درويش يوجه من عمان رسائل إلى قارئ مجهول

الرابط المختصر

تربطه بالقارئ المجهول علاقة قوية غريبة، ويقول في كلمته الموجهة للحضور المتجمهر في مسرح البلد، "كيف أتعلم كتابة الشعر في هذا الهزيع من العمر؟"، أنه الشاعر الكبير محمود درويش، والذي أضاء وسط البلد يوم الخميس الماضي.فالجمهور المنتظر دوره في توقيع نسخته من ديوانه الأخير "كزهر اللوز أو أبعد"، أنقسم إلى طوابير عديدة تدافعوا لأجل سرقة النظر على محمود وهو يمازح هذه المرأة أو ذاك الشاب حين يوقع له نسخته، فدرويش عاد إلى عمان مرة أخرى ليس إلى بيته الكائن في عبدون إنما إلى مسرح البلد للقاء محبيه وعشاقه من الأردنيين.



وقال درويش في مستهل كلمته "الشكر للأصدقاء والشعراء في هذا البلد العزيز الأمين، الذي نتمنى له الطمأنينة والخير والازدهار، أما التحية الخاصة فهي موجهة إلى القارئ المجهول، الذي تربطني به علاقة سرية، لا مجاملة فيها، ومعاهدة أدبية، لا وصية عليها غير الثقة المتبادلة، والمشاركة الطوعية، في حركة النص الشعري، في اتجاهين؛ من الذات الكاتبة إلى الذات القارئة، التي تمنح النص حياته الثانية حين تعود كتابته المجازية بطريقته الخاصة، حينما وجدت فيه صوتها صورتها".



القارئ ناقدي الأول

وتابع.."إذ لا حياة حقيقية في القصيدة حين يتحرك القارئ في اتجاهها ودون تحركها في اتجاه القارئ، فالذات الكاتبة، ليست ذاتية إلا في الظاهر، إنها طرف في عملية مركبة، يشكل المتلقي أو القارئ طرفا حيويا في تحققها، من هنا أجد في نفسي القدرة على البوح، لأنني بعيد إلى حد ما عن ساحة الشكوى العامة، من خطر القطيعة الذي يهدد العلاقة بين الشاعر والقارئ، فالقارئ أعني قارئ الشعر المتمرس الموهوب، فهو ليس كتلة جامدة بل حيوية متجددة ومتعددة هو الذي يشجعني على تطوير أدواتي وأساليبي بقبوله اقتراحاتي الشعرية المتغيرة، وهو القارئ المتمرس الموهوب بصفته ناقدي الأول من يساعدني على تطوير الأفق الإنساني لوطن قصيدتي فيحرضني على أن نثري معا إلى إيقاع الزمن وعلى عدم التحجر في طريقة تعبير نمطية، نهائية الدلالة إذ لا شكوى نهائيا للشعر فهو مفتوح على فضاء غير محدود (...) ".



"لا يملك احد منا تعريفا كاملا او ناضجا للشعر.. هذا الكلام الخارج عن العادي والمألوف، الباحث عن التعرف على نفسه فيما لا يعرف مما سبق. لكنه يدفعنا الى القول: هذا شعر او هذا كلام يشبه الشعر. فهو دائما جديد مفاجئ يأتي من اللامتوقع. واللامنتظر. لا يكتمل الا لينتقص.. ولا كمال له الا في وعي النقصان.. لذلك هو صعب وممكن.. لان الحياة على هذه الارض صعبة وممكنة، ولأن المجهول هو جار الحلم".



"لا علاقة بين قولي هذا وكتابي هذا، فبين ما نريد ان نكتب وبين ما نكتب فجوة لا نجتازها الا باعادة التجربة، وبين صورة الشاعر عن نفسه وصورته في مرآة الناس مسافات لا يختصرها الشاعر الا بتطوير ادوات النقد الذاتي، وبالتمرد الدائم على نتاجه، فإن تضخيم الذات بالنرجس ليس هو الدفاع السليم عن طبيعة الشعر المنفتحة على العالم".



"ان نكتب كأننا نكتب للمرة الاولى، وان ندرك ان اوراقنا البيضاء ليست بيضاء، بل ملأى بآلاف النصوص السابقة، وان في داخل كل شاعر خارجا مزدحما بالناس والاشياء، وان الذات الفردية فردية وجماعية في آن واحد، هي احدى المخاوف الضرورية لكتابة قصيدة جديدة".



"لن اتحدث عن كتابي، لأني لا اغبط الشعراء الذين يمتلكون الفصاحة الكاملة حين يتحدثون عن شعرهم، ويعانون كامل الركاكة حين يتحدثون عن غيرهم، ولانني لن اعرفه من فرط ما استقل عني. ولكنني سأسأل نفسي: كيف اتعلم كتابة الشعر في هذا الهزيع من العمر؟.





وسيوقع درويش ديوانه الأخير بعد عمان، في بيروت وذلك ضمن معرض بيروت الدولي للكتاب خلال الشهر الجاري، بعدما وقعه قبل أسابيع في كل من سوريا ورام الله.



وقرأ درويش بعد إلحاح الجمهور قصيدة "فكر بغيرك" وفيها وقف الحضور مصفقا له لأكثر من دقائق، ومنها قرأ : وأنت تعد فطورك، فكر بغيرك..لا تنس قوت الحمام

وأنت تخوض حروبك ، فكر بغيرك..لا تنس من يطلبون السلام

وأنت تسدد فاتورة الماء، فكر بغيرك..من يرضعون الغمام

وأنت تعود الى البيت، بيتك، فكر بغيرك..لا تنس شعب الخيام

وأنت تنام وتحصي الكواكب، فكر بغيرك..ثمة من لم يجد حيزا للمنام

وأنت تحرر نفسك بالاستعارات ، فكر بغيرك..من فقدوا حقهم في الكلام

وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكر بنفسك..قل: ليتني شمعة في الظلام


أضف تعليقك