حل مشكلة القراصنة

الرابط المختصر

أصبحت قضية ما تسمى مشكلة القراصنة مسألة مؤرقة للضمير العالمي، وأصبحت الصيحات تتعالى من كل حدبٍ وصوب، سواء من قبل روسيا في الشرق، أو أمريكا ودول أوروبا في الغرب، ثم بعد ذلك وصل الأمر للدول العربية التي أصبحت تشعر بخطر هذه الظاهرة، مما جعل بعض الدول تصرح بصوت عالٍ أنها مستعدة للانخراط في معالجة هذه القضية مهما كلف الثمن! الحقيقة المبهرة للأبصار، أنّ كل ظاهرة مقلقة ومخالفة للنظام العام لا بد لها من أسباب وعوامل فعلية وواقعية أدت إلى ظهورها واستفحالها وأنّ هناك بيئة محيطة موجودة سهلت إنباتها، وتمدها بعناصر النموّ والقوة، لا بد من دراستها والوقوف عليها بعلمية وموضوعية حتى لا تكون الجهود المبذولة صرخة في وادٍ ونفخة في رماد، أو ينطبق عليها وصف من ذهب لمحاربة البعوض ولم يأبه بالمستنقع، وعلى ما يبدو أنّ الأمور من خلال القراءة الأولية تتجه نحو الفزعة التي تفتقر إلى صحة البداية وسلامة المنطلق وصوابية المنهج الذي يقتصر على بذل الأموال واستعمال القوة والاستعانة بالخبرة الأجنبية التي كان لها أقوى الأثر في إيجاد البيئة الملائمة لولادة هذه الظاهرة المقلقة.




لقد صدر عن الهيئات الإنسانية الدولية والجهات المعنية بالعمل الإغاثي
مجموعة من التقارير المذهلة التي تحتوي على معلومات وحقائق منظورة يندى
لها جبين الإنسانية من تدمير منظم وممنهج للحياة الإنسانية في الصومال
وعاصمتها مقديشو، وهناك عمليات تهجير وقتل بالجملة بعيداً عن أعين الإعلام
وأعين الرقابة، هناك مذابح ومجازر ترتكبها دول كبرى ودول تدور في فلكها في
هذا القطر المنكوب منذ أكثر من عقدين من الزمن، كما يعرف الجميع وتعرف
الدول العربية النفطية وغير النفطية أن هذه الدولة تتعرض لاحتلال من قبل
دولة أخرى، وأن جيشها اجتاحها أمام أعين العالم وبصره، مع أنها دولة عربية
عضو في جامعة الدول العربية، وعضو في الاتحاد الإفريقي وعضو في هيئة الأمم
المتحدة وما يتفرع عنها من مؤسسات وهيئات، ولكن الدول العربية بقيت صامتة
لا تحرك ساكناً، ولو بالقول أو التصريح أو الموقف السياسي غير المكلف،
فإذا كان احتلال دولة عربية واجتياحها وتنظيم حرب إبادة للمدنيين فيها، لا
يشكل حدثاً يرقى إلى اجتماع جامعة الدول العربية، ولا حتى اجتماع للدول
المجاورة أو المشتركة معها في البحر الأحمر، وبقيت طوال هذا الوقت وهي في
موقع المتفرج، فهذا هو جوهر الأزمة ولب القضية الذي نتغافل عنه جميعاً.



إنّ ظاهرة القرصنة التي امتدّ أثرها لأنْ تكون قادرة على إسماع صوت
الصومال للنيام حولها، فتكون ظاهرة مفيدة بهذا القدر الذي ينبئ العالم أنّ
هناك مشكلة أكبر وأعظم من الاستيلاء على سفينة أو اعتراض ناقلة نفط أو
بارجة أسلحة جاءت لتزيد عدد القتلى من خلال توزيع الأسلحة على الفرقاء
المتنازعين، وتسليح الأطفال من أجل بقاء هذا الأتون مشتعلاً لمصلحة
المافيات وعصابات التجارة بالأسلحة والبشر والمخدرات والأفيون والقتل
والدمار.



إنّ هذه القطر العربي الإسلامي المنكوب، يحتاج إلى اجتماع عاجل وطارئ من
أجل التدخل في وقف الحرب، وإعادة الاستقرار، وإطلاق حملات الإغاثة، ولا بد
من بذل الجهود والأموال في إعادة بناء هذه الدولة وتأهيل شعبها لأن يقرر
مصيره بنفسه، ويكون قادراً على إعالة نفسه واستغلال ثرواته وهي كثيرة،
وسوف يكون مجالاً واسعاً لشركات عربية وإسلامية للاستثمار وتحقيق الأرباح
والنموّ.



أما أن يكون الاجتماع للتنسيق الأمني وتجهيز القوة المسلحة القادرة على
الملاحقة والحصار، فسوف يزيد المشكلة استفحالاً، وسوف يؤدي إلى ولادة
ظواهر أخرى أكثر قلقاً وأكثر خوفاً.