خليفة:أُوّسع العدسة وأعمقها لأرى مجتمعي بواقعية

الرابط المختصر

"من بداية عهدي بالكتابة الملتزمة، أي منذ "الصبار" في السبعينيات، اتخذت قرارا بأن أكتب لأوضح لا لأفرح، لكن الإيضاح له ثمنه، والثمن الخروج عن المألوف والمرضي عنه، يعني بصريح العبارة قد أتنازل عن جمال اللغة وأناقتها، من أجل الحوار بكلام الناس،ولغة الشارع"، بهذه الكلمات بدأت الروائية الفلسطينية سحر خليفة حديثها عن تجربتها في الرواية، وذلك في حوار الشهر الذي أقامته جامعة البترا الخاصة.



وتابعت "وقد أتنازل عن صورة البطل الخارق، بتقديم صورة حقيقية لرجل مثقل، يصارع ويقاوم بتواضع، وتكون النتيجة محزنة مثل حزنه"، وهذا ما حاولته الكاتبة دائما، والتي ترجمت روايتها إلى 11 لغة، عكست أعمالها الصورة المغايرة للواقع الفلسطيني، الذي أتعبه الاحتلال، وأثقلته الجراح، ليس ضعفا، إنما كغيره من الشعوب يريد التقدم والتطور، والاحتلال بكافة تجلياته من احتلال إسرائيلي وسلطة فاسدة، وواقع مرير، أعاق مسيرة التقدم الطبيعية لهذا الشعب.



"وقد أتنازل عن صورة الشعب الجبار، الذي لا يتنازل أو يكسر، وأقول ما قال لنا الشعراء، أنا العربي وأنا النبي وأنا المسيح والناصر، وبدلا من ذاك، أقدم صورة حقيقية بلا هالة، لشعب تهزمه هزائمه، على كل صعيد؛ يهزمه الفقر، الجهل، ويهزمه النظام بأصعدته، وتهزمه الأم الأمية ذات الأحزان المنسية، والمضروبة بأقصى ما تملكه من ملكات، ثم تطالب أن تقف وتقول في الجنازة أبني شهيد ثم تزغرد"، صورة واقعية لا يراها الكثير من الفلسطينيين والعرب، أن يجب أن تسجل، وأن تذكر حتى، على اعتبارهم أن هذه الطروحات لا تخدم أبدا القضية الفلسطينية، وخصوصا عندما تترجم الأعمال الأدبية إلى اللغات الأجنبية، وفعلا حصل الاصطدام بين خليفة وبعض الحضور والطلبة؛ المصفق في أغلب الأحيان حين يشتد حنق المعلق بضرورة عدم تعميم فئة معينة من هذا الشعب على كافة الأدب الفلسطيني وخصوصا عند سحر خليفة.



أدب الأبطال، عدم التعرض لسلبيات القضية، والفلسطيني منزه عن الخطأ، هذا ما أرادت أن تبتعد عنه سحر خليفة، وانحازت للواقع بكافة تجلياته، مسجلة وقائع وأحداث يحياها الفلسطينيون: فقر، بطالة، عمالة، وتقول "هذا بصريح العبارة معنى الإيضاح، أما الثمن فهذا يقبح وهذا يزاود وثالث يتهم بالخيانة، ثم فجأة وبعون الله، يعون ما أقول من حقائق فأصبح معروفة بغمضة عين ولكن بثمن، والثمن نعت بما يوصف بطول اللسان، والحقد على الجنس الآخر والحزب الآخر، وزعيم ونظام وثقافة، وعدم القدرة على فهم العالم والتاريخ، بصورة بطولية كما يبتغون (...)".



وترى خليفة أنها على حق في كل ما تكتب، طالما أنها تعيش الواقع وتقوى أن تقول الحقيقة، "ولأني أثبت أني أقوى على قول الحق، ولأني جرأت على التكبير وتوسيع الزووم، فجعلت الناس أبطالي، بصورة طبيعية، بدون شعارات، يحكون عن الهم الأعمق؛ عن وجع القلب، عن فقر وذل وتمرد، عن هم العيش تحت احتلال مركب، بأصعدة فيها ما فوق، وفيها ما تحت، وفيها الداخل والخارج، وحدود الوطن وأبعاده، وعن قلب الأم؛ فالأم كانت بوصلة، والأم تقول، وكلام الأم دوما أصدق، فهو من القلب ومن الخبرة، ومن هدف يتجاوز كل شعار".



النقاد يجدون أن روايات خليفة، هي تسجيلا لواقع أو تاريخية، كشاهد أو رؤية تاريخية أو رصد، أما سحر فتقول، "أما أنا فمازلت أقول أنه تصوير للواقع، وتكبير له؛ توسيع العدسة وتعميق الزووم، يعني تعميق وفهم أكبر لحياة الناس وجو الناس ومجرى التاريخ، والحقيقة ما دفعني لهذا النوع من الكتابة هو الواقع والمنطق، فأنا كما تعلمون فلسطينية، عايشت الذل كما شعبي (...)، فالاحتلال له وجهين أو أكثر؛ ثورة وإذلال، عمالة وفداء، خسة ونذالة وتجسس، وكذلك تضحية قصوى، تصل الفداء بتفجير الذات، فقد عانينا الإذلال والتناقض بشكل لا يوصف، وكنت حين أقرأ الأشعار والقصائد، عن وضع الأهل في الداخل عن جو الناس وتجربتي، كنت أرى شيئا آخر، شيئا لا يمت بأي صلة، لم أراه بالواقع، لما اسمعه في بيوت الناس، وحديث الناس في الشارع".



وتروي خليفة عن تجربتها الروائية الأولى (الصبار)، " قرأت في إحدى الصحف المصرية، مقالا للكاتب المصري أحمد بهاء الدين، ذلك مطلع السبعينيات، يصف العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل بالعمالة، أحسست بقهر لا يوصف، لأن التهمة باطلة ظالمة، حتى الإجحاف، فهو لم يذكر شيئا عن الواقع إلا الظاهر، أما الباطن الأبعاد، وأوضاع الفلاحين والمنكوبين فهذا لم يذكره، وعندما أغلقت دول الخليج والعالم أبوابهما أمام هذا العامل، الذي يبحث عن وقت يومه، وهذا ما أردت قوله في ذلك الوقت، وحين قلته كان صدمة وهزة، ودار النقاش وكثر التقييم، وكانت الأقوال فيها الحقود وفيها الغاضب، وفيها المتفهم والفاهم، وحصيلة ذاك، أني تعلمت أن أقول ما لا يقال حتى أفهم وحتى نفهم، ونفهم من نحن ومن هم وحدود الناس وحركة تاريخ من سبقونا، ورصد الواقع من تحت وفوق".



في رواية (الصبار)، تشرح خليفة عن ماهية عمل العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل والخلفية، في (عباد الشمس) ركزت على مرحلة اصطدام الثورة بالواقع وانزياح غمامة رومنس الثورة عن الثوار والثوريين، وفي (مذكرات امرأة غير واقعية) كانت مواكبة لبداية الحركة النسوية، والوعي النسوي، ودور الثقافة والبيئة في إنشاء امرأة مهزوزة مهزومة، مليئة بالخوف والتردد، وشعور بالعجز والدونية، وفي (باب الساحة) ركزت على الانتفاضة الأولى وما فيها من عشوائية وسوء تخطيط، وفي (الميراث) رصدت ما جاءت به أوسلو تقول فيها "رصدت أوسلو حين سرنا كالغنم بلا راع، من غير هدف، وقصدت أن أحكي قصة شعب تهزمه هزائمه على كل صعيد، هزيمة القائد في الثورة، هزيمة الوالد في الأسرة، وهزيمة الأبناء في عالمهم بهذا الميراث"، وفي (صورة، وأيقونة، وعهد قديم) صورت سحر البحث عن حب ضائع بضياع القدس، و(ربيع حار) تروي عن قصة شاب من هذا الجيل سحبه الجزر حين ضاع الأمل بانحسار النور.



وترد خليفة على سؤال من أحد الحضور يلومها على كثرة اعتمادها على الشخصيات في رواياتها، "أعتبر أن الراوية تقوم أعمدتها الرئيسية والمقدسة هي الشخصيات، إذا قدرت أن أصور وأبلور شخصيات لها مصداقية، تعبر عن حارات بلدنا، عندها أكون أنا قد وصلت، وهذه سماتي وأسلوبي، يمكنكم أن تسموها رواية تسجيلية وثائقية، وثمة كتاب استخدموها؛ من فكتور هيغو وبلزاك ألكسندر ديماز وهمنغواي، وبالنهاية أن أستمع إلى جميع الأفكار وبالآخر أخذ قراري".



وتضيف خليفة أنها لا ترى الانتصار للقضية حين يتحدث الأدب عن البطولات والانتصارات، "لا أرى الانتصار أبدا في مجتمعنا حين نتحدث عن البطولات فقط، فيه خليط، الجاسوس، العملاء، والفاسدين، وعن حكومتنا التعيسة، لماذا نحرص على ازدواجية الخطاب".



سحر خليفة، حصلت على جائزة ألبترو مورابيا، أرفع جائزة أدبية في اليونان، وحول ترجمة رواياتها إلى 11 لغة عالمية، "أول ترجمة كانت لروايتي الصبار سنة 1981 من دار نشر فرنسية ومن ثم بدأت أعمالي تترجم (...)، أنا يعز علي أن لا يباع واحد من كتبي أكثر من خمسة آلاف نسخة، بينما يباع في الألماني مثلا أكثر من ثمانين ألف نسخة".

أضف تعليقك