حمايات اجتماعية مجتزأة تدفع أطفال نحو سوق العمل

الرابط المختصر

ندى 15 عام تقطن وأسرتها منطقة الحدادة في العاصمة عمان، تركت المدرسة هي وشقيقها محمد (14) عام بعد وفاة والدهم منذ 3  سنوات .

تقول أعمل بمحل كل شيء بدينار "محل بيع نثريات" راتبي (120) دينار ( 169دولارًا)  من الساعة 9 صباحًا للساعة 6 مساءً ومحمد يعمل بمحل بيع قهوة غلي- قهوة سائلة-  راتبة (150) دينار ( 211  دولارًا) من الساعة 7 صباحًا للساعة 6 مساءً بيتنا إيجار (150) دينار مع فواتير ماء وكهرباء.

والدتي ربة منزل تحاول مساعدتنا في تأمين مستلزمات الأسرة بخياطة "مساكات مطبخ" وإرسالها مع شقيقاتي الصغيرات لسوبرماركت في جبل الحسين مقابل مبالغ زهيدة لا تتجاوز (30) دينار شهريًا (42 دولارًا) على الرغم من أنها مريضة ديسك وأعصاب.

إخوتي الصغّار سلمى 13عام وعلا 12 عام وفيروز9 أعوام وإبراهيم 5 سنوات يذهبون للمدرسة على الرغم من الظروف الصعبة التي تعانيها الأسرة، أتمنى أن يكملوا تعليمهم وأن لا يقفدهم الفقر حقهم في التعليم حتى لا يعيشوا ما نعانيه أنا ومحمد بعد خروجنا من المدرسة وانخراطنا بسوق العمل.

ندى رسمت مشهد تكرر لدى كثير من العائلات الأردنية كنتيجة لغياب الحمايات الاجتماعية خصوصًا بعد الجائحة، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة لمستويات قياسية وازدياد نسب التسرب المدرسي ودفع المزيد من الأطفال نحو سوق العمل غير المنظم لمساعدة أسرهم في تأمين الاحتياجات الأساسية نظرًا لغياب حمايات اجتماعية حقيقية في البلاد بحسب بيان صادر عن المرصد العمالي الأردني.

 

123

 

 

الأردنيون..عمّال فقراء؟

خبير الحمايات الاجتماعية حمادة أبو نجمة يرى أن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة له تأثير كبير على ارتفاع نسب التسرب من المدارس وبالتالي الزّج بالمزيد من الأطفال لسوق العمل.

ويؤكد أن الأردنيون فقدوا  190 ألف وظيفة خلال العام 2020 مما يؤشر لضرورة الإسراع بحماية الأسر من الانحدار نحو الفقر والفقر المدقع بخلق فرص عمل لتمكينها من رعاية أطفالها وضمان استمرارية بقائهم على المقاعد الدراسة .

وفيما يتعلق بتوفير الحمايات الاجتماعية وتعزيز البرامج التنموية دعا أبو نجمة لتوجيه السياسات التنموية نحو من هم دون 30 عامًا لكونها الشريحة الأكبر في المجتمع واعتبارهم أولوية وطنية حرصًا على الأمن الاقتصادي للأسر خصوصًا إذا ما علمنا أن نسبة الأطفال العاملين تقدر بنحو 100 ألف طفل، متوقعًا أن نسبة الفقر لا تقل عن 27% نظرًا لحجم البطالة في الشارع والتي تقدر بـ 25% ما يحتم على الحكومة الإسراع بتوفير حمايات اجتماعية للتخفيف من حدة الضغوطات التي تعانيها الفئات الهشة والأكثر انغماسًا في الفقر ومنعًا لدخول شرائح جديدة لما دون خط الفقر.

يطالب أبو نجمة الحكومة بالإعلان عن الأرقام الحقيقية للفقر وما هو الخط الذي قاست عليه عند إجراء مسحها الأخير 2016 – قبل الجائحة- والذي يظهر أن الفئة الغالبة من الأردنيين دون خط الفقر حيث أن معدل عدد أفراد الأسرة في الأردن 4.8 ومتوسط دخل الأسر 500 دينار (704 دولارًا) ما يظهر أن القوى العاملة دون خط الفقر بمعنى "عمال فقراء" مؤكدًا على الحاجة لتنفيذ مسح جديد للفقر وإنشاء قاعدة بيانات جديدة حول عمل الأطفال ترتبط بأرقام الفقر والبطالة.



 

خط الفقر !

بحسب دراسة لمشروع التحويلات النقدية الطارئة الذي أطلقه البنك الدولي للاستجابة لفيروس كورونا 2020، فإنّ خط الفقر في الأردن يبلغ 68 ديناراً (95 دولاراً) للفرد شهرياً، وأنّ مليون أردني يعيشون تحت خط الفقر.

 وأضافت الدراسة أن معدلات الفقر المدقع في الأردن مرتفعة نسبياً، وتبلغ 15.7 في المائة بين المسجلين تحت خط الفقر، وأن 10 في المائة من الأردنيين إجمالاً ينتمون إلى العشرة الأفقر، ونحو 300 ألف أردني يعيشون فوق خط الفقر لكنهم بالقرب منه.

 

ظروف قاهرة !

"بنتي أسماء 16 عام زوجناها في كورونا ، اخوتها أحمد 15 عام ومهند 13 عام وكريم 11عام، نزلوا ع السوق يشتغلوا"، -لأنهم ما رجعوا للمدارس بعد الحظر- أحمد بالكراجات ومهند وكريم بالتحميل والتنزيل بسوبرماركت قريب من بيتنا حتى يساعدوا أبوهم بمصروف البيت رغم قلة المردود المالي للثلاث أطفال 150 دينار شهريًا ( 211 دولارًا).

زوجي كان يشتغل بكراج سيارات بالمنطقة الصناعية بصويلح، فّقد عملة بوقت كورونا "تراكمت الديون علينا؛ أجرة بيت أكل وشرب فواتير ماء وكهرباء وعلاج لأنه ما عنا تأمين صحي( 2700) دينار" ( 3808دولارًا).

ظروفنا تغيرت زادت  الضغوطات وفقدنا مصدر دخلنا مع إعلان الحظر والإغلاق خصوصًا إنه زوجي غير مشمول بالضمان الاجتماعي وكان يتنقل من كراج لكراج بالمنطقة الصناعية قبل الجائحة والآن بيشتغل بـ 250 دينار (352 دولارًا)، أم أحمد تروي قصة أسرتها كجزء من عشرات القصص  لشريحة واسعة من العّمال الأردنيين وأسرهم، بعد الجائحة التي رسمت خطط حياة الآلاف منهم لعقد قادم من الزمان وربما أكثر.

 

 

124

الحماية الاجتماعية حق للجميع !

جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان أكدت أن أوضاع العاملين وحقوقهم تفاقمت بشكل جذري بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد خلال الجائحة أذار 2020، وما تبعه من تعطيل العمل في كافة المؤسسات العامة والخاصة، كليًا أو جزئيًا.

 وقالت أن الجائحة حرمت العاملين من ممارسة حقهم في العمل، واستحقاقهم لأجورهم، وكذلك العيش بكرامة، لظروف طارئة غير متوقعة، وبالتحديد تلك الفئة التي تتلقى مقابل مالي أقل من الحد الأدنى للأجور، أو التي تعمل بمقابل المياومة، حيث استمرت هذه التداعيات حتى العام 2022 ولا يزال أثرها على العاملين، بحسب ورقة صادرة عن تمكين بمناسبة اليوم العالمي للعمال. تمكين دعت لـزيادة الجولات التفتيشية في أماكن العمل للحد من الانتهاكات التي يتعرض لها العمال، واعتماد سياسات تسرّع تجاوز أزمة فيروس كورونا ومعالجة آثارها، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتوفير الحماية الاجتماعية لمختلف الفئات، مع استمرار شكاوي العمال والتي تتلخص بـ  تأخير الأجور أو حجزها بشكل كلي أو جزئي، والحرمان من بدل العمل الإضافي، والفصل التعسفي، والحرمان من الإجازات والعطل الرسمية، وطول ساعات العمل، وحجز الوثائق الرسمية.

 

من جانبه يطالب المرصد العمالي بإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية بحيث تمنع دخول المزيد من الأسر في دائرة الفقر، وتحسين منظومة التعليم، نظرًا لاتساع عمل الأطفال بأعمال شاقة وخطرة، واستغلالهم بأجور متدنية جداً، آملًا معالجة عمالة الأطفال كواحدة من أهم الانتهاكات في سوق العمل، ومحاسبة المشغلين وتوفير الرعاية المطلوبة لهم، تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة 2030، والتي نصت على اتخاذ تدابير فورية لضمان حظر واستئصال أسوأ أشكال عمل الأطفال وإنهاء هذه المشكلة بحلول عام 2025 وتعزيز الحمايات الاجتماعية والتوسع بها لتخفيف حدة الصعوبات التي تعانيها الفئات الهشة والأكثر ضعفًا.

 

 

 

قانون العمل ...

وزارة العمل على لسان المهندسة هيفاء درويش رئيس قسم عمل الأطفال أكدت أن الوزارة تعنى بتنفيذ قانون العمل من خلال الجولات التفتيشية، وتنفيذ أربع حملات متخصصة موجهة لكافة المحافظات والقطاعات وخاصة القطاعات الأكثر تشغيلا للأطفال وهي إصلاح المركبات ومحلات بيع القهوة السائلة من خلال الزيارات اليومية لمفتشي العمل والتي يتبعها اتخاذ الإجراءات القانونية ومخالفة أصحاب العمل مشغلي الأطفال بقيم تتراوح ما بين 300-500 دينار وفي حال تكرارها تتم مضاعفتها.





 

وأوضحت درويش أن التعامل مع مخافات العمل المرتبطة بـ عمالة الطفل تتم وفقًا لقانون العمل باعتبارها مخالفة عمالية وأن الجانب المرتبط بحقوق الطفل والانتهاكات الواقعة عليه تتابع من قبل وزارة التنمية الاجتماعية.

ولفتت إلى أنه وفي حال وجود مخالفات ترتبط بحالات إنسانية يتم نقلها لوزارة التنمية أو مركز الدعم الاجتماعي "جهد"، حيث يتم دراسة حالة الطفل والعناية به ضمن برامج إدارية محددة، فيما يقتصر دور المفتشين على اكتشاف الحالات المخالفة والتعامل معها ضمن المحددات القانونية.

رئيس قسم عمالة الطفل بوزارة التنمية الاجتماعية أشرف خطاطبة أفادت بأنه تم استحداث قسم مكافحة عمل الأطفال في الوزارة عام 2016 بشكل مختص للعمل مع الأطفال العاملين وأسرهم. 

ويضيف أنه تم الانتهاء من إعداد مسودة نظام حماية الحدث العامل خلافاً للتشريعات النافذة في نهاية العام 2021 وذلك تماشياً مع قانون الأحداث النافذ رقم (32) لعام 2014 وتحديداً المادة (33) المتعلقة بالأطفال المحتاجين للحماية والرعاية وكافة الجهات المعنية والشريكة وأدوارها المتعددة بانتظار استكمال المناقشات تمهيدا للسير بالإجراءات القانونية للنظام لإقراره.                 

ضرورة مُلحة!

المحامية المختصة بحقوق الإنسان سهاد السكري أكدت ضعف منظومة الحماية الاجتماعية في المملكة للفئات الأكثر هشاشة تحديدًا الاطفال المهمشين و المعرضين للاستغلال، والحاجة لتوفير حمايات اجتماعية حقيقية وبشكل عاجل وسريع نظرًا لارتفاع معدلات الفقر والبطالة وعمالة الأطفال في المجتمع بعد الجائحة.

ولفتت إلى أن توفير الحمايات الاجتماعية الملائمة يبني اقتصادات سليمة ومجتمعات صحية وتساعد على تخفيف الأعباء عن الدولة،عبر مساعدة الفرد في الحصول على تأمين البطالة والتعويض عن إصابات العمل والإعانات المرضية والتأمين الصحي وبرامج الأمومة والطفولة وتأمين الشيخوخة والإعاقة للتخفيف من مشاكل الفقر والبطالة التي يمكن أن يتعرض لها الفرد وتساعده على والتصدّي لها. 

وتطالب السكري الحكومة بالإسراع في تأمين  أدوات حياتيّة أساسيّة ومستدامة تمكّن من الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، وتحمي الحق في السكن والغذاء، وتقي الناس من الفقر المدقع. وتبرز أدلة كثيرة على أن عدم احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يمكن أن يساهم في تفشّي العنف والنزاعات، ومن خلال حماية هذه الحقوق الأساسية، تساهم الحماية الاجتماعية في استعادة الرأي العام ثقته في المؤسسات وتضمن السلام الاجتماعي.

الفقر في الأردن! 

منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) قالت إن هنالك 3.16 مليون طفل في الأردن - واحد من بين كل خمسة منهم يعانون من حالة فقر متعددة الأبعاد. 

تختلف معدلات الفقر من محافظة إلى أخرى، من 11 ٪ في عمان إلى 27 ٪ في معان. وتميل معدلات الفقر وفجوة الفقر إلى الارتفاع في المناطق الريفية، بينما من حيث معدلات الفقر المطلقة، يعيش معظم الأردنيون الفقراء في المحافظات ذات الكثافة السكانية المرتفعة في عمان، واربد،  والزرقاء في وسط وشمال البلاد.

وبحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة للعام 2017 تقدر نسبة الفقر بنحو 7.15 %، في حين قدرت دراسة لليونيسف الصادرة عام 2017 نسبة الفقر متعدد الأبعاد بين الأطفال بنحو 20%.

التنمية الاجتماعية تتحدث!

فيما يتعلق بالحمايات الاجتماعية أكد  خطاطبة  تشكيل فريق الحماية الاجتماعية الوطني برئاسة وزير التنمية الاجتماعية وعضوية الجهات المعنية وممثلين عن القطاع الخاص، وتقديم مساعدات مالية من خلال برنامج تكافل (3،2) لعمال المياومة المتضررين بسبب الجائحة وهم الذين يشغلون قطاعات الخدمات غير الرسمية والإنشاءات والصناعات التحويلية التي تأثر نشاطها الاقتصادي بشدة من جراء الإغلاقات والقيود التي فرضت لكبح انتشار الفيروس.

وكجزء من منظومة الحمايات يؤكد الخطاطبة أنه تم العمل على تأجيل الدفعات المالية المترتبة على المقترضين من برنامج الأسر المنتجة ما يقدر (18.000) أسرة، وتوزيع المساعدات والطرود على الأسر المحتاجة، التجديد التلقائي لبطاقات التأمين الصحي والإعفاءات الصحية وخاصة المتعلقة بمرضى الفشل الكلوي للاستفادة من الرعاية والخدمات الصحية للأسر الفقيرة والمحتاجة.  

وفيما يتعلق بالأطفال العاملين وفرت الوزارة لهم (18) مركز من مراكز تنمية المجتمع المحلي واستحداث 4 أيضا في كافة مناطق المملكة لتقديم مختلف الخدمات لهم بعد تحويلهم من مكاتب الخدمة الاجتماعية في إدارة حماية الأسرة والأحداث، إضافًة لنظام الإبلاغ عن حالات عمل الأطفال حسب ما تضمنه الإطار الوطني للحد من حالات الأطفال العاملين والمتسولين 2020 ودليل إجراءات التعامل مع الأطفال العاملين والمتسولين 2020. 

بانتظار ما ستحمله الأيام القادمة من تغييرات مرتقبة على سوق العمل الأردني من خلال تعديلات الضمان الاجتماعي وإلغاء وزارة العمل تبقى الحمايات الاجتماعية قاصرة عن كفاية حاجات الفئات الفقيرة والزاحفة نحو الفقر مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتي وصلت لأرقام قياسية.