حلم الأغوار بإذاعة مجتمعية... يتبدد
بعد أكثر من سنتين ونصف من العمل المتواصل وهدر الوقت والمال لإنشاء إذاعة مجتمعية بإمكانيات بسيطة في لواء الشونة الجنوبية تعنى بقضايا الزراعة والمرأة في الأغوار الوسطى جاء قرار مجلس الوزراء برفض منح رخصة بث لهذه الإذاعة التي طالما انتظرها سكان الأغوار لتكون منبرا لهم لتنمية مجتمعهم الفقير.
بدأت القصة كما يقول داود كتاب مدير عام راديو البلد و هو من تقدم بطلب الترخيص "الفكرة بدأت في مؤتمر أمارك العالمي الذي عقد عام 2006 في عمان لبحث قضايا الإعلام المجتمعي و قد حضر المؤتمر ممثلون عن 93 دولة الى جانب عدد من الشخصيات الرسمية والإعلامية الأردنية على رأسهم الناطق باسم الحكومة انذاك و وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال و الناطق باسم الحكومة الحالي ناصر جودة . و تم الإعلان عن مبادرة إنشاء إذاعة مجتمعية في منطقة ما في الأردن فطلب الحاضرون ان تكون في الأغوار لشدة حاجة المنطقة لذلك وقد تم تقديم طلب الترخيص ودفعنا الرسوم وكل الأوراق والهيئة أعطت الموافقة على اعتبار ان الوثائق كاملة و قانونية و بعد كل هذا للأسف رفض الطلب".
هذا القرار أثار استغراب المجتمع المحلي في منطقة الأغوار حيث طالب عدد من المواطنين الحكومة بإعادة النظر في القرار لأنه يشكل ضربة لمساعي التنمية في مجتمعهم الذي يعاني من التهميش وعدم الاهتمام بتنميته مما يجعله مجتمعا فقيرا.
أسماء رجا وهي من الناشطات في لواء الشونة الجنوبية و انضمت الى مشروع الإذاعة منذ ان سمعت عن فكرته و قد تدربت على العمل الصحفي والإذاعي وبذلت الكثير من الجهد والوقت لتأهيل نفسها للعمل في إذاعة الأغوار للمساهمة في تنمية مجتمعها تقول"انه قرار ظالم لنا ولمجتمعنا لان مجتمع الأغوار بحاجة الى هذه الإذاعة كونه مجتمع كبير و يطلق عليه سلة الأردن فنحن بحاجة الى منبر إعلامي يتحدث عن قضايا التنمية والبطالة والمرأة. و بالتالي على الحكومة ان تعيد النظر بالقرار لأنها هدمت آمال الكثير من المواطنين البسطاء الذين طالما يسألون عن موعد افتتاح الإذاعة و الآن لا اعرف ماذا سأقول لهم.ربما عند علمهم برفض الرخصة سيشعرون أنهم مهمشون وان الحكومة لا تتحسس احتياجاتهم".
منيرة الشطي التي تشجعت لفكرة العمل بالإذاعة وبذلت جهدا في إقناع أسرتها بأهمية دورها في الإذاعة لتنمية مجتمعها تقول" في العاصمة 27 إذاعة محلية و نحن نفتقر لأي وسيلة إعلام أردنية تخاطبنا و هذا ما يدفع أبناء الأغوار للاتجاه لإذاعات محلية فلسطينية تغطي مناطق الأغوار. و كنا نعتقد ان الحكومة ستساعدنا في إقامة الإذاعة و لكن القرار كان صادما لنا جميعا.حتى أسرتي شعرت بخيبة الأمل و جهودنا جميعا يبدو أنها ستذهب أدراج الرياح رغم توقعاتنا بمستقبل أفضل لمجتمعنا بعد أنشاء الإذاعة".
و بينت رجا و الشطي أنهن لن يستسلمن لهذا القرار حيث عزمن على تطوير برنامج إذاعي يسمى صوت الأغوار يعنى بشؤون أهالي الأغوار يبث على راديو البلد وسيقمن بإرسال حلقاته الى إذاعة القمر التي تبث من أريحا لتمكين المواطنين من سماع أصواتهم وقضاياهم.
من جهته قال النائب عن منطقة الأغوار خالد البكار رئيس لجنة التوجيه الوطني النيابية "علينا التفريق بين ما يجيزه القانون لمجلس الوزراء من اتخاذ القرارات و تحفظنا على هذه القرارات و نحن في البداية مع حرية الإعلام و لا احد يستطيع ان يضرب بعرض الحائط التوجيهات الملكية الداعية لحرية الإعلام لا الحكومة ولا البرلمان".
و وصف البكار القرار قائلا"رفض ترخيص إذاعة تعنى بالزراعة والنساء فيه ضبابية وعدم و وضوح وليس لدي ما يقنعني وما يقنع غيري بمبررات هذا القرار الذي صدر من صناع القرار" .
البكار اعتبر ان المسالة مهمة للغاية وتحتاج الى تحرك من المؤسسة التشريعية لإزالة الثغرات التي يعاني منها القانون المؤقت " ان يمنح القانون مجلس الوزراء الحق في منع الترخيص دون إبداء الأسباب يعني ان الأمور فضفاضة و غير واضحة و هذا خطأ كبير يجب معالجته فورا ونحن نحترم قرار الرفض إذا بين مجلس الوزراء دوافع هذا الرفض وليس الرفض المطلق دون التبرير".
و دعا البكار القائمين على إذاعة الأغوار التقدم بطلب حول هذا الموضوع مبديا استعداده للتحرك " سنتقدم الى رئاسة الوزراء بمذكرة نطالب فيها بإقامة إذاعة في الأغوار و سنحث الحكومة الى إعادة النظر بقرارها رفض الترخيص".
و بين البكار ان توجيه سؤال للحكومة عن سبب الرفض من خلال مجلس النواب فيه شبهة دستورية " لان القانون واضح فالسؤال يقدم عن طلب الحصول على معلومات و هذه القضية واضحة لا يوجد فيها ما يمكن الاستزادة منه في المعلومات خاصة ان القانون واضح في منح الصلاحيات لمجلس الوزراء".
من جهتها النائبة آمنة الغراغير أبدت استغرابها من قرار الرفض معتبرة انه يتعارض مع توجهات الملك عبد الله الثاني الداعية للإصلاح والتنمية "سنبذل كل الجهود وسنرفع مذكرة لرئيس الوزراء لإعادة النظر بهذا القرار لحاجة المنطقة للإذاعة ونحن في عام الزراعة والمنطقة ستشهد إقامة مطار زراعي والإذاعة ستدعم كل هذه المشاريع التي يرعاها الملك عبد الله الثاني".
كما اعتبر عدد من الشخصيات الإعلامية القرار بمثابة تراجع عن التوجه الديمقراطي الداعي الى دعم الحريات وتنمية المجتمعات فمن جهتها قالت أسمى الوزيرة السابقة والناشطة في مجال المرأة" هناك رسائل متعددة ذات معاني متعاكسة فهناك رسائل تؤكد على حرية الصحافة وهناك رسائل مثل هذا القرار تبين العكس".
و أضافت " ان السياسة الإعلامية وترخيص المؤسسات الإعلامية يجب ان تكون واضحة والمستثمر يجب ان يكون على علم بالمطلوب منه و الجهات غير الربحية التي تريد تقديم رسالة إعلامية يجب ان تعلم ما هو متاح لها وفق تشريع إعلامي واضح و سياسيات ومتطلبات فنية واضحة بحيث لا يتفاجأ المستثمر بقرارات لا يعلم سببها اعتقد ان وضوح السياسة الإعلامية والقرار الإداري والتزامه بدقة تطبيق القانون بشكل واضح هو مصلحة مشتركة للجميع وهو حجر الأساس في أي بناء حكم ديمقراطي".
و علقت خضر على مسالة اتخاذ القرارات وفقا لاعتبارات أمنية بحتة قائلة"ان بعد الأمن مقبول شريطة ان يطبق على الجميع وان لا يكون هو البعد الوحيد المأخوذ بالاعتبار . و البعد الأمني يجب ان يكون محط اهتمام الجميع ولكن ان يهيمن هذا البعد دون اخذ الأبعاد الأخرى والحاجات التنموية التي تتطلب ان يكون هناك إعلام تنمومي وإعلام منتشر فهذه المشكلة و يجب ان تؤخذ هذه الأبعاد على أنها مساندة للأمن الاجتماعي".
كما عبرت خضر عن قلقها من عدم استقرار الرؤية الإعلامية في الأردن في عهد الحكومة الحالية " فهناك مؤسسات تقام وأخرى تلغى و هناك حيرة تسيطر على الملف الإعلامي بالإضافة الى تعدد الآراء مع ان هناك رؤية ملكية واضحة للإعلام و وضعت دراسة لتنفيذ الإستراتيجية الإعلامية الملكية".
فيما اعتبر الكاتب الصحفي باسم سكجها قرار رفض ترخيص إذاعات خاصة بأنه تعسفي قائلا" ان القرار يناقض بشكل مطلق مسالة التنافسية" و اتهم سكجها الحكومة بالخوف من وسائل الإعلام "حين ترفض الحكومة ترخيص وسائل إعلامية فان ذلك يعني الخشية من ان تنشر هذه الوسائل الحقائق و توصلها للناس".
و طالب سكجها الحكومات بان تتخلى عن العقلية العرفية في التعامل مع قضايا التنمية والإعلام وأضاف" القوانين تصاغ بطريقة عرفية و نلاحظ ان القرار يصدر بدون أسباب و لقد عانينا منذ ثلاثة أشهر في مسالة مجلة اللويبدة و تم إيقاف المجلة دون أي سبب وتبين ان المسالة مقصودة.و عندما ذهبت القضية الى ديوان تفسير القوانين أيد الديوان وجهة نظرنا و حقنا في طلب التعويض. لأننا استثمرنا الأموال والوقت من اجل الحصول على الترخيص و تعرضنا للخسارة الكبيرة بسبب قرار الوقف فمن سيعوض هذه الخسارة".
و بين سكجها ان الحكومة لم تصل بعد الى فهم حقائق العالم الجديد الذي يقوم على قوة المعلومات و وسائل الاتصال الالكترونية وشبكة الانترنت فيقول"على سبيل المثال أنت تستطيع إنشاء إذاعة على الانترنت في لحظة يسمعها العالم كله وهنا في الأثير المحلي تواجه بصعوبات وخسائر ورفض".
و تسائل سكجها" من يحاول تخريب رسالة الملك في الإصلاح والتنمية والديمقراطية في المجتمع الاردني؟ وهو سؤال محير ونكتشف أيضا ان هناك عقلية بيروقراطية رجعية تذكرنا بالدولة العثمانية وهذا غير معقول في هذا الزمن ولا يجوز ان يقوم أي موظف بتخريب عملية إلا صلاح حتى يثبت انه موجود وهذا الواقع يجب ان يتغير".
من الناحية القانونية يرى قانونيون ان قانون المرئي والمسموع المؤقت رقم 71 لعام 2002 غير دستوري و يتوجب إلغاؤه.و في ذلك يرى المحامي المختص بقضايا الإعلام محمد قطيشات" قانون المرئي والمسموع مخالف للمادة 94 من الدستور الاردني والتي تشترط إصدار قوانين مؤقتة في حالات الضرورة والقانون بين الحالات الضرورية كالحرب و الكوارث الطبيعية . والدستور نفسه و في المادة 94 اوجب ان يطرح القانون المؤقت في أول جلسة لمجلس الأمة لمناقشته و إقراره او تعديله او رفضه".
و بين قطيشات ان المحاكم تتعامل مع قانون المرئي و المسموع على انه صلاحيات حكومية كما في النص الصريح للقانون مضيفا" اعتقد ان التطبيق العادل للمادة 18 من قانون المرئي والمسموع و التي تمنح مجلس الوزراء الحق في منح او رفض منح تراخيص البث الإذاعي يجب ان يتجه للأسباب الموجبة التي وضع من اجلها هذا القانون ويجب ان تتجه المحاكم في تفسير القانون نحو الحكمة التشريعية التي أرادها المشرع الاردني من هذه النصوص خاصة أننا في عالم يتعدى الحدود الجغرافية في تقديم المعلومات".
يشار الى ان مدير عام راديو البلد داود كتاب كان قد لجا الى القضاء عندما رفضت حكومة الدكتور معروف البخيت السابقة طلبه بترخيص إذاعة مجتمعية في مدينة الزرقاء و حول هذه التجربة يقول كتاب" الهدف من الدعوى كان للحصول على أسباب الرفض لمعرفة المشكلة و معالجتها و نحن كمستثمرين يجب ان نعرف الأسباب لنتجنبها في المستقبل حتى لا تتأثر استثماراتنا. لكن المحكمة رفضت الدعوى باعتبار ان القانون واضح ويمنح مجلس الوزراء صلاحية الرفض دون إبداء الأسباب".
جدير بالذكر ان هيئة الإعلام المرئي والمسموع التي تتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال إداري ومالي أنشئت بموجب قانون الإعلام المرئي والمسموع المؤقت رقم(71) لسنة 2002، وقد باشرت الهيئة أعمالها في منتصف عام 2003. و على اثر ذلك ظهرت العديد من الإذاعات الخاصة في المملكة و التي وصل عددها إلى حوالي 27 إذاعة خاصة تبث على الموجة القصيرة(FM).
و تختص الهيئة بتنظيم العمل الإذاعي والتلفزيوني في المملكة بالإضافة إلى التوصية لمجلس الوزراء بمنح الرخص وتنظيم الأثير الإذاعي و الفضائي في المملكة و مجلس الوزراء هو صاحب الرأي الأخير في منح او رفض الترخيص دون إبداء الأسباب.











































