص على: صديقي قاسم توفيق مرحباً، قاسم
توفيق يبعث لك هذه الرسالة. هكذا تخلق الحضارة فينا هذا الفصام الواعي برغبة
وقبول. أحاول منذ البداية (لا أعرف أية بداية، بداية الحياة، أم الوعي أم الكتابة)
أن أبحث عن إجابات سهلة للاسئلة كلّها، فالسؤال العظيم ليس عن الموت، بل عن
الحياة، والرسالة الالكترونية التي وصلتني مني لا تعني بالمطلق أنني بدأت شوطي مع
الفصام؛ إنما استجبت بطريقتي لواحدة من مستجدات ووسائل ثقافة الحضارة ليس غير. من
هنا آمنت أن الإجابة على كل الأسئلة تكون دائماً في التفسير الشفاف، وفي الفهم
الأكثر شفافية لما اطلقنا عليه تسمية (الحب)".



وللروائي قاسم
توفيق أربع مجموعات قصصية هي "آن لنا أن نفرح" في العام 1977،
"مقدمات لزمن الحرب" في العام 1980، "سلاماً يا عمان سلاماً أيتها
النجمة" في العام 1982، "العاشق" في العام 1987، كما صدرت له أربع
روايات "ماري روز تعبر مدينة الشمس" في العام 1985، "أرض أكثر
جمالا" في العام 1987، "عمان ورد أخير" في العام 1982.


وفي نهاية الاحتفالية وقع قاسم توفيق روايته
"الشندغة"، وقد أوعز الروائي جمال ناجي بان ثمن الرواية في الحفل سيكون
دينار فقط، علما بانها تباع في السوق بأكثر من ذلك، في خطوة تشجيعية للحضور
لاقتنائها.

أضف تعليقك