"حقوق الإنسان": ارتفاع نسبة الاكتظاظ في مراكز الإصلاح إلى 182%

زيادة عدد النزلاء يفاقم من ضعف حقوق توفير المأكل والملبس والرعاية الصحية
الرابط المختصر

كشف التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان الصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان عن ارتفاع عدد نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل العام الماضي بـ3108 نزلاء، مقارنة بما كان عليه في العام 2022، بينما بلغ عددهم العام الماضي 24240 نزيلا مقارنة بـ21132 نزيلا في سابقه.

وأكد التقرير استمرار مشكلة الاكتظاظ في المراكز، ما يؤثر على حقوق النزلاء، ويحد من إمكانية خدمتهم، إذ وصلت نسبة الاكتظاظ في المراكز لـ182 %، ما يؤدي إلى مشكلة مضاعفة، وفق التقرير، تتمثل بتبعات هذا الاكتظاظ، الذي يصعد العنف داخل المراكز، وينعكس على ضعف تطوير البرامج التأهيلية للنزلاء، ويتسبب بانتشار الأمراض، إذ بلغ عدد المصابين منهم بأمراض صدرية (معدية) لـ9.
كما بين التقرير أن المركز الوطني استقبل العام الماضي 3 شكاوى من ذوي النزلاء، تحدثوا فيها عن تعرضهم لمشاكل صحية خلال إيداعهم في المراكز، وأصيبوا بمرض السل المعدي.
ويرى متخصصون وناشطون في حقوق الإنسان، أنّ اكتظاظ المراكز أصبحت مشكلة متكررة، وظاهرة تتفاقم، لافتين إلى أنّها تمس حقوق الإنسان، بخاصة الأساسيّة منها، مثل: توفير المأكل والملبس والرعاية الصحيّة، وغيرها. وأكدوا ضرورة إنجاز مراجعة شاملة وجذريّة لحل مشكلة الاكتظاظ، التي ما تزال مستمرة وتتزايد حدتها عاماً بعد عام.
أستاذ القانون العام المشارك عميد كلية الحقوق بجامعة البتراء د. علي الدباس، بين أنّ اكتظاظ السجون مشكلة متكررة منذ سنوات، برغم ما يتخذ من إجراءات بصدد حلها، مؤكدا أن تفاقهما يرفع من كلفة التأثيرات السلبية على الحقوق الأساسيّة للنزلاء، ومن أبرز هذه الحقوق التي تتراجع في هذا النطاق، الانخراط في برامج الإصلاح والتأهيل، وضعف توفير الخدمات الأساسية كالصحة والأسرة والتعرضهم للهواء وأشعة الشمس، وغيرها.
وأشار الدباس إلى "أن الاكتظاظ انتهاك صارخ لحقوق الإنسان"، يؤدي إلى التأثير مباشرة على نوعية الرعاية الصحية المناسبة والخدمات الأساسية، كالنظافة وغيرها، داعيا إلى ضرورة إنجاز مراجعة شاملة وجذريّة لحل هذه المشكلة.
المستشار في المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محمد شبانة، قال إن الاكتظاظ جراء زيادة أعداد النزلاء، من أكبر المشاكل التي تواجه أنظمة الإصلاح والتأهيل في العالم، ففكرة العقوبة وفق معايير معاملة نزلاء المراكز في نطاق قواعد نيلسون مانديلا، أصبحت أكثر ارتباطا ببرامج التأهيل والإصلاح وإعادة الإدماج، التي قد لا تحقق الفائدة المرجوة منها في حال زيادة أعداد النزلاء عن طاقة المراكز الاستيعابية.
وأضاف أنّ هذه المشكلة التي أضحت ظاهرة في المراكز، تؤثر بشدة على تلبية الاحتياجات الحياتية للنزلاء، ناهيك عن تراجع برامج إعادة التأهيل والإصلاح في المراكز بسببها، وحينما نتحدث عن نسبة 182 % من النزلاء في المراكز، فهذا يعني أن إمكانيات التصنيف والتسكين والنظافة العامة والصحة وأماكن النوم والإطعام، تتطلب إمكانيات مادية وبشرية وبرامجية أكبر لتلبيتها، نتيجة مضاعفة الأعداد وتجاوزها للحد المخطط لها لتلبية الخدمات.
وأضاف شبانة، إن خطط وبرامج تنفيذ العقوبة الفردية بالنسبة للنزلاء، قد تعوقها النسبة العالية من الاكتظاظ، وتؤثر بشدة على فعالية البرامج النفسية والاجتماعية والمهنية والدينية التي تستهدف الإصلاح وإعادة الإدماج في المجتمع، ناهيك عن المسائل المتعلقة بأمن العاملين والنزلاء وأمن المراكز نفسها.
يشار هنا، إلى أن الاكتظاظ في المراكز لا يقع مباشرة على أجهزة إنفاذ القانون والجهات المشرفة عليها، وإن كانت هي الأكثر تأثرا بعواقبها، بل يرتبط مباشرة بالسياسات الجنائية المعتمدة، والتي يمكن إجراء إصلاحات تشريعية وتنفيذية تحد من المشكلة.
وذكر شبانة، بأنه على صعيد المملكة، كان هناك مجموعة إصلاحات تشريعية، تستجيب لمشكلة الاكتظاظ وزيادة فرص مواجهته، كالعقوبات البديلة والعمل للمنفعة العامة، وبدائل الإصلاح المجتمعي، وأيضا المراقبة القضائية والمجتمعية، والإفراج المشروط والسوار الإلكتروني التي أثبتت فعاليتها بتحقيق أهدافها، من حيث الإصلاح المجتمعي، وتخفيف العبء على المؤسسات السجنية، وتمكينها من تنفيذ برامج إصلاحية أكثر كفاءة، إذ تحتاج الإصلاحات على مستوى التشريع والتنفيذ لتضافر الجهود الرسمية والمجتمعية وحشد الموارد.
وأشاد المركز الوطني، بصدور تعليمات للتعامل مع نزلاء المراكز المضربين عن الطعام أو الشراب لسنة 2023، التي وحدت إجراءات التعامل مع حالات الإضراب من جهة، وكفلت للنزيل الحق بالإضراب، مع الإشارة إلى مراعاة حالته الصحية كأولوية، وعلى سبيل المثال استمرار حالة الإضراب في حال تناول النزيل المضرب الأدوية المزمنة.
ونفذ المركز الوطني وفق التقرير 100 زيارة رصدية للمراكز العام الماضي، و4 زيارات لنظارات مستشفى البشير، وزيارة لنظارة مستشفى التوتنجي، وكان أبرز ما رصده في هذه الزيارات، هو استمرار مشكلة الاكتظاظ في المراكز، ما يلقي بتأثيرات قاتمة على حقوق النزلاء، ويحد من إمكانية توفير الخدمات لهم.
وحول شكاوى قدمت للمركز الوطني من ذوي نزلاء، بين أنهم تعرضوا لمشاكل صحية، تتمثل بإصابتهم بمرض السل، موضحا بأن هناك نزيلا في مركز إصلاح وتأهيل إربد، خاطب المركز مديرية الأمن العام بشأن إمكانية حصول ذويه على تصريح دائم لزيارته أثناء وجوده في المستشفى، وجاء ردها بمنحه التصريح طيلة فترة بقائه قيد المستشفى خلال أيام الأحد والثلاثاء والجمعة.
كما أن هناك نزيلا في مركز إصلاح وتأهيل معان، جرت مخاطبة مديرية الأمن العام بشأن تمكين نجله من التواصل مع العالم الخارجي، ومع ذويه لتوفير الدعم الاجتماعي والمعنوي، كذلك مساعدتها بنقل نجلها إلى مستشفى البشير لتلقي العلاج بإشراف ورقابة طبية متخصصة في المستشفى. وجاء رد مديرة الأمن العام، بعزل النزيل بعد التأكد من إصابته بالسل لحين تماثله للشفاء، واتباع البروتوكول الصحي المعمول به في مثل هذه الحالات، ومنع اختلاطه بباقي النزلاء، للحد من تفشي المرض، مع العلم بأنه لم يحرم من حقوقه، من حيث إجراء المكالمات مع ذويه.
أما النزيل الثالث، فقد كان في مركز إصلاح وتأهيل معان، وجرت مخاطبة مديرية الأمن العام كونه مقيدا برغم وجود توصية طبية بخصوص عدم تقييده، مراعاة لوضعه الصحي، إذ يعاني من مرض السل، وقد نفذ المركز الوطني زيارة له لدى قسم العزل في نظارة مستشفى البشير، وجاء رد مديرية الأمن العام بأنه أدخل النزيل لـICU غرفة العزل، كونه مصابا بمرض السل، إذ إن الطبيب المشرف أوصى بعدم تقييده ونفذ ذلك.
كما بلغ عدد حالات الانتحار 3 حالات في مراكز الإصلاح العام الماضي، وهو رقم يقترب من عدد الحالات المرصودة في سابقه بحيث بلغت 4 حالات، بينما أحبطت في مراكز الإصلاح 189 محاولة انتحار العام الماضي، مقارنة بـ131 حالة لسابقه.
كما رصد المركز دور مراكز الإصلاح برفع المستوى التعليمي للنزلاء عبر تمكينهم من الاستفادة من فرص التعليم الأكاديمي والتدريب المهني، إذ عقدت 477 دورة لمحو الأمية، استفاد منها 11197 نزيلا، كما وتقدم لامتحان الثانوية العامة 110 نزلاء.
وفي الإطار ذاته، افتتحت مديرية الأمن مدرسة عمر بن عبد العزيز الخاصة بتدريس منهاج وزارة التربية التعليم للنزلاء في مركز إصلاح وتأهيل الزرقاء، إذ تقدم خدمات تدريس للنزلاء من الصف السابع وحتى الصف الثاني الثانوي "التوجيهي" الأدبي بواقع 100 نزيل في المرحلة الأولى، فيما يشرف عليها كادر من مرتبات الأمن العام، ممن يحملون الدرجة الجامعية الأولى، واجتازوا دورات تأهيل معلمين، خاصة بوزارة التربية والتعليم لتدريس مناهج الوزارة.
وأشار التقرير، إلى حرص مديرية الأمن على رعاية ومتابعة ومساعدة النزلاء، وتحفيزهم للانخراط في البرامج الإصلاحية، إذ جرى تكريم 25 نزيلا من حفظة القرآن الكريم، و25 ناجحا في الثانوية العامة، لما أبدوه من إصرار على التعلم، وتنمية معارفهم وقيمهم الدينية، وتقويم سلوكهم.
وأوصى التقرير باتخاذ الإجراءات اللازمة من الجهات كافة للحد من مشكلة الاكتظاظ في مراكز الإصلاح، بما في ذلك التوسع ببدائل العقوبات السالبة للحرية والتوقيف، مؤكدا ضرورة إجراء دراسات للوقوف على أسباب الانتحار للحد منها وفق دراسات اجتماعية، وبنهج تشاركي بين مؤسسات الدولة.

أضف تعليقك