د. أبوحمور: متابعة حالة حقوق الإنسان تحفز الوعي تجاه الإصلاح
ناقش لقاء منتدى الفكر العربي، مساء الأحد عدداً من الجوانب المتعلقة بتحديات حقوق الإنسان في الأردن، وقدم د. موسى بريزات المفوض العام لحقوق الإنسان في المركز الوطني لحقوق الإنسان وعضو المنتدى محاضرة تناول فيها واقع حقوق الإنسان في الأردن في ضوء الإطار المرجعي لها من حيث المعايير والقواعد وكذلك آليات المتابعة والرصد.
كلمة د. محمد أبوحمّور
أدار اللقاء وشارك فيه الأمين العام للمنتدى والوزير الأسبق د. محمد أبوحمور الذي أشار في كلمته التقديمية إلى التقرير السنوي الثالث عشر لحالة حقوق الإنسان في المملكة الأردنية الهاشمية 2016، الصادر مؤخراً، وقال: إن هذا النوع من التقارير يشكل قاعدة بيانات مهمة وأساسية لصانع القرار وللأجهزة التنفيذية ومؤسسات المجتمع المدني في مجال تقييم فاعلية التشريعات وتطبيق السياسات المتعلقة بحقوق الإنسان ونتائجها اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، والاستنارة بما تشتمل عليه التقارير من معلومات ومؤشرات وتحليلات تتركز حول هذه الحقوق بطبيعة الحال، لكنها من جهة أخرى تشمل تطورات العلاقة بين السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية)، والمتغيرات المتأثرة بالأوضاع الإقليمية، وتأثير هذه الأوضاع على عملية تنفيذ السياسات، وعلى الحالة الشعبية، وطبيعة الأدوار بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
وأضاف د. أبوحمور أن هذا النوع من التقارير ينبغي أن يُنظَر إليه على أنه أكثر من مجرد متابعة ورصد وقائع أو شكاوى، وإنما هو وسيلة لحفز الوعي تجاه نواحي التقدم أو القصور في عملية الإصلاح والمسائل الإجرائية، وفي تطبيق القوانين والأنظمة، ومدى تفاعل المجتمع مع متطلبات هذه العملية وتحدياتها.
وأشار د. أبو حمور إلى ما تضمنه التقرير السنوي الثالث عشر لحالة حقوق الإنسان في المملكة من إيجابيات، ولا سيما فيما يتعلق بمأسسة مبادرات حكومية متعددة في الانفتاح والحوار ضمن إطار عملي وواقعي بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والمركز الوطني لحقوق الإنسان، وعن توجهات للقيام بإصلاحات تشريعية في أكثر من ثلاثين (30) قانوناً، بما في ذلك توفير العدل و ضمانات المحاكمات العادلة، وإصلاح القضاء وتحديثه، ومعالجة البطء في البت بالقضايا وتفعيل التنفيذ القضائي، وحقوق الأطفال ورعايتهم، وحماية النساء وحقوقهن. وكذلك العمل على إعادة النظر في القوانين المتعلقة بسوق العمل والاستثمار، وتسهيل التجارة، ودعم المشروعات الصغيرة واجتذاب الاستثمارات المحلية والأجنبية، ومبادرات الحد من الفقر والبطالة، وإصلاح التعليم وحماية البيئة ... وغير ذلك.
كما أشار د. أبوحمور إلى إن المتغيرات الإقليمية والعالمية فرضت أوضاعاً ينبغي التعامل معها ضمن استراتيجيات واضحة، تراعي الجوانب الأمنية في إطارها الإنساني الأشمل، ودون أن يؤثر جانب على آخر ويعطله؛ موضحاً أن ضعف التواصل والتفاعل بين الأطراف المعنية ينتج عنه قصور في تطبيق السياسات كما ينبغي، مما يستوجب القيام بمبادرات حوارية حول الوسائل والآليات التي تضمن التنفيذ الأمثل بمساهمة الجميع و تفاهمهم؛ مشيراً إلى المبادئ الأربعة التي حددها الملك عبد الله الثاني كأساس في السلوك السياسي والاجتماعي لبناء نظامنا الديمقراطي، وذلك في الورقة النقاشية الأولى 9/12/2012، وتتلخص في أن احترام الرأي الآخر أساس الشراكة بين الجميع، وأن المواطنة لا تكتمل إلا بممارسة واجب المساءلة، وأن الحوار والتوافق واجب وطني مستمر (قد نختلف لكننا لا نفترق)، وأننا جميعنا شركاء في التضحيات والمكاسب. ودعا د. أبوحمور إلى اتخاذ هذه المبادىء منارات لمواجهة التحديات بالعمل الجدي الفاعل والاستراتيجيات المدروسة ودقة التخطيط وصدق التنفيذ ومشاركة الجميع.
كما تناول د. أبوحمور عدداً من الجوانب التنموية والاقتصادية التي وردت في التقرير الثالث عشر لحالة حقوق الإنسان في الأردن، ومنها تأثير السياسات المالية والاقتصادية على وضع الطبقة الوسطى التي كادت تختفي، وتراجع ترتيب الأردن في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة، وارتفاع نسبة الدين العام (26.1 مليار دينار حتى نهاية 2016)، واستمرار العلاقة العكسية بين معدلات النمو الاقتصادي والنمو السكاني، وارتفاع نسبة البطالة (زيادة عن 13% عند الذكور و22% عند الإناث)، وقلة متوسط دخول العاملين، وارتفاع معدلات المعيشة ليصبح الأردن في المرتبة الأولى عربياً في ظل ارتفاع الأسعار، وغيرها من القضايا.
محاضرة د. موسى بريزات
وفي محاضرته، عرض المفوض العام لحقوق الإنسان د. موسى بريزات للمبادرات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الاردنية بشأن امتثالها للمعايير والقواعد التي التزمت بها على الصعيد الدولي، وكذلك ما جاء في الدستور من حيث الحماية التي يوفرها لحقوق المواطنين في الفصل الثاني منه، وللمعايير الدولية ذات الصلة. وقال: إن إنجاز عملية تتبع ناجحة في هذا الصدد، وكذلك تقويم قريب من الواقع بدرجة معقولة لواقع حقوق الانسان في المملكة يستدعيان أولاً النظر إلى أبرز المسائل التي تشكل تحدياً للسلطات العامة ومصدراً للشكاوى من المواطنين، وثانياً مراجعة التشريعات الوطنية ذات الصلة بتلك المسائل، ثم تحليل السياسات العامة للدولة حيالها، بالإضافة إلى الممارسات التي تتم بشأنها من قبل المسؤولين الرسميين بما في الجهات المسؤولة عن إنفاذ القانون في البلاد ثالثاً.
وقال د. بريزات: إن حقوق الإنسان منظومة قانونية ملازمة لوجود الإنسان باعتبارها شروط ضرورية لحماية الوجود المادي للشخص (الحق في الحياة) وأمنة الشخصي وحماية كرامته المتأصلة في كينونته.
ولم تخل حضارة أو مدنية أو ديانة سماوية أو فلسفة عالمية من ذكر لهذه الحقوق أو التمثل بقواعدها ومعاييرها بشكل أو بآخر، وقد اكتسبت حقوق الإنسان حديثاً زخماً وطنياً ودولياً من خلال قوننتها في اتفاقيات وعهود دولية ملزمة (من حيث المبدأ) للدول والهيئات الدولية. ويأتي في مقدمة هذه الصكوك الإعلان العالمي لحقوق الانسان (1948) والعهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ( 1966).
وتحتوي هذه الصكوك في ثناياها بالإضافة الى عدد آخر من المعاهدات والبروتوكولات حزمة من الحقوق تشمل: (أ) حقوق خاصة بالفرد مثل الحق في عدم التعرض للتمييز واللامساواة أو التعذيب والإهانة والمعاملة اللاإنسانية، والحق في الحرية من الجوع والخوف، والحق في الملكية والتنقل وعدم التعرض للإخفاء القسري وفي التمتع بجنسية، (ب) حقوق تتعلق بالعدالة وضمانات المحاكمة العادلة مثل عدم التوقيف أو الاعتقال التعسفي، والوصول إلى العدالة والمساواة أمام القانون وقرينة البراء، والمثول في أسرع وقت أمام المحكمة وفي محاكمة سريعة والاتصال بمحامي ... إلخ، (ج) حقوق سياسية من أبرزها الحق في حرية الرأي والتعبير، وفي التجمع السلمي وفي تأسيس الجمعيات والانضمام اليها وفي المشاركة العامة عبر انتخابات دورية تكون حرة ونزيهة، وفي تقلد المناصب العامة، وفي (د) حقوق اقتصادية واجتماعية كالحق في العمل وفي التربية والتعليم وفي مستوى معيشي لائق وفي أعلى مستوى ممكن من الرعاية الصحية، وفي التمتع بضمان اجتماعي، (ه) حقوق جماعية وعلى رأسها حق تقرير المصير، والحق في التنمية المستدامة، وفي بيئة سليمة، وضمان حقوق الاقليات، وكذلك حقوق الفئات الأكثر عرضة للانتهاك (المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة).
وتحدث د. بريزات في هذا المجال عن الجهود الدولية الهادفة إلى تعزيز واحترام حقوق الإنسان من منطلق مبدأ أساسي، وهو أن احترام مثل هذه الحقوق من قبل الحكومات والدول لم يعد شأناً داخلياً يخص الدولة وحدها ضمن مفهوم السيادة، بل هو شأن دولي أيضاً. وهناك تمهيداً لهذا التوجه العالمي في ثنايا ميثاق المنظمة الدولية، ومثل ذلك جرى تضمين الصكوك الدولية التي تلتزم بها الدول مرتكزات تكميلية تعزز هذا التوجه الدولي ايضاً.
وأشار إلى أن البعد الدولي لحقوق الإنسان ومتابعة مسألة امتثال الدول لالتزاماتها في هذا الصدد لم يقتصر على مجرد النصّ على ذلك في القواعد والمعايير الدولية، بل جرى تعزيزها في آليات متعددة تم إنشاؤها وتبنيها لهذه الغاية، وتشمل آليات حكومية يجري إحالة مسألة متابعة مدى امتثال الحكومات إليها مثل مجلس حقوق الإنسان، وأخرى غير حكومية متعددة مثل تقديم التقارير الوطنية للجان التعاهدية المختلفة، وكذلك زيارات وتوصيات المقررين الخواص (وهم بالعشرات)، بالإضافة إلى ما يعرف بالإجراءات الخاصة وفرق العمل المختلفة. ويضاف إلى ذلك إنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وسكرتاريا المنظمة الدولية ولاسيما مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.