بعد أن ملأ اللاجئون السوريون مخيم الزعتري وشوارع مدن أردنية عديدة لسنوات، يبدو كثير من هذه الأماكن اليوم شبه خال منهم، في مشهد يعكس بدء عودة كثيرين إلى وطنهم الأم. فالحقائب متراكمة عند أبواب البيوت، والعيون معلّقة على الطريق المؤدي شمالًا. هكذا بدأت تظهر علامات رحلة العودة بين اللاجئين السوريين في الأردن بعد سقوط نظام بشار الأسد. فعدد غير قليل بينهم صار يرى أن الوقت قد حان للعودة إلى الديار، بعد سنوات طويلة من اللجوء، حملت تحديات اقتصادية واجتماعية قاسية. ومع تبدّل المعادلة السياسية في سوريا، يزداد الحديث عن مستقبل هؤلاء العائدين، وعن طبيعة الظروف التي تنتظرهم، في وقت يراقب فيه الأردن والمنطقة انعكاسات هذه العودة على مختلف المستويات.
رحلة العودة
من خلال التوجه إلى معبر جابر الحدودي حاملًا معك جواز سفرك السوري، أكان ساري المفعول أو منتهي الصلاحية، تستطيع العودة إلى بلدك الأم سوريا. وقد نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعليمات تحدد إجراءات هذه العودة، سواء من المدن الأردنية المختلفة أو من المخيمات. ففي حالة الرغبة بالمغادرة من مخيم الزعتري أو مخيم الأزرق، يحتاج اللاجئ إلى تصريح من الجهات المختصة. كما إن هناك تسهيلات من قِبل الجمارك الأردنية للعائلات التي تنقل أمتعتها معها؛ إذ يسمح للعائلة بأخذ ما يلزمها من أثاث البيت والأدوات الكهربائية التي تم استخدامها أثناء عيشها في الأردن.
لكن السؤال الذي يشغل كل من يفكر بالعودة الطوعية إلى وطنه: ما هي فرص الرجوع إلى الأردن مجدداً، حتى ولو لزيارة مؤقتة؟ إلى الآن لم يتم التوصل إلى قرار جازم بشأن هذا السؤال، لتبقى الإجابة الحالية بأنه ليس هناك فرصة لهكذا رجوع بعد العودة الطوعية إلى سوريا.

أرقام وإحصاءات
تم رصد الأعداد الفعلية للعائدين من الأردن إلى وطنهم حتى منتصف آذار/مارس 2025. وقد بلغت نحو 48,844 لاجئًا، موزعين بين 26,635 رجلًا و22,209 امرأة، من ضمنهم أسر عائدة بكاملها بنسبة 53%، في مقابل 47% من الأسر التي عاد بعض أفرادها فقط.
ومعظم العائدين كانوا من المدن الأردنية مثل عمّان وإربد، إضافة إلى قاطنين في مخيمات مثل الزعتري (5,625) والأزرق (2,804).
وبحلول 7 نيسان/أبريل، وصل العدد الإجمالي للعائدين من الأردن إلى 52,000 لاجئ مسجّل لدى المفوضية، بمعدل يومي بلغ 372 عائدًا، مقارنة بـــ 180 عائد في بداية نيسان/أبريل. ومن ثم، ارتفعت أعداد العائدين بحلول 29 حزيران/يونيو، إلى 75,500 لاجئ منذ سقوط النظام. ووفق بيانات إضافية في تموز/يوليو، أكدت مصادر أن أكثر من 100,000 لاجئ مسجّل قد عادوا خلال النصف الأول من عام 2025، مع تسجيل 51,000 عائد خلال شهر حزيران/يونيو.
دوافع العودة
تختلف دوافع العودة إلى سوريا باختلاف الظروف التي عاشها اللاجئون في الأردن. وكان من أهم العوامل المؤثرة في قرار العودة، والذي يستحوذ على تفكير اللاجئين، هو أن يكون منزلهم في سوريا ملائماً للسكن. يضاف إلى ذلك كدافع أساسي أيضاً، لم شمل الأسر، وأما البعض منهم ينتظرون الظروف المناسبة من أجل العودة إلى الوطن.
وكان نحو 40% من اللاجئين السوريين في الأردن قد عبروا عن رغبتهم في العودة إلى وطنهم خلال عام 2025، بحسب استبيان أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ما يعد أعلى نسبة بهذا الشأن منذ سنوات. ويعد عاملاً رئيسيًا في القرار انتهاء العام الدراسي في الأردن وتحسّن بعض الظروف التي يمر بها اللاجئون. لكن بالمجمل، لا يزال أغلب اللاجئين مترددين؛ إذ وفق تقرير صادر عن مبادرة “تمكين”، فإن 72% من اللاجئين في الأردن لا يرغبون بالعودة حاليًا، رغم سقوط النظام السابق. وترجع الأسباب إلى استمرار المخاوف الأمنية، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وانعدام السكن المناسب في سوريا.

المخاطر والتحديات
رغم الأعداد المتزايدة من اللاجئين السوريين العائدين من الأردن إلى بلادهم منذ سقوط نظام الأسد، إلا أن المشهد لا يعكس قرارًا جماعيًا أو عودة شاملة. فبينما تجاوز عدد العائدين مئة ألف خلال النصف الأول من عام 2025، تشير استطلاعات وآراء ميدانية إلى أن أكثر من ثلثي اللاجئين ما زالوا مترددين في العودة. ويرتبط هذا التردد بعوامل واقعية، أبرزها المخاوف الأمنية، ضعف الاقتصاد السوري، وغياب البنية التحتية الأساسية.
في هذا السياق، إذ تشير تقارير صادرة عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" (Human Rights Watch) إلى أن بعض العائدين تعرضوا لـلاحتجاز أو التعذيب، أو حتى مصير مجهول. و العديد منهم عادوا إلى أوضاع شبيهة بما فروا منه. وهناك مخاوف من خطر نزوحٍ آخر، والذي يتعلق بالمخاطر الاقتصادية وفقدان الدعم داخل سوريا بما يؤدي إلى نزوح جديد إذا لم يتم توفير برامج إعادة دمج فعليّة للعائدين.
في المقابل، تبدو دوافع العائدين مختلفة؛ فبعضهم عاد بدافع لم شمل الأسر، وآخرون مع انتهاء العام الدراسي أو نتيجة الضغوط الاقتصادية في الأردن. ما يعني أن العودة لم تكن دومًا خيارًا نابعًا من الاطمئنان إلى الاستقرار في سوريا، بقدر ما هي نتيجة ظروف ضاغطة هنا وهناك.
الحقوق والضمانات
في الفترة الأخيرة، تعين على السوريين في الأردن إصدار تصاريح عمل لضمان انخراطهم في سوق العمل. وهذه التصاريح مكلفة نوعًا ما بالنسبة للعاملين بنظام المياومة. لذلك، قرر الأغلب العودة إلى سوريا من أجل إيجاد فرص عمل بشكل نظامي في بلادهم. لكن عند عودتهم يصطدم كثير من هؤلاء بواقع شح فرص العمل والغلاء المعيشي، ما يخلق لديهم نوعاً من الندم على قرار العودة، بحسب تقرير أصدره مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR).
قلق… والمستقبل المجهول!
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن ملف عودة اللاجئين ما زال معقدًا ومفتوحًا على احتمالات متعددة. إذ إن سقوط نظام الأسد لم يحلّ وحده المعضلة، بل كشف عن تحديات حقيقية أخرى تتمثل في ضمان ظروف معيشية آمنة وكريمة داخل سوريا، وهو ما لم يتحقق بعد بشكل يطمئن غالبية اللاجئين.
هكذا، فبرغم أن عودة آلاف اللاجئين السوريين من الأردن إلى بلادهم شكّلت مؤشرًا على بداية مرحلة جديدة بعد سقوط نظام الأسد، إلا أن الصورة ما تزال بعيدة عن الاكتمال. فالعائدون لا يمثلون الغالبية، بل شريحة تبحث عن لمّ الشمل أو الهروب من ضغوط اللجوء، في وقت يستمر فيه معظم اللاجئين في التمسك بالبقاء في الأردن خشية غياب الأمان والاستقرار في سوريا. وهنا يبرز التحدي الأكبر: كيف يمكن تحويل العودة من خيار اضطراري إلى مسار آمن ومستدام، يضمن للاجئين حياة كريمة، ويخفف في الوقت نفسه من الضغوط على الدول المستضيفة؟ سؤال مفتوح ينتظر إجابات من المجتمع الدولي والجهات المعنية، بينما يبقى السوريون عالقين بين حلم العودة وواقع لا يزال مثقلاً بالمخاطر.
هذا التقرير من إنتاج مؤسسة ويش بوكس ميديا بالتعاون مع برنامج قريب، الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتعاون الإعلامي CFI، وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.











































