رحلة إلى "موسكو الأردن"

رحلة إلى "موسكو الأردن"
الرابط المختصر

"أتذكر في الثمانينات وعلى اللوحة التي تقابلنا بعد الخروج من مادبا باتجاه قرية مليح تعود أحدهم أن يصبغ دائرة أسم قرية مليح دائماً باللون الأحمر" في دلالة على ما كان يطلق على هذه القرية من باب التندر . ........ب "موسكو الأردن" كما يقول الكاتب سعود قبيلات أبن مليح.

وإذا كان البعض يراها من باب النكتة فإن هذا الاسم له دلالة وشرعية أكيدة بسبب انضمام العديد من أبناء هذه القرية آنذاك إلى الحزب الشيوعي الأردني ، وحتى أن بعضهم يكاد يجزم " أن اصغر عضوة في الحزب كانت من هذه القرية،" وهي معلومة غير مؤكدة وإن كانت ممكنة وفقاً للكاتب الصحفي يوسف غيشان" نظراً لطبيعة الامتداد الحزبي في قرية هذه القرية الذي استغل العشائرية لحشد التأييد من الأقارب والمعارف".

وتعود الذاكرة بالكاتب قبيلات للعام 1979 سنة اعتقاله بسبب انضمامه للحزب الشيوعي أثناء دراسته في الجامعة عندما كان العمل الحزب غير شرعي ويقول "عندما اعتقلت جاء انضمام عدد كبير من الشباب والصبايا للحزب كردة فعل على هذا الأمر وهو ما فتح المجال لاحقاً أمامهم للتفكير جدياً بمبادئ الحزب والإيمان بها وليس لي الفضل في ذلك، وفوجئت لدى خروجي بوجود تنظيم كبير للحزب يضم هذا العدد" ولم يحدد قبيلات العدد بالتحديد ولكنه وصفه بأنه كان كبيراً ومن الجنسين وبعلم أهاليهم أيضا كما يقول.

ومن الملاحظ أن هذه القرية الوادعة في لواء بني حميدة، والتي تبعد حوالي 13 كيلو متر عن مادبا، بقدر امتداد بيوت سكانها الـ 7000 تقريباً على تلال عدة، تلونت ميول أبنائها بين أفكار وتيارات عدة أيضا، فبالإضافة إلى الحزب الشيوعي هناك امتداد واضح لحزب الأخوان المسلمين وحزب البعث الاشتراكي والجبهة الديمقراطية حشد.

ويظهر ذلك مدى تقدم الوعي السياسي لأبناء مليح بوجه خاص وأبناء بني حميدة بشكل عام، ويعزو غيشان هذا التلون والانفتاح بسبب "مشاركتهم في حرب الثمانية وأربعين كمتطوعين مع المقاومة ضد العصابات الصهيونية والعديد من أبناء الشهداء في هذه الحرب من أبناء القرية أصبحوا شيوعيون فيما بعد، كما أنه بفعل القرب الجغرافي استقبل اللواء أبناء فلسطين أثناء المجاعة عام 1929 وتشاركوا واندمجوا في الهم والتاريخ".

ويرى الكاتب قبيلات أن " قرية مليح تختلف عن باقي المناطق في الأردن من حيث أن العشائرية فيها اضعف من الميول الحزبية التي تلعب دوراً أوضح الانتخابات البلدية والبرلمانية وحتى انتخابات جمعية تعاونية، وعادة ما يظهر التنافس الحزبي فيها بشكل اوضح بين الحزب الشيوعي وحزب الأخوان المسلمين، وإن كان في الوقت الحالي أهدأ بكثير من الثمانينات التي كانت تتسم بالحدة والتنافس العلني بينهما".

ويمكن تعميم هذا الوصف على الحراك الحزبي في مختلف مناطق المملكة، إذ أنه كان في تلك الفترة على أشده و كان التنظيم الحزبي في الأردن في أفضل حالاته ولكنه يتعرض الآن للكثير من النقد لضعف أداءه وبعده عن الشارع وهمومه" وهو بطبيعة الحال ينطبق على مليح بالتأكيد ولكن الأفكار الحزبية ما زالت موجودة ولكن بوتيرة أهدأ من السابق" على حد تعبير قبيلات.

وهذا بالتأكيد يسبب مشكلة كبرى يجب على الحكومة وصناع القرار التوقف عندها، إذ أنه وبدون حياة حزبية حقيقة وناشطة لن نستطيع التقدم خطوة في التنمية السياسية، التي رفعتها الحكومة الحالية شعاراً لها منذ البداية، ويرى قبيلات" أن المشكلة الأكبر أننا لا نرى أننا في مشكلة تراجع حزبي حقيقي بل وغياب إذا جاز التعبير".

ويرى الكاتب الصحفي يوسف غيشان أنه حتى لو لم يأخذ التنظيم الحزبي في مليح طابع الامتداد الجماهيري" إلا أنه بالتأكيد قصة عائلات تبنت فكر واعي ونير ورغم عدم انتشاره بالحجم المطلوب إلا أنه انتشر أكثر من مادبا المدينة التي تتسم تغلب على سكانها الطابع المسيحي المثقف".

أهالي مليح، لمسنا انفتاحهم وتقبلهم للآخر بغض النظر عن أفكاره وميوله وخلال اليوم الذي قضيناه هناك مع صبايا وشباب رائعين، أصحاب أفكار خلاقة مبدعه عرفنا سبب اعتياد البعض في السابق على وضع تلك النقطة الحمراء أمام اسم قريتهم، فهي تعني أيضاً بالتأكيد إنذارا لوطن أن هناك في هذه القرى البدوية الرائعة طاقات مخزنة تنتظر الإفراج عنها.

أضف تعليقك