ختامية النواب ..نهاية شهر العسل مع الحركة الإسلامية
ما حصل في الجلسة الختامية للدورة العادية الثانية في مجلس النواب بداية لمرحلة جديدة تختلف عن سابقتها في التعاطي مع القضايا السياسية والوطنية وتحديداً في التعامل مع ملف الحركة الإسلامية،
البعض يحمل قراءةً لتزامن أحداث المجلس مع رحيل محمد الذهبي مدير المخابرات السابق المعروف بطابعه السياسي والذي كان له وقعه على المعادلة السياسية الأردنية باعتراف الجميع.
أحداث جلسة "الأربعاء" أخذت مساحة كبيرة بين الأوساط السياسية والإعلامية والنيابية، حيث توالت البيانات والتصريحات المدينة للبيان الذي أصدرته اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع والموقع من رئيسها النائب حمزة منصور، رئيس كتلة العمل الإسلامي في مجلس النواب.
"شهر العسل" كما أطلق عليه بعض كتاب المقالات على العلاقة بين الجهات الرسمية والحركة الإسلامية في الفترة الأخيرة انتهى بسرعة برحيل مدير المخابرات العامة السابق محمد الذهبي. وما أسماه البعض انقلاباً على الحركة الإسلامية جاء نتيجة استياء بعض مسننات السلطة "من عودة الإخوان إلى الواجهة"، بحسب مراقبين.
الكاتبة رنا الصباغ ذكرت في إحدى مقالاتها بأن في خلفية المشهد الداخلي لمملكة ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل منذ 1994 ، "ثمة قلق رسمي من محاولات بدأتها قوى المعارضة بقيادة الإسلاميين لاستثمار مرحلة ما بعد غزة" بالتزامن مع وصول الرئيس الديموقراطي باراك أوباما إلى البيت الأبيض من اجل الدفع باتجاه المشاركة في صناعة القرار السياسي.
وتساءل نواب في كواليس مجلسهم عن مدى الصدفة في هجوم النائب عبد الرؤوف الروابدة في الجلسة الأخيرة على اللجنة التنفيذية لحماية الوطن وعلى رأسهم نواب العمل الإسلامي.
وزاد التساؤل عن تثاءب الصدفة تحديداً عندما قال الروابدة لحمزة منصور "اللي فاتلك، ما راح يفوتلك بعد اليوم..مواقفك ضد البلد". ورغم خطورة الاتهامات التي وجهها الروابدة، إلا أن بعض النواب أشاروا إلى أن المقصود من كلمات الروابدة هو رحيل الذهبي، ما يعني رحيل الموقف "المتعاطف" مع الحركة الإسلامية.
عضو كتلة العمل الإسلامي النائب سليمان السعد قال في حديث لعمان نت بأن الحركة الإسلامية لطالما واجهت الاتهامات الخطيرة "هذه ليست المرة الأولى التي تخون فيها الحركة الإسلامية وليست المرة الأولى التي يقال فيها أن الحركة الإسلامية لها أجندات خارجية".
وأضاف السعد بأن لتغيير مدير المخابرات السابق دور مهم في "الانقلاب" على الحركة الإسلامية متهماً كتلة التيار الوطني النيابية بالتبعية "كنت اعتقد أن رحيل مدير المخابرات السابق مسألة طبيعية وجاء لتغييرات حكومية قادمة، ولكن تبين بأن تغيير مدير المخابرات جاء لتغيير النهج السياسي".
بعض الأقطاب النيابية مازالت ساكنة إزاء ما حدث في الجلسة الأخيرة دون الإعلان عن موقفها السياسي.
فكتلة الإخاء الوطني التزمت الحياد تجاه الحدث، واكتفت بقولها أن الجلسة الختامية تعبر عن حالة صحية لمجلس النواب.
جاءت تصريحات الإخاء الوطني بعد اجتماعها مساء السبت لتحدد موقفها السياسي في بيان يصدر صباح الأحد، ولكن كما علمت عمان نت بأن بعض الخلافات دبت بين أعضاء الكتلة واكتفوا بالتزام الصمت.
كتلة التيار الوطني (55 نائباً) برئاسة عبد الهادي المجالي سارعت بدورها إلى إصدار بيان إدانة لبيان "اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع" الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي.
وكان متوقعاً إصدار هذا البيان من قبل كتلة التيار الوطني التي ما انفكت عن التصفيق إبان كلمة الروابدة؛ وحمل بيان التيار الوطني ذات اللهجة لكلمة الروابدة فجاء في بعض منه "اللجنة التنفيذية العليا تجرأت على الوطن، وتمارس منهجية التشكيك في مواقفه الاصيلة التي لا تحتمل التشكيك والتدليس والتطاول المغرض".
كما دانت كتلة التيار ما وصفته بالإشارات غير البريئة التي أطلقتها "اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن" في بيانها "ومحاولتها التفريق بين مكونات الدولة والوطن"، بحسب بيان التيار.
ودعت الكتلة في بيان اصدرته يوم الخميس الفائت الشعب الأردني بسائر أطيافه الى إدانة المدعين الباحثين عن النجومية على حساب الأردن وفلسطين والقضية العادلة.
ومهما قيل عن المصالحة التي تمت بين نواب حزب العمل الإسلامي والنائب محمد الزريقات (التيار الوطني) الذي قذف بعلبة المياه باتجاه النائب حمزة منصور في تلك الجلسة، فإن المصالحة هذه المرة هي المرحلية وسرعان ما تطفو الخلافات ويبدأ الهجوم "كلما دق الكوز بالجرة"، برأي أحد النواب.
العديد من وسائل الإعلام لم تأت على ذكر التصريح الصحفي الذي أصدرته "اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن" مساء السبت والذي يرفض الاتهامات الموجهة إلى اللجنة كما رفضها رئيسها النائب حمزة منصور في الجلسة المذكورة.
وما حملته وسائل إعلام "معينة" من جديد إبان أحداث الأربعاء هو تتبع أخبار النائب الروابدة في جميع الأطر، ولكن هذه المرة باعتباره "رئيس الوزراء السابق" وليس النائب. وهذا بمثابة مؤشرات على استعادة الروابدة لجزء من دوره على الساحة السياسية كما يرى أحد المحللين السياسيين، الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه.
وهذا ما أشار إليه الكاتب والمحلل السياسي جميل النمري في حديث لعمان نت قائلاً بان التوقيت يرتبط بأمرين أولهما جانب متعلق بشخص الروابدة "وثانيهما جانب سياسي عام، الروابدة قرر التصدي للجنة التنفيذية العليا ممثلاً للنظام أكان بمبادرة فردية منه أم بتنسيق".
عموماً، أعلن كتاب المقالات انتقاداتهم لبيان اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
فالكاتب جميل النمري بدا واضحاً في ادانته للبيان عند كتابته مقالته الثانية حول الموضوع دون التطرق لأحداث الجلسة ودلالاتها "لا أتبنى اللغة التي وردت في خطاب الروابدة لكنها ما يستحقه بيان لجنة مقاومة التطبيع الذي بالغ في المزاودة باسم الشعب والجيش حتى يقول إنهما جاهزان وينتظران الاشارة لتلقين العدو ومن خلفه أقسى الدروس. وبالغ في العويل على التخاذل والتفريط الرسمي الذي لا يطلق هذه الاشارة مع أن الشعب جاهز والجيش جاهز!. هذا كلام مجّاني..وحماس نفسها منذ أن أصبحت في الحكم في غزّة لا تريد سوى الهدنة وفكّ الحصار".
الكاتبة رنا صباغ ربما كانت أكثر وضوحاً في الجانب السياسي ودلالاته رغم إدانتها غير المباشرة لحركة الإخوان المسلمين فتقول في مقالتها الأخيرة:
"لم تكد تمر سبعة أشهر على استئناف علاقة إيجابية بين الحكومة في الأردن وبين التيار الإسلامي المتحالف مع حماس، حتى شرعت السلطات في مراجعة الامتيازات التي منحتها للإسلاميين الذين تمددوا مرة أخرى على صهوة مشاعر الجماهير المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة".
القلق الرسمي من الحركة الإسلامية يتجلّى في رسائل عدة منها إعلان نائب المراقب العام للإخوان المسلمين رحيل غرايبة قبل أيام عن انخراطه في "جبهة وطنية" جديدة قوامها 100 شخصية تعمل من اجل تحقيق "ملكية دستورية" في الأردن، بحسب الصباغ التي أضافت: "محور هذه المبادرة يرتكز إلى المطالبة بانتخاب رئيس الوزراء أو اختياره نيابياً بخلاف الدستور المعمول به منذ 1952، والذي يعطي الملك صلاحية تكليف وإقالة رئيس الحكومة. فإن لهذا التحرك في هذا "التوقيت"، دلالات أثارت انتباه الجهات الرسمية، بحسب مسؤولين".
أما رحيل غرايبة، الناطق الإعلامي لحزب جبهة العمل الإسلامي، فدعا لحل مجلس النواب متهماً بالتحضير لمؤامرة الوطن البديل.
وفي تعقيب له على تهجم نواب على رئيس كتلة الحزب النيابية النائب حمزة منصور لفت غرايبة إلى أن "الذين يعملون على إثارة النعرات وبث أسباب التفرقة والتحريض على فئات اجتماعية يخدمون مؤامرة الوطن البديل"، كما أنهم "يهيئون الأجواء لإثارة القلاقل الداخلية".
الأهم في مقالة الصباغ ـ وهو ما كان أشار إليه الروابدة في حديثه للنائب حمزة منصور ـ يقول بأن التقارب "التكتيكي الذي هندسه مدير عام دائرة المخابرات العامة السابق الفريق محمد الذهبي، الذي استقال في 29/12/2008، أظهر شعبية جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية، جبهة العمل الإسلامي، مدعومة بقاعدة شعبية واسعة من الأردنيين غالبيتهم من أصول فلسطينية (نصف عدد السكان) لتعزيز أجندة التنظيم والتأثير في صناعة القرار".
وكذلك كانت مقالة الكاتب والمحلل السياسي فهد الخيطان الذي أدان اللغة الساخطة لبيان اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن بلغة ساخطة قائلاً "لم يكن بيان لجنة مقاومة التطبيع موفقا في لغته الساخطة ولا في توقيته فبعد ان توقف العدوان واجتاز الشارع الاردني امتحان التضامن بنجاح وبدأت مفاوضات التهدئة غير المباشرة بين حماس واسرائيل في مصر كان على اللجنة ورئيسها المحترم ان يتراجعا عن اصدار البيان، ولان الحفاظ على ما تحقق من تلاحم رسمي وشعبي ابان العدوان على غزة يعد مكسبا وطنيا لا يجب التفريط به, فان طرح القضية بهذه الطريقة تحت القبة ليس مفيداً".
واتهم النائب السعد الحكومة بالإيعاز لما أسماهم كتاب "التدخل السريع" مضيفاً الصفة ذاتها على بعض النواب لشن هجوم على الحركة الإسلامية "النواب والكتاب الذين هاجموا الحركة الإسلامية هم أنفسهم الذين كتبوا لصالح الحركة الإسلامية في الفترة الأخيرة لدرجة دعمهم لحماس".
في جميع الأحوال، الكل يترقب في هذه الأثناء القادم بحذر شديد؛ فالجبهات الداخلية تنتظر الوجهة الأردنية والتي بدورها تترقب ملامح الوجهة الخارجية القادمة على كافة المستويات.











































