حقوق الانسان والذكاء الصناعي..سؤال الحاضر والمستقبل
عند مناقشة موضوع الذكاء الصناعي و تأثيرها على منظومة حقوق الانسان لا بد لنا ان نعي التأثيرات و التحديات التي يشكلها النمو المتسارع للتكنولوجيا في هذا الاطار مع التأكيد على ان الذكاء الصناعي له تأثيرات ايجابية عديدة على حياة البشر و يسهل حياة الانسان اليومية في المجالات التكنولوجية و الطبية ومع ذلك تثير استخدامات الذكاء الصناعي تحديات جديدة تتعلق بحقوق الانسان و القيم و المبادئ التي تقوم عليها فلسفة حقوق الانسان في العالم كالتعليم و الصحة و قطاع العدالة و حرية الرأي و التعبير وغيرها, ناهيك عن التقارير الحقوقية التي ترصد التجاوزات و انتهاكات حقوق الانسان و مدى التأثر و التأثير في هذه التقارير. و هل سنشهد في المستقبل تحقيقات و تحليل بيانات لتقارير حقوقية قائمة على استخدام تقنيات الذكاء الصناعي و السؤال الاهم, ما مدى دقة و صحة و مصداقية هذه التقارير و البيانات او الانتهاكات وما مدى ثقة الافراد بمحتواها ؟
لعل ابرز التحديات يكمن في قضايا الحق في الخصوصية و حماية البيانات الشخصية فاستخدام الذكاء الصناعي يتطلب و على نطاق واسع جمع اكبر قدر من البيانات الشخصية الحساسة احيانا , فهل يتم جمع هذه البيانات و مراجعتها وفق انمطة تحمي خصوصية الافراد و تضمن سرية المعلومات الشخصية. وفي سياق اخر ما هو احتمال وجود تمييز و تحيز في تقديم البيانات؟ حيث يمكن لأنظمة الذكاء الصناعي وبشكل غير مقصود بالطبع ان تخلق نمط تمييزي و متحيز بناء على تقديرات و بيانات غير صحيحة تؤدي الى انعكاس تحيزات اجتماعية و عرقية و جنسية و غيرها من معايير التمييز المعروفة في العالم , فعلى سبيل المثال يمكن ان تؤدي خوارزميات الذكاء الصناعي الى اتخاذ قرارات غير عادلة او تقديم بيانات غير صحية مرحليا بناء على احكام مسبقة او بيانات سابقة او متحيزة او قائمة على انماط سلبية تنتهك حقوق الانسان .و هل سيكون من المتاح مراقبة هذا الامر و معالجته لضمان عدم استخدام انظمة الذكاء الصناعي لتجاوز هذه التحديات؟
اما الحديث عن مدى تأثيرات استخدام الذكاء الصناعي على قضايا العمل والانعكاس الاكيد على سوق العمل ولأسبقية استخدام التقنيات الصناعية الحديثة فقد شاهدنا جميعا حجم التغيير الهائل في سوق العمل لدى بعض القطاعات واستبدال العمال بالآلات الذكية مما قد يشكل اخلالا بالتوازنات الاجتماعية و ينتهك الحق في العمل -لا بل- العمل اللائق بجميع عناصره و الذي يعتبر احد اهم اهداف التنمية المستدامة التي تبنتها الامم المتحدة منذ سنوات اذا ما صير الى توسع اكبر في استخدام تقنيات الذكاء الصناعي.
الحديث يطول حول هذا الموضوع و لا نزال في بداية الطريق و عليه لا بد ان تقوم المؤسسات الحقوقية الدولية و الوطنية و مؤسسات المجتمع المدني بفتح الحوار و اطلاق منصة لجمع الآراء حول مدى تأثير استخدام تقنيات الذكاء الصناعي على منظومة حقوق الانسان و ضرورة وضع تشريعات و سياسات تحد من سوء استخدام تقنيات الذكاء الصناعي بما يشكل انتهاكا لحقوق الانسان و هذا يعني بالضرورة وجود اتفاقية دولية و قوانين وطنية تنظم التعامل مع الذكاء الصناعي بما يعزز قيم حقوق الانسان ترتكز على تعريفات واضحة الدلالة بما في ذلك تعريف حقوقي للذكاء الصناعي بالإضافة الى ضرورة ايجاد منظومة قيم و مبادئ و معايير اخلاقية تحدد المسؤولية المدنية و الجزائية للحفاظ على حقوق الافراد و خصوصيتهم عند جمع و معالجة و استخدام و مشاركة البيانات المتحصلة من استخدامات الذكاء الصناعي و ضرورة تطبيق معايير شفافة وواضحة لتعزيز الامن و السلامة الرقمية للمخاطر المحتملة لاستخدامات الذكاء الصناعي و اجراء الاختبارات و التقييم المستمر للتأكد من نجاعة معايير السلامة و الامن الرقمي.
المدير التنفيذي في منظمة محامون بلا حدود