رأس المال الاجتماعي في الأردن

الرابط المختصر

في الأسبوع الماضي شاركت في مؤتمر عقد في مكتبة الإسكندرية ، حيث ترسخت مرة أخرى في ذهني عظمة هذا الموقع الحضاري الذي يمثل سببا لفخر كافة المصريين والعرب بل والإنسانية جمعاء. هذا الصرح الحضاري بات إشعاعا للنور والمعرفة حيث يتم فيه تنفيذ مئات البرامج والمشاريع العلمية والثقافية ومنها مرصد الإصلاح العربي والعديد من المشاريع التي تحاول معالجة أهم المشاكل العلمية والحضارية في العالم.

رئيس مكتبة الإسكندرية د. إسماعيل سراج الدين هو عبارة عن موسوعة من العلم والمعرفة تمشي على قدمين. له قدرة خارقة على أسر المستمعين له عندما يتكلم وبالإستناد إلى العلم والمنطق والتحليل السليم ، ويمكن القول بأنه من ابرز المفكرين العرب على الإطلاق بل ربما أهمهم في الربط ما بين العلم والاقتصاد والثقافة. قدم لنا د. سراج الدين محاضرة مهمة جدا مستندة إلى أيام عمله نائبا لرئيس البنك الدولي في نهاية التسعينيات حيث كان متزامنا آنذاك مع جوزيف ستغلتز. وإذا كان الاقتصاديون في العالم قد ركزوا على طروحات ستغلتز في مناهضة العولمة بعد خروجه من البنك الدولي فإن محاولات د. سراج الدين لإصلاح منظومة الاقتصاد في البنك الدولي من داخل المؤسسة نفسها تستحق التركيز.

كان د. إسماعيل هو نائب رئيس البنك الدولي لشؤون البيئة والمياه ، وقد نشر في العام 1999 دراسة بعنوان "ثراء الأمم Wealth of Nations عن أهمية رأس المال الاجتماعي ورأس المال الطبيعي في الاقتصاد وخرج بنتائج مذهلة. يشير د. سراج الدين في دراسته التي شملت 96 دولة في العالم وقام فيها بدمج رأس المال الاجتماعي (المهارات المهنية للأفراد المتعلمين والشبكات الاجتماعية والثقافية في المجتمع) مع رأس المال البشري ورأس المال الطبيعي (قيمة الموارد الطبيعية في الدولة) أن حوالي %70 من قيمة اقتصاد الدول المختلفة تنقسم إلى هذه البنود ويتبقى حوالي30% فقط كمنتجات للنشاط الاقتصادي المادي - السلعي والتي يتم عرضها عن طريق مؤشر الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي فإن الناتج المحلي الإجمالي والذي تقاس به اقتصادات الدول لا يشكل إلا ثلث القيمة الحقيقية لهذا الاقتصاد.

البنك الدولي إستمر في نشر سلسلة التقارير التي اعتمدت منهجية سراج الدين وكان آخر تلك التقارير في العام 2005 ولكن المشكلة أن سدنة الاقتصاد الليبرالي في الدول النامية ومنها الأردن يتجاهلون هذا النمط من التفكير الاقتصادي الإصلاحي ويركزون فقط على المؤشر المقدس وهو الناتج المحلي الإجمالي لتقدير قوة الاقتصاد.

أحد الامثلة التي يمكن الحديث عنها أن تقدير قيمة الاقتصاد التقليدي في الأردن تعتبر أن كل الأنشطة السياحية والعقارية هي مؤشر إيجابي للمنتجات الاقتصادية ولكن دمج رأس المال الطبيعي في هذا التحليل يعني ضرورة إدخال قيمة الموارد الطبيعية مثل المياه والتي سيتم هدرها بسبب هذه المشاريع مما يعني أن القيمة الكلية للنمو الوهمي سوف تتراجع بسبب وجود قيمة سلبية لهدر الموارد.

في التصنيف الذي نشره البنك الدولي عام 2005 لثراء الأمم وصلت ثروة الأردن الكلية مع دمج رأس المال الاجتماعي والطبيعي إلى 32 ألف دولار للشخص الواحد ، وهي أكبر من الثروة المقدرة لدول مثل المغرب ومصر والجزائر والهند وإندونيسيا وإيران وبلغاريا ورومانيا. ولكن المشكلة أن هذه الثروة النظرية في الموارد الطبيعية والقدرات المعرفة والشبكات الاجتماعية لا زالت غير مقدرة بالشكل الصحيح في الأردن بسبب تمسك صناع القرار الاقتصادي بنظريات السوق والسلع التقليدية والعبودية المطلقة لمؤشر الناتج المحلي الإجمالي.

* نقلا عن الدستور الاردنية