دولة "اللبّن" المستقلة!!
تداول المواطنون مؤخراً أحاديث حول عصابات تسرق السيارات، وتأخذها إلى "مناطق آمنة" لا يستطيع الأمن وصولها. "كل الأردن" قررت متابعة الموضوع والذهاب إلى عرين الأسد، وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية.
مندوبنا قام بزيارة منطقة "اللبّن" الواقعة إلى الجنوب من سحاب. تلك هي المنطقة المقصودة، والتي هي من الملاذات الرئيسة الآمنة في المملكة لتلك العصابات، وهي عبارة عن حصن لعصابات من مختلف الأنواع، وليس فقط سرقة السيارات.
ما تسمعه من مواطني المنطقة غريب جداً. يراودك بالفعل إحساس بأنك في دولة مستقلة. يروي الأهالي أن سيارات مكافحة التهريب ودوريات الأمن لا تدخل المنطقة إلا في حالات نادرة جداً. بل إن البعض يستطرد ويضيف أن هناك تعليمات بعدم مطاردة المطلوبين في تلك المنطقة تلافياً للاشتباكات المسلحة معهم في منطقة مأهولة بالسكان، نظراً لما عرف عنهم من امتلاكهم لأسلحة رشاشة، بل وأخطر من الأسلحة الرشاشة.
والمنطقة يسكنها مواطنون مسالمون ويتسمون بالطيبة والكرم، وينسحب ذلك على أفراد العصابات أيضاً! روى لنا البعض عن مدى "إنسانية" أفراد العصابات في التعامل مع كل أهل المنطقة، ومدى التزامهم بالتعامل الحسن مع الكل.
المواطنون الذين تحدثنا معهم رفضوا بشدة التقاط صور لهم أو ذكر أسمائهم، مراعاة لاعتبارات القرابة العائلية مع أفراد العصابات، وتلافياً للمشاكل معهم. ولكنهم أسهبوا في الحديث عن التفاصيل.
منطقة اللبن، وكما هو شائع عنها، يروي أهلها أنها قلعة لمهربي السلاح والمخدرات والمواشي، وليس فقط لعصابات السيارات. المهربون معروفون تماماً لدى الجميع، بل إن 3 من أشهر المهربين ذكروا لنا بالإسم: أبناء (م)، و (ش) وأشقاؤه، و(د).
والمشكلة الحقيقية في "اللبّن" ليست السيارات المسروقة، بل المخدرات. وفي الصباح يستطيع المارّ في الشارع مشاهدة بقايا الحقن وأدوات التعاطي ملقاة على جنبات الشوارع في "اللبّن" وما حولها. أما بالنسبة لتجارة السلاح فحدث ولا حرج. ويأتي رواد المخدرات والسلاح إلى اللبن مباشرة، أو إلى "مندوبين معتمدين" في سحاب. وتجار الجملة هؤلاء، سواء في سحاب أو اللبن، أصبحوا معروفين لتجار "المفرّق" والمتعاطين، بصفتهم مصدراً لا ينضب.
ويخشى سكان المنطقة على أولادهم من الانجرار في طريق تعاطي المخدرات، أو حتى الانزلاق في التهريب، خصوصاً لما يرونه من ترف وعيشة فارهة يعيشها المهربون. ويشير أحدهم إلى امتلاك أبناء المهربين سيارات فخمة جداً ثمنها يصل إلى عشرات الآلاف، مما يشكل إغراءاً قوياً جداً لمراهقي المنطقة، ودافعاً للانحراف.
أما عن السيارات المسروقة فالحديث غريب! تقوم العصابة باستلامها من السارقين، وهم في معظم الحالات ليسوا من أبناء المنطقة، ثم يتم استخدامها بعد وضع "نمرة سعودية"، ويتحركون فيها داخل المنطقة وحولها بكل حرية، حيث يتندّر الأهالي على تلك السيارات قائلين إنها "ترخيص اللبن"!
وفي بعض الحالات وعندما كانت إحدى السيارات المسروقة تخص أناساً مهمين كان أفراد الأمن يتوجهون إلى زعيم العصابة ويطلبون منه تسليم السيارة، وبالفعل يستجيب ويسلمهم إياها.
ويثير الأهالي تساؤلات كبيرة عن سبب عدم إنهاء هذه المسألة، بل إن بعضهم يمضي أكثر من ذلك ليشير إلى الترتيب الذي تم مع جهات عالية المستوى قبل عدة سنوات حيث قام المهربون بتسليم أنفسهم إلى السلطات، ثم تم إطلاق سراحهم جميعاً في اليوم التالي.
كما يتسائلون عن قيام الأمن بإلقاء القبض على بعض المتعاطبن والمشترين بعيد خروجهم من المنطقة، مع عدم المساس بالتجار الكبار من سكان المنطقة.
المسألة ليست مجهولة، بل هي معروفة على نطاق واسع جداً، ولا يوجد تفسير منطقي لبقاء الحال على ما هو عليه طوال تلك السنوات سوى شبكة علاقات ومصالح ونفوذ عالي المستوى، ومسؤولين يقدمون الحماية لهذه العصابات، والتي يقوا البعض عنها إنها آخر ما تبقى من عصابات الثمانينيات التي كانت تسيطر على الصحراء الأردنية.











































