رسالة الغرب إلى تركيا على هيئة انقلاب

رسالة الغرب إلى تركيا على هيئة انقلاب
الرابط المختصر

عندما يغرد أردوغان خارج سرب المؤسسة العسكرية العلمانية محاولا نقل النفوذ التركي غير المكتمل إلى خارج حدود بلاده، تتكشف هشاشة العلاقات بين السلطة التنفيذية الإسلامية والمؤسسة العسكرية العلمانية التي لا تسمح للإسلاميين بالوصول إلى مناصب عسكرية عليا، ليظهر للعيان حاجة الجمهورية التركية إلى لملمة ملفاتها الداخلية وحلحلتها قبل تنصيب نفسها لاعبا إقليما يريد بسط نفوذه العثماني في المنطقة .

 

 

نجاح أو فشل الانقلاب لا ينفي حقيقة الواقع المقبل على أردوغان ودولته خاصة بعد تحليل خطابه الرسمي الأول عقب جلسة متلفزة قصيرة له عبر سكايب، أنذرت وقتها عن الشلل المفرط في الوصول إلى الشعب والسلطة وأكدت سيطرة الدبابة على الأرض، ليخرج بعدها من أقبية القصور ، يلقي الخطاب جالسا ، يتحفظ على موقع رئيس الأركان ، يمتنع عن الكشف عن أي معلومات عسكرية ، وبعدها بساعات نراه واقفا بين أنصاره يلقي كلمة مهمة جدا وصفها المحللون بالمتماسكة في ظل ظروف حرجة للغاية .

 

 

تسلسل ظهور الرئيس التركي بهذا الشكل له تحليلات عديدة أهمها انتفاء الأصدقاء الحقيقيين له خارج تركيا بسبب سياساته الدولية وتخطيه الحدود الحمراء وهو ما ظهر جليا في تبدل مواقفه تجاه روسيا وإسرائيل مؤخرا، ما يشير إلى علمه بما يحاك ضده مسبقا ، أهمها الموقف الأمريكي الذي صدر متأخرا  لساعات معلنا اصطفافه مع الشرعية رغم عدم رضاه عن سياسات أردوغان الدولية.

 

 

علينا أن نعترف أن أردوغان حاول أن يتمثل شخصية الزعيم أكثر من شخصية الرئيس ، بطرحه مسألة العثمانية الجديدة وبسط نفوذٍ يهدد دول المنطقة، إضافة إلى إفراطه في إظهار قوته الأمر الذي جعل منه فريسة محاولة انقلاب أعادته إلى حجمه الحقيقي إقليميا وأظهرت مدى حاجته إلى علاقات دولية تدعم وجوده، فليس الشعب وحده من يقرر مصير الرئيس التركي، هذا واقع .

 

 

الظهور كزعيم إقليمي له نفوذه قبل تسوية النزعات في البلاد داخليا والخطأ القاتل بالتخلي عن الملف الكردي بعد تمكن المؤسسة الديمقراطية من احتواء الأكراد قبل الانتخابات  الرئاسية الأخيرة باستثمار هذه المعركة لخلق روح وطنية جديدة، وعودة عدد من العسكر للقتال في صفوف حزب العمال الكردستاني، أفسح المجال لمحاولة انقلاب أوصلت رسائلها إلى المجتمع الدولي بأن على أردوغان أن يسوي علاقاته مع القوى الدولية قبل الإنطلاق بمشروع بسط نفوذ الدولة العثمانية الذي وصفه محللون بأنه مشابه لأسلوب إيران في فرض نفسها على المنطقة .

 

 

لا يوجد دولة في المعسكر الغربي تستطيع العيش بعيدا عما حدث في تركيا لما لموقعها من أهمية حدودية مع الدول الأوروبية، إضافة إلى خط النار بينها وبين سورية والعراق، ما يشير إلى ترتيب الأوراق مسبقا الأمر الذي ظهر جليا في الموقف الروسي الأمريكي وتصريحاتهم التي بدت غير مؤيدة للانقلاب لكنها قبلت واعترفت بواقعه، وحسم أوباما للموقف الأمريكي قبل طلوع الفجر شوش المشهد كون سياسات الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة  تقتضي أن تتأخر في إصدار أي تصريحات على الأقل حتى ساعات النهار ما يضمن بحثها وتشاروها لخطواتها المقبلة.

 

 

الجيش التركي المحارب الرئيسي في حلف شمال الأطلسي يخالف رؤية مؤسسة الرئاسة وعلاقتها العلنية مع رموز الفساد يبدو للبعض منقسما ، فيما لا يعي الكثيرون أن هذه الصورة المنقسمة تم إعدادها مسبقا ، فجيش مهم في الناتو كالجيش التركي لا يمكن أن يترك أمام حرب أهلية في بلاد اختارت رئيسها بانتخابات شرعية ديمقراطية.

 

 

اليوم يوم فارق في تركيا لإظهار الاحتقان الداخلي وحالة عدم الانضباط داخل البلاد وإعلان بداية خسارة أردوغان لرصيده السياسي أمام صانعي القرار دوليا وإجباره في مقبل الأيام على سياسات خارجية تجاه سورية ومصر والمجتمع الدولي، ورغم ما يظهر الآن من قوة في خطابه إلا أن ما يجري في هذه الساعات أمر مؤقت لاحتواء الشارع التركي وفرصة للانقضاض على أعدائه ، وستكشف الأسابيع القادمة تبدل واقع حزب العدالة والتنمية خصوصا أن الغرب لن يكون صريحا الآن بإظهار تورطه فيما حصل وسيكون حريصا على ترتيب أوراقه التي سيلعبها في الملف التركي، إضافة إلى الضجة التي أثيرت حول خصمه فتح الله غولن للتغطية على تلك المخططات.

 

 

 

ومن الملاحظ حتى اللحظة عدم وجود أي تقارير عن المدن الأصغر في تركيا تظهر تأثرها بمحاولة الانقلاب ، ولا أي بيانات حول الأوضاع عند الحدود مع سوريا وغيرها من المناطق الحدودية كجورجيا التي أعلنت حالة التاهب على الحدود ولم نسمع حولها اي انباء اخرى ، إضافة الى ظهور أردوغان على قناة CNN  التركية المعارضة التابعة للولايات المتحدة واستنجاده بالإعلام في إشارة الى عدم تأكيد أمريكا للإنقلاب ولولا ذلك  لما سمح له بالظهور على شاشاتها.

 

 

ظهور أحزاب المعارضة في موقع المنتصر للديمقراطية أمر يحسب لها خصوصا بعد انقلاب واقع حزب العدالة والتنمية و فضيحة هشاشة العلاقات بين الجيش والسلطة التنفيذية، ما يؤكد حدوث تغيرات في خطاب الدولة مع هذه اللأحزاب و يمهد لعدم عودة حزب العدالة والتنمية  كسابق عهده  ، وستحتاج هذه الرؤية إلى الانتظار فترة طويلة حتى تتشرب الجمهورية ما حصل وتبدأ بالتحرك تبعا لما سيتم تلقينها إياه من الغرب .

 

 

انفتاح تركيا على المسلحين في سورية والعراق، واستثماراتها المالية داخلها، والعمليات الانتحارية التي شهدتها تقسيم واسطنبول مؤخرا ، راكمت ملفا كبيرا أمام أردوغان يمهد لعمليات انتحارية قريبا لجبهة النصرة في بلاده ، الأمر الأكثر منطقية في الأيام المقبلة نتيجة ترقب تبدل خطابه دوليا وتحول مؤشره  180درجة .

 

 

بات واضحا أن أردوغان ليس وحده من يدير مقاليد الحكم في تركيا،  ودرس اليوم سيكون قاسيا عليه وسيجبره على القبول بشروط المصالحة في الداخل، وبتالي طي صفحة الشمولية التي يمارسها، فما حصل أثار مخاوف مختلف قارات العالم .

أضف تعليقك