في الأول من حزيران 2021 أصبح مدين الزبيدي من دون عمل، بعد إبلاغه بإنهاء خدماته من مصنع للنسيج والغزل في محافظة إربد الأردنية- تبعد مسافة 91.6 كيلومترات عن عمان. وعلى حدّ قوله فإن خلافات شخصية كانت بينه وبين المشرف عليه في المصنع أدت إلى طرده، خاصة بعدما تعذّر عليه التواصل مع مديرة المصنع الصينية للشكوى بسبب منع المترجم من توضيح كلامه.
قدم الزبيدي شكوى لمكتب وزارة العمل بسبب فصله من عمله. بعد شهر أبلغته وزارة العمل أنه تبيّن لها أنه وقّع على وثيقة إنهاء لخدماته ولم يتم فصله تعسفيًا، في حين أنه متأكّد من أنه لم يفعل.
في الأثناء، طلب منه المصنع سحب الشكوى على أن يتم إرجاعه إلى عمله ولكن في قسم آخر، إلا أن مسؤول وزارة العمل طلب بقاءه في مركزه. إلى حين كتابة التحقيق لم يتم البت في شكواه وإعادته لعمله. ويتقاضى الزبيدي حاليا (150) دينارًا أردنيًا (211 دولارًا أمريكيًا) من الضمان الاجتماعي بدل تعطل بعد أن كان راتبه الأساسي (255) دينارًا أردنيًا (360 دولارًا أمريكيًا). في حين لم يتوقف إنتاج المصنع رغم أزمة كورونا.
حالة العامل الزبيدي تتشابه مع آلاف الحالات من العمال الذين انتهكت حقوقهم الشغلية من قبل الشركات التي يعملون فيها خلال أزمة كورونا، رغم إصدار الحكومة الأردنية لأوامر الدفاع التي تحمي حقوق العاملين من الفصل التعسفي أو إنهاء الخدمات، وتضمن لهم تحصيل رواتبهم من دون تأخير أو خصم من العطلة، في ظل تقاعس وزارة العمل عن حماية هذه الحقوق وتنفيذ القانون ضد الشركات المخالفة.
وثق معدا التحقيق 747 انتهاكًا تعرض له العاملون في القطاع الخاص، منها 406 من بيانات المرصد العمالي الأردني، و341 من جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان.
تضرر الاقتصاد الأردني من جائحة كورونا
سجل الأردن أول إصابة بفيروس كورونا في 2 آذار/مارس 2020 لمواطن قادم من إيطاليا، ثم أعلن رئيس الوزراء الأردني السابق عمر الرزاز في 15 آذار/مارس 2020 عن تعليق جميع الرحلات الجوية من المملكة وإليها، وحتى إشعار آخر باستثناء حركة الشحن التجاري وتعليق دوام المؤسسات التعليمية لمدة أسبوعين، ووقف الفعاليات العامة والشعائر الدينية والسياحة وكافة التجمعات العامة. بعدها بيومين أي بتاريخ 17 من الشهر نفسه، أعلن الرزاز تفعيل قانون الدفاع لمواجهة الآثار الإقتصادية لكورونا وإصدار حزمة أوامر تتعلق بوقف العمل في القطاعات المختلفة والحظر الكلي والجزئي للأفراد والمؤسسات، والتشديد على عدم فصل العمال إثر الحظر أو الخصم من رواتبهم، إضافة لتقديم برامج ومساعدات للقطاعات المتضررة.
وأصدرت الحكومة الأردنية قرارًا بتعطيل جميع المؤسسات والدوائر الرسمية لمدة أربعة أسابيع بدءًا من 18 آذار/ مارس 2020، واستثنت منها بعض القطاعات الحيوية. ووفقًا لأحكام المادة (50) من قانون العمل الأردني، إذا اضطر صاحب العمل إلى وقف العمل بصورة مؤقتة بسبب لا يعزى إليه وليس في وسعه دفعه، فيستحق العامل الأجر عن مدة لا تزيد على العشرة أيام الأولى من توقف العمل خلال السنة وأن يدفع للعامل نصف أجره عن المدة التي تزيد على ذلك بحيث لا يزيد مجموع التعطيل الكلي المدفوع الأجر على ستين يومًا في السنة.
وتشير بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي، وبيانات الحسابات القومية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى انكماش الناتج المحلي الأردني إلى (2%) عام 2020، فيما يوضح الخبير الاقتصادي موسى الساكت أن أزمة كورونا زادت من الوضع السيء للاقتصاد الأردني.
ووفق بيانات وزارة المالية الأردنية، وصل العجز المالي إلى 2182.4 مليون دينار في 2020 مقارنة ب 1058.4 مليون دينار في 2019، فيما انخفضت قيمة الإيرادات المحلية عام 2020 لتسجل 6238 مليون دينار مقابل 6956.9 مليون دينار في السنة السابقة، فيما بلغ إجمالي الإنفاق 9211.3 مليون دينار في 2020 و8812.7 مليون دينار في 2019.
من جهته، بيّن المرصد العمالي الأردني في بيان أصدره بمناسبة يوم العمال أن الاقتصاد الأردني خسر خلال عام 2020 ما يقارب 140 ألف وظيفة، نتيجة لتداعيات جائحة كورونا.
ويشير تحليل بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 30.2% عام 2020، بازدياد (7%) عن العام الذي يسبقه.
برامج لمساعدة المؤسسات المتضررة
ونظرًا لتداعيات كورونا، قدم البنك المركزي الأردني والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي برامج ومنح عديدة لمساعدة الأفراد والقطاعات الخاصة، فيما أصدرت الحكومة الأردنية أوامر الدفاع لفرض إجراءات الحظر الجزئي والكلي للقطاعات، لدعم القطاعات المتضررة من كورونا.
قرر البنك المركزي الأردني في نيسان/ أبريل 2020 بعث برنامج تمويلي بقيمة 500 مليون دينار ( حوالي 706 مليون دولار) يشمل منح قروض بكلف وشروط ميسرة لكافة القطاعات الاقتصادية المتضررة من جائحة كورونا، وذلك لمساعدتهم على تمويل النفقات التشغيلية ورأس المال العامل بما فيها دفع رواتب وأجور موظفيهم والنفقات المتكررة لديهم، وتمكينهم من المحافظة على سير أعمالهم ومواصلة نشاطهم بالمستويات الطبيعية وتوسيعها. ويتم منح هذه القروض عبر البنوك التجارية والإسلامية.
وبعث البنك أيضًا برنامجًا تمويليًا لدعم القطاعات الاقتصادية بقيمة (1,200) مليون دينار أردني لتوفير التمويل لكافة الغايات الاستثمارية والتشغيلية بكلف منخفضة لزيادة تنافسية الشركات وتمكينها من توسعة أعمالها وتمويل أنشطتها التشغيلية بشروط وكلف ميسرة.
ويشير تحليل بيانات المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى أن مشاريع تجار الجملة والتجزئة الأكثر استفادة من منحة البنك المركزي بنسبة 35.3%، فيما حلّت الصناعات التحويلية ثانيًا بنسبة 22.8%، والمقاولات والاستشارات الهندسية بنسبة 6.8%، ليكون مجموع المشاريع المستفيدة من المنحة 4929 مشروعًا، بِقيمة 449.40 مليون دينار أردني (حوالي 634 مليون دولار)، و84,570 عامًلا خلال عام 2020.
ويمنح البنك المركزي الأردني تسهيلات للشركات كل سنة، لكن زاد من قيمة التسهيلات الممنوحة للشركات المتوسطة الحجم بنسبة 17% عام 2020، والشركات الصغيرة حازت على زيادة بنسبة (7%) عن عام 2019م.
فيما استفادت المنشآت العاملة في القطاع الخاص من 6 برامج مختلفة.
من جهتها، ساهمت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، من خلال أوامر الدفاع "1،9،14،15،18،24" بحماية العاملين والمنشآت في القطاع الخاص ب (13) برنامجًا لكن ضمن فترة مؤقتة وبنسب محددة. فحسب أمر الدفاع رقم (1)، تم إيقاف العمل ببنود عدة من الضمان الاجتماعي من ضمنها تعليق العمل بتطبيق تأمين الشيخوخة "بناء على طلب المنشأة" من آذار حتى أيار 2020 للعاملين في القطاع الخاص، مع إبقاء العمل باقتطاع اشتراكات تأمين العجز الطبيعي والوفاة الطبيعية والأمومة والتعطل عن العمل، لتنخفض نسبة الاشتراكات المطلوبة من %21.75 ل 5.25% وأتاحت للمؤسسات غير القادرة على السداد إمكانية تقسيط المبالغ المستحقة حتى 31-12-2023. واستفاد من تطبيق تعليق الشيخوخة مليون و203 ألف مواطن و50 ألف منشأة بلغ إجمالي الوفر المقدم لها 97 مليون دينار.
كما قامت مؤسسة الضمان الإجتماعي حسب أمر الدفاع (9) الصادر بتاريخ 16 نيسان لعام 2020 بإطلاق 5 برامج لحماية العاملين المقيمين في الأردن من الجنسيات جميعها، منها (2) خاصة بمنشآت القطاع الخاص، و(3) خاصة بالأفراد المؤمن عليهم.
وجاء أمر الدفاع رقم (14) الصادر في 14-6-2020م لِبعث (3) برامج حماية، إضافة لتعديل بعض البرامج حسب البلاغات ليصبح مجموعها 13 برنامجًا.
انتهاكات بالجملة لحقوق العمال
رغم ما قدمته الحكومة والبنك المركزي الأردني من برامج ومساعدات للقطاعات الإقتصادية حتى تستمر في عملها، ولا تتضرر نتيجة جائحة كورونا، إلا أنها لم تلتزم بأوامر الدفاع الخاصة بعدم انتهاك حقوق العمال، من خلال الإمتناع عن فصلهم التعسفي، أو الخصم من رواتبهم.
وثق معدا التحقيق 747 انتهاكًا تعرض له العاملون في القطاع الخاص، منها 406 من بيانات المرصد العمالي الأردني، و341 من جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان. فيما تلقت وزارة العمل الأردنية 24025 شكوى ضد مؤسسات القطاع الخاص منذ بداية أزمة كورونا وَحتى 8 تموز/يوليو 2021. وقد سُجّل في المناطق الصناعية المأهولة لوحدها 3328 انتهاكًا.
ويشير تحليل هذه البيانات الموثقة من جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان إلى أنه خلال يومين من بدء سريان أمر تعطيل المؤسسات في الأردن، تعرض العاملون في قطاع الخدمات لأعلى عدد من الإنتهاكات بمجموع 93 انتهاكًا لتشكل نسبة (27%)، نظرًا لأن عملهم مقيد بالدوام، فيما حلّ قطاع التعليم الخاص ثانيًا ب 65 انتهاكا ونسبة (19%)، والصناعة ثالثًا ب 63 انتهاكا، وحلّ قطاع العمل وفق نظام المياومة - يحصل العامل على أجره مقابل عمله في اليوم وليس أجرًا شهريًا ولا يتقاضى أجرًا في أيام العطل- في المرتبة الرابعة ب 36 انتهاكا، مما يدلُّ على أن أصحاب العمل لم يأبهوا بالقرارات الصادرة عن الحكومة الأردنية. وقد تكررت الانتهاكات في محافظات عمان، والزرقاء، والمفرق، والظليل، والأزرق، وجرش، وإربد، حسب بيانات جمعية تمكين التي سجلت 341 انتهاكا.
وخلال الفترة ما بين 20 آذار/مارس 2020 حتى 2 نيسان/أبريل 2020، تعرض حسب المرصد العمالي الأردني 406 عاملًا في القطاع الخاص لانتهاكات متعددة، واحتل "عدم دفع راتب شهر آذار من عام 2020" المرتبة الأولى ب (32.3%)، فيما حلّ "عدم دفع رواتب الأشهر ما قبل أزمة كورونا" في المرتبة الثانية دلالة على استغلال أزمة كورونا لعدم إيفاء حقوق العمال السابقة، وفصل ما نسبته (20.7%) منهم وإجبارهم على تقديم استقالاتهم.
توجهت العشرينية نور عيسى -طالبة جامعية وتعمل في حضانة وروضة أطفال- للقضاء لتحصيل حقوقها، بعد فصلها من عملها تعسفيًا في شهر نيسان 2021، إضافة للمطالبة بتعويض عن تخلف الحضانة عن دفع تكاليف تغطيتها بنظام الضمان الاجتماعي لأربع سنوات، وتحصيل حقها في عن ساعات العمل الإضافية.
واستلمت نور (200) دينار (282) دولارًا، قسطًا من والد طالبة في الروضة، وبموافقة المديرة اعتبرته راتب شهر آذار ووقعت على استلام راتبها، وطلبت إجازة هاتفيًا للتوجه لطبيب الأسنان وافقت عليها المديرة، لكنها بعد ذلك فصلتها في اليوم التالي بذريعة "المغادرة".
تقول نور: "تعرضت للمساومة من صاحبة الروضة ومحاميها بعدم تقديم شكوى ضد الفصل التعسفي وتخلفهم عن تسجيلي بالضمان، مقابل إرضائي بمبلغ مالي وإلا سأُتهم بسرقة (200) دينار". وتوضح أن مديرة الروضة تمارس مخالفات عدة من ضمنها منع الإجازات السنوية والمغادرات، والاستعانة بموظفة التنظيف لتقوم بمهام المعلمة.
يذكر أنه بعد أن كانت وزارة العمل تستلم ما يقارب (8-10) آلاف شكوى سنويًا، حسبما أفاد رئيس قسم الشكاوي والخط الساخن في الوزارة، عماد الدعجة، زادت أزمة كورونا من الانتهاكات بحق العمال ليصل عدد هذه الشكاوي منذ بدء أزمة كورونا حتى 10 أكتوبر 2021 ل (109304) آلاف شكوى تتعلق بعدم دفع الأجور وإنهاء الخدمات والفصل التعسفي.
المدن الصناعية تسجل أعلى معدل في الإنتهاكات
وثقت جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، 3328 انتهاكًا سُجّلوا ضد المدن الصناعية المأهولة في الفترة ما بين 18-3 حتى 29-6 من عام 2020. يبين تحليل هذه البيانات أن الشركات استغلت "أزمة كورونا" في عدم دفع رواتب جزء من العمال (وعددهم 65 ألف في 2020)، أو خصم أيام التعطيل الصادرة بموجب قرار الحكومة من أجورهم، إضافة لِفصلهم التعسفي.
يبين المدير العام لشركة الهدف الذهبي لصناعة الأحذية، خلدون النادي أنهم أنهوا عقود أكثر من نصف العمال لديهم قائلا: "كان هذا الحل للضائقة المالية بعد توقف الاستفادة من برنامج استدامة، فَراتب العامل ومصاريف الضمان الاجتماعي أصبحت عبئًا كبيرًا على الشركة لذا لجأت لتقليل عدد العاملين لتخطي هذه الأزمة".
حدث هذا فيما حصلت الشركة على قرض من البنك المركزي الأردني بقيمة (42) ألف دينار أردني دون فائدة على حد قول النادي لتسديد قيمة الخسائر.
العديد من الشركات تحججت بِتعثرها ماليًا، وعدم قدرتها على دفع الرواتب نتيجة جائحة "كورونا" لكن تحليل البيانات الموثقة من شركة المدن الصناعية يوضح أن عدد شركات المدن الصناعية المأهولة ازداد في عام 2020، 21 شركة، فيما انخفض عدد العمال بمقدار 800 عامل عن عام 2019.
ووفق بيانات شركة المدن الصناعية، ارتفع حجم الاستثمار عام 2020 بنسبة 60% عن عام 2019، لتسجل بذلك زيادة بمقدار 34.2 مليون دينار، فيما وقعت 107 عقود استثمارية جديدة.
يذكر أن شركة المدن الصناعية، تدير (10) مدن موزعة على مدينة عبدالله الثاني الصناعية في سحاب، ومدينة الحسين بن عبدالله الثاني الصناعية في الكرك، ومدينة الحسن في إربد، ومدينة الموقر الصناعية، ومدينة العقبة الدولية ومدينة المفرق الصناعية، ومدينة السلط الصناعية، ومدينة الطفيلة الصناعية، ومأدبا الصناعية، ومشروع مدينة جرش الصناعية.
أغلب الشركات حققت أرباحا أثناء أزمة كورونا!
رصد معدا التحقيق من خلال بيانات بورصة عمان، التقارير المالية ل 3 سنوات متتالية من (2018-2020) ل 161 شركة أفصحت عن بياناتها، توزع تصنيفها إلى 21 شركة متناهية في الصغر، و33 شركة صغيرة، و52 شركة متوسطة، و55 شركة كبيرة.
وحسب غرفة صناعة عمان، تصنف الشركات حسب عدد عمالها وقيمة مبيعاتها، فإن كانت أقل من 5 عمال، ومبيعاتها أقل من 100 ألف دينار (141 ألف دولار) تصنف أنها متناهية في الصغر، أما إن كانت أقل من 20 عاملا، ومبيعاتها أقل من مليون دينار (مليون و410 آلاف دولار)، فَتصنف أنها صغيرة، أما إذا كانت تُشغّل أقل من 100 عامل ومبيعاتها أقل من 3 مليون دينار (4 مليون و230 ألف دولار)، فتصنف على أنها متوسطة.
بعد تحليل البيانات الموثقة من بورصة عمّان، تبين أن 34 شركة حققت خسائر على مدار ثلاث سنوات، منها 9 شركات تصنف أنها كبيرة، و25 شركة متناهية في الصغر وصغيرة ومتوسطة.
فيما حققت 12 شركة خسائر على مدار سنتي (2019-2020)، منها 11 شركة متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة.
وسجلت 5 شركات فقط خسارة في عام 2020، منها 3 متناهية في الصغر وصغيرة، وشركتان كبيرتان.
في المقابل، حققت 110 شركة ربحًا عام 2020، من ضمنها 67 شركة متناهية في الصغر وصغيرة ومتوسطة، و43 كبيرة.
وحسب دراسة مسحية من جمعية البنوك في الأردن حول الشركات الصغيرة والمتوسطة في الأردن -البالغ عددها 155 ألف شركة - نشرتها جمعية البنوك العاملة في الأردن عام 2016، فإن (98.9%) من الشركات الأردنية تصنف انها صغيرة ومتوسطة، حيث تشكل المنشآت الفردية ما نسبته (86.7%)، تليها شركات التضامن بنسبة (8.9%)، ثم ذات المسؤولية المحدودة بنسبة (2.9%)، أما باقي الشركات فلم تشكل سوى (1.5%).
أوضح المدير المالي لشركة بيلا للصناعات الدوائية المتخصصة بالأدوية الجلدية ومستحضرات التجميل يحيى الخليل لمعدي التحقيق أن شركته "لم تتوقف عن العمل خلال جائحة كورونا، لكن قل الطلب على الإنتاج للدول العربية، وبقيت تحقق أرباحًا لكن بقيمة أقل من السنوات السابقة". في نفس الوقت، فإنه اعترف بأن الشركة تحصلت على قرضين بقيمة مليونيّ دينار من البنك المركزي الأردني شملت رواتب الموظفين وقيمة مشتريات المواد الخام بفائدة (2%)، كما أن البنك المركزي ألغى الفوائد واعتبرها جزءًا من سداد الأقساط. كذلك استفادت الشركة من تعليق ضمان الشيخوخة للموظفين البالغ عددهم قرابة 85 موظفًا.
التفنن في الضغط على العمال لإجبارهم على ترك العمل
قد لا تعمد الشركات إلى الطرد التعسفي للعمال خوفا من العقوبات التي تفرضها وزارة العمل ولكنها تستعمل أساليب مختلفة للضغط عليهم ودفعهم نحو ترك وظائفهم. في هذا الصدد، يؤكد المحامي حاتم الخشمان أنه من بين هذه الأساليب "زيادة ضغط العمل على العامل، أو نقله من قسم لآخر مما يؤدي لإرهاقه وعدم قدرته على أداء عمله، أو تخفيض أجره، فيضطر لترك العمل من ذاته".
هذا ما حصل مع الشاب الثلاثيني محمد عزام الذي تعرض للنقل من وظيفته مرات عديدة داخل الشركة التي يعمل بها بهدف الضغط عليه إلى أن وجد نفسه في الأخير عاطلا عن العمل.
مكث عزام 6 سنوات ونصف عاملًا في قسم الشحن في شركة إنتاج ملابس وتصنيعها داخل مدينة الحسن الصناعية في محافظة إربد. تعطّل عن العمل في شهر آذار من عام 2020 نتيجة للقرارات الصادرة عن الحكومة، قبل أن تبلغه الشركة في شهر أيار من نفس السنة بعدم الحاجة إليه. "توجهت لوزارة العمل لتقديم شكوى، فتمّت إعادتي للعمل في 18 من حزيران لعام 2020 ومنذ ذلك الوقت بدأت حزمة من المضايقات عليّ"، يتذكر عزام بحسرة.
خلال سنة كاملة تعرض هذا الأخير للنقل لأكثر من قسم: التحميل والنقل والتنظيف. توجه مرة أخرى للشكوى لمكتب وزارة العمل لكن تم إخباره بأن القانون الداخلي للشركة ينص على أحقية المدير أو صاحب العمل بوضع العامل في القسم الذي يراه مناسبًا. وفي الأخير، وقع إنهاء خدماته في الأول من حزيران لعام 2021.
كان عزام يتقاضى راتبا يقدر ب 220 دينارًا (310 دولارًا أمريكيًا) في الشهر من الشركة، ويضطر للتداين بقيمة 150 دينارًا أردنيًا لتأمين احتياجات عائلته وشراء الأدوية الخاصة بعلاج والده.ولكن أزمة كورونا وتعطله عن العمل أدى لإنهاء زواجه، وتراكم مبلغ (1800) دينار (2500 دولارا) كلفة تتمة إجراءات الطلاق، ونظرا لعدم قدرته على السداد اضطر لدفع 68 دينارًا (96 دولارًا ) شهريًا لطليقته.
وحسب عزام، فإن الشركة التي كان يعمل فيها لم تتأثر بجائحة كورونا، حيث انها لم تتوقف يوما عن النشاط. ولكنها " سحبت طلبات إنتاج تصنيع الملابس من فرع إربد وهو أحد فروعها الثلاثة، حتى تبين أنها متضررة وتستفيد من الضمان الاجتماعي لدفع الرواتب"، كما يؤكد ذلك.
منصة "حماية" لتلقي الشكاوي
أنشأت وزارة العمل الأردنية منصة حماية في 12 إبريل/2020 لتسهيل تقديم الشكاوي خلال أزمة كورونا إلكترونيًا.
يبيّن رئيس قسم الشكاوي والخط الساخن في وزارة العمل عماد الدعجة: "أن دور الوزارة بعد تلقي الشكوى من خلال المنصة أو الاتصال الهاتفي، هو تحويلها للمفتش لمتابعتها والتحقق من مدى صحتها، من خلال زيارة المؤسسة والاطلاع على سجلاتها والوثائق، فإذا تبين أن الشركة مخالفة يتمّ إنذارها لتصويب أوضاعها، وإذا أصرت على عدم التصويب يتم تحرير المخالفة بحقها وتوجيهها للقضاء"، مضيفا "هنا ينتهي دور وزارة العمل".
ويوضح الدعجة أن آخر خيار تتخذه الوزارة هو تحرير المخالفة، لأن هدفها إرجاع العامل لمنشأته، فيما لا تتحدد مدة زمنية معينة لحل الشكوى حتى يجتهد مفتش الوزارة ويبذل مجهودًا إضافيًا لذلك، مبينًا أن الفترة التي يوقف العامل بها عن العمل تعتبر مدفوعة الأجر.
وحول تأخير حل بعض الشكاوي، برّر رئيس قسم الشكاوي ذلك ب"إغلاق بعض المؤسسات، وعدم القدرة على التواصل مع صاحب العمل إلا هاتفيًا، أو أن رقم هاتف مقدم الشكوى يكون غير صحيح أو مغلق أو مفصول، إضافة للكم الهائل من الشكاوي التي وصلت الوزارة".
وحسب البيانات التي حصل عليها معدا التحقيق من وزارة العمل الأردنية من بداية كورونا حتى 8 تموز 2021، فقد سجلت شكاوى ضد 24025 منشأة، منها 18618 منشأة أخرت دفع أجور عامليها، أما الشركات التي وردت ضدها شكاوي "إنهاء خدمات" فبلغت 6163 منشأة، فيما وقَعَت 2632 مخالفة ضد المنشآت بموجب أمر الدفاع السادس والذي يقتضي بعدم فصل العمال أو الانتقاص من حقوقهم أو إنهاء خدماتهم، وأنهيت خدمات (9753) آلاف عامل منهم (3487) عامل أنهيت خدماتهم قانونيًا، وأعيد (6141) عامل إلى عملهم. كذلك حرّرت وزارة العمل (3264) مخالفة ووجهتها للجهات القضائية لاتخاذ المقتضى القانوني.
ويقدر رئيس مركز بيت العمال حمادة أبو نجمة أن عدد مقدمي الشكاوي أقل بكثير ممن تعرضوا فعليا للانتهاكات، ويرى أن تحميل العامل عبء تقديم شكوى بأخذ حقه هو ظلم، لأنه سيضعه بمواجهة صاحب العمل وقد يعرضه ذلك لفقدان وظيفته. وفي غالب الأحيان يقدم العامل شكوى عند فصله من العمل.
قانون لا يطبق بصرامة
حسب أمر الدفاع السادس، يعاقب من يخالف أي حكم آخر من أحكام أمر الدفاع والبلاغات الصادرة عن رئيس الوزراء أو الوزراء المكلفين بالحبس من (3 أشهر-3 سنوات) وغرامة مالية (3000) دينار أردني أي ما يعادل (4230) دولار.
يرى المحامي الخشمان أن وزارة العمل كان بإمكانها أن تقوم بدور أكبر لو طبقت بعض الأوامر الخاصة بالدفاع مثل "إغلاق المنشآت" ليكون ذلك رادعًا لغيرها، إضافة للمتابعة بشكل أكثر للمخالفين والإحالات للقضاء والنيابة العامة، وإعطاء الحد الأقصى من العقوبات وليس الأدنى.
من جهته، يبين مالك المعايطة من الاتحاد العام لنقابات العمال في الأردن أن بعض الشركات استفادت من برامج الضمان الاجتماعي ولم تدفع القيمة المخصصة عليها. ويضيف أن "غياب الرقابة القانونية أثناء جائحة كورونا، جعل أصحاب العمل يقومون بانتهاك حقوق العمال وذلك غير مقبول، ولا يزال أمامنا الكثير من الجهود للوصول إلى مرحلة الوعي الاجتماعي لأن هذا الانتهاك يضر المجتمع بأكمله".
ويطمح الاتحاد وفق المعايطة، أن يكون هناك تعديل على الأنظمة للتسريع في إجراءات استرداد حقوق العمال، وألا يقتصر دور الجهات المختصة أي وزارة العمل في إصدار توصيات فقط، إضافة لتعزيز فرق التفتيش بكوادر ورقابة إضافية من خلالها يضمن العامل حقه أو يتم ردع صاحب العمل عن ممارسة هذا الانتهاك.
في الأثناء وبعد 4 أشهر من فصله، لا زال مدين الزبيدي يترقب من يرجع له حقه في العودة لعمله، فيما ينتظر محمد عزام بصيص أملِ لإيجاد وظيفة يستطيع أن يعتاش منها دون أن يطلب أو يلجأ لأي شخصِ لمساعدته أو يزيد من قيمة الدين المتراكم عليه.