حكومة العقبة وحكومة الأقاليم
في شهر نيسان من عام 2000 قدم رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب آنذاك، علي ابو الراغب، عرضا امام الملك في العقبة حول مشروع منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، ويومها بل قبلها كان واضحا ان رئيس الوزراء حينها، عبدالرؤوف الروابدة، لديه تحفظات او وجهة نظر في المشروع.
ولم تمض سوى عدة اسابيع حتى كانت هناك حكومة جدية برئاسة ابو الراغب وقيل يومها انها حكومة مشروع العقبة، وسواء كان موقف الحماس او التحفظ على المشروع صحيحا فإن الفكرة كانت احد عناوين الحكومة الجديدة والحماس للمشروع وتبنيه كان من المواصفات التي جاءت بالرئيس الجديد آنذاك.
اليوم ربما على الحكومة ان تكون اكثر حذراً لأن امامها قضايا قد تتحول الى مطبات سياسية، والرئيس سيكتشف انه بحاجة الى كل مخزون او قدرة سياسية لديه للخروج من المرحلة، وسيكتشف ايضا انه بحاجة الى ان يكون حوله من طاقمه الوزاري من يقرؤون الساحة السياسية ويمارسون الأمن السياسي الوقائي، الذي يمنع حدوث الأخطاء او ما يمكن ان يكون سلاحا في ايدي خصومه او الراغبين في ان يكونوا رجال المرحلة القادمة من الذين ينتقلون بكل رشاقة من مرحلة الى اخرى.
الأقاليم او "اللامركزية" وقضية الإصلاح السياسي هما الملفان اللذان على الرئيس ان يحملهما بحذر تماما مثل من يحمل كرة النار، فالخطأ والتردد والعثرات ممنوعة لأن الملفين لهما كل الاولوية. وعلى الرئيس ان يدرك ان ما يقوله في اي مكان يجد الكثيرين من الجاهزين لتفسيره وتحميله ما يحتمل وما لا يحتمل.
لعل الخطأ الكبير الذي وقع فيه الرئيس سياسيا ما قاله اثناء لقائه عددا من الكتاب قبل اسبوعين حول الاصلاح السياسي وأن الحكومة ستفتح هذا الملف مبادرة منها لتجنب ضغط قد يأتي من الإدارة الاميركية الجديدة، ولعل الرئيس كان يتحدث بانفتاح لكن الأمر تحول الى خبر وهذا متوقع وطبيعي؛ فالكلام مهم وخطير. ولهذا جاءت الرسالة الملكية للحكومة خلال زيارة الملك الى مجلس الوزراء مساء الاحد لتؤكد ان ما قاله الرئيس ليس موفقا سياسيا, وأشار الملك ان الاصلاح والديمقراطية خيار اردني وخطوات دعا لها منذ سنوات وطالب الحكومة بوضع برنامج وخطة واضحة المعالم.
لكن الامر الآخر ملف الأقاليم او اللامركزية، وهنا لا اتحدث عن قبول او معارضة الفكرة لأنها اصبحت اجندة واضحة للحكومة، لكنني اتحدث عنها سياسيا لأن الرئيس لا يمكنه اليوم الا ان يعمل على انجاز المشروع، لكن عليه ان يدرك ان عدم حماسه لتوصيات اللجنة التي كانت قبل سنوات ليس امرا سريا، ولهذا فإن ادارته للملف تحت المراقبة من كل المعنيين بمسار الحكومة.
ولعل التصور الذي طرحته وتبنته الحكومة والذي يقوم على تفعيل المجالس التنفيذية في المحافظات وتخصيص موازانات لها في موازنة العام القادم وبموازاة ذلك تشكيل لجنة وزارية لدراسة التوصيات وتبني الفكرة الملائمة واقتراح تعديل التشريعات.
لعل هذا المسار الذي يعني اعطاء دفعة للوضع الحالي للعمل خلال اكثر من عام فهمه البعض على انه ابطاء لتنفيذ فكرة اللامركزية بإطارها الجديد، وربما لا تريد الحكومة ان تتخلى عن قناعاتها بعدم جدوى فكرة الاقاليم، لكنها تريد اظهار استجابات مؤقتة تتحول الى دائمة بفعل الزمن وتغير الاولويات والاستفادة من "نعمة النسيان" التي تمارسها الدول وليس اهل الغرام والمشاعر.
على الحكومة ان تدرك ان الامر ليس متروكا لذكائها وما ترى انه يجنبها تنفيذ ما ليس في صلب قناعاتها لأنه حتى من خصوم الأقاليم هنالك خصوم للحكومة سيجعلون من الفكرة قميص عثمان لأشياء اخرى وربما يحبون ان تكون الفكرة الحبل السياسي الذي تشده الحكومة حول نفسها.











































