حريق البخارية.. نيران تأكل ارث الأجداد
أكوام البضائع المتفحمة وأثار الحريق الهائل هي العلامة الأبرز في سوق البخارية بعد أن كان السوق يضج بالحياة والزوار ليرسم وجه وسط البلد عمان.
وفي زيارة سريعة للسوق لن تجد المشهد العماني المألوف من باعة و ممرات ضيقه و أصوات لا تنقطع تدلل على بضاعتها، فاليوم تجد هنالك مجموعات من الشباب تعمل على إخراج البضائع المتفحمة، وتجّار يتسمرون امام ما تبقى من محلاتهم غير مصدقين لما جرى، البعض يطلقون النكات بطريقة شبه هستيرية ، والبعض الآخر يقف منتظرا أن يعود محله كما كان .
"كارثة بل كارثة كبرى "هو أول ما يتبادر لسمع الداخل والخارج لأسواق البخارية والبلابسة وفيلادلفيا ،بعد الحريق الذي أتى عليها فجر الخميس الماضي .
هذا ما شاهدناه عندما دخلنا الأسواق بعد أيام من الحريق، بعض التجار تحدث لنا بأسى عن قصص محلاتهم و عن تاريخ السوق وعراقته، ومكانته في نفوسهم كون هذه المحلات هي لآبائهم وأجدادهم .
يتحدث محمد صاحب محل في سوق البلابسة ورثه عن أجداده ويقول:" هذا معلم حضاري وتاريخي ،أنشأ السوق عام 1937 ، لقد كان المحل مصدر رزق، وتاريخ، وعمر، وحياتنا، لقد ولدنا هنا ! أجدادنا وآبائنا عاشوا هنا"
أما صاحب شركة " الحاج حسين التجارية " وهو محل لبيع الإكسسوارات والكلف فيتحدث عن تاريخ محله قائلا : " المحل لجدي .. لقد عاشت على المحل 3 عائلات، 3 سلالات متتالية منذ عام 1948، والآن المحل متفحم وخسائري تقدر ب 60 الف دينار " .
في نفس الوقت يرى البعض أن الحل " يكمن في بناء السوق من جديد وعلى الطريقة القديمة ، وعندها يعود كل شيء لطبيعته " حسب قول أحد التجار .
كما ان أصاحب محلات "حسين محمود ظاظا " و " عمو ناصر يطالبون " بإعادة السوق كما كان: " تستطيع الحكومة فعل ذلك في حال إعتنت بالسوق كما اعتنت بالمدرج الروماني منذ سنوات ، عندها سيعود السوق كما كان " حسب قولهم .
ويؤكد صاحب شركة " أبناء علي القمحاوي للعطور ومواد التجميل " حديث زملائه قائلا : "ما ذهب هو إرث للأردن وليس لنا وحدنا ،وباستطاعتنا إعادته لو أصلح السوق و أعيد إعماره، فهذا تراث ولن ننسى تراثنا ، لكن الآن الوضع سيء جدا تحت الصفر ، نحتاج الى تعويضات تفوق ال 25 مليون دينار"
صعوبة إخراج البضائع المتفحمة وعدم توفر أدنى درجات السلامة، بالإضافة للخسائر التي تكبدها التجار كانت أيضا أحاديث مسيطرة على أصحاب المحال التجارية بالأسواق. يقول صاحب محل إكسسوارات في سوق البلابسة منذ 22 عاما : " لقدكان المحل يشكل حياتي كلها ماديا واقتصاديا ومعنويا والآن احترق بنسبة 60% ،والمخازن تفحمت بالكامل،وخسائري تقريبا 60 الف. لا أحد يساعدنا من أجل اخلاء المحال، و بالداخل كارثه ونحن لا نستطيع القيام بشيء! لا يوجد الا رجال الشرطه الذين يقومون بأخذ اقوالنا."
يتابع : "لقد كانت هناك مشكلة في الكهرباء وتم إبلاغ شركة الكهرباء بذلك عدة مرات ،وقاموا بصيانه سريعه ، ولم ينصحوا بتبديل الشبكة ."
وعن توفر شروط السلامه العامة يقول نفس التاجر : " الحديث عن مخرج طوارئ هو نظرة الدفاع مدني ، إن هذه المباني ضيقة ومتصلة، وصنع مخرج طوارئ يحتاج الى هدم المباني كلها،لكن بالإمكان وضع ادوات السلامه العامه مثل طفايات الحرائق و الانذار مبكر" .
أما في المدخل الآخر لسوق البلابسة وتحت أسقف آيلة للسقوط وقبيل مناشدة رجال الدفاع المدني لغرض تثبيت الجدران ؛تحدثنا مع تاجر أقمشة حول الحادث وقال : "لا توجد أي إجراءات سلامة ، في أي لحظة المكان مهدد بالسقوط، المكان هنا يحتاج لترميم . لقد كان الحريق اكبر من حجم الدفاع المدني ، لم يستطيعوا السيطرة ، فإحترقت كل البضائع وتحول المكان الى رماد .
ويضيف " هنا سوق البخارية والبلابسه اقدم الاسواق بالأردن ، هذا تراث الأردن ، اي سائح يأتي عمان كان يأتي الى هنا ويلتقط صورا لكل زوايا المكان، جميعنا لدينا ذكريات قديمة وجميلة هنا. عمر محلي 60 عاما وقد احترق بالكامل، خسائري تفوق ال 300 ألف دينار!"
شكوى أخرى التقطناها من صاحب محل في سوق البلابسة محتجاً على تعاطي وسائل الإعلام مع الحادث، قائلا: " لماذا ركزت كل وسائل الإعلام على سوق البخارية ؟ فعلياً البخارية لم يتضرر ، إنما البلابسة وسوق فيلادلفيا احترقا بالكامل، ولم يذكر اسمهما في الكثير من الفضائيات".
حتى رجال الدفاع المدني المتواجدين في المكان عبّروا عن حزنهم العميق عندما تحدثنا لسائق سيارة إطفاء ليصف لنا ما جرى ، فما كان منه الا جملة واحدة " ما حصل كارثة كبرى، أثناء قيامنا بإطفاء الحريق كنا نشعر أنّ ما بداخل السوق وكأنه لي .. لنا .."
أما الملازم قيس القرعان من مركز وسط البلد فوضع اللوم على سوء تخزين البضائع ، وقال : " سوء التخزين كان السبب الرئيسي في الإتجاه للأسوأ ، بالإضافة أن المحلات صغيرة ومتلاصقة وبضاعه كبيرة ، وعدم توفر سبل السلامة العامة داخل المبنى، كما كان وضع تمديدات الكهرباء سيئا."
إنطفأت النار في أسواق فيلادلفيا والبخارية والبلابسة بعدما أتت على معظم المكان،تفحمت البضائع وتكبد التجار خسائر تقدر بالملايين ، ولكن ؛ لم يبكِ كلّ على ليلاه ،إنمّا إشترك الجميع في حزن أكبر؛الا هو إحتراق أحد أهم معالم عمّان وأكثرها عراقة وقِدم،والشاهد على تاريخ مدينة عمّان التي تجتاحها الحداثة .
يعود تاريخ السوق الى ثلاثينات القرن الماضي ، قد كان بشكل بدائي وعبارة عن عدة بسطات توضع امام الساحة الخارجية للمسجد الحسيني الكبير لبعض الباعة من البخاريين القادمين من (بخارى).
ثم تطور الامر بان قاموا بعمل أكواخ من الخشب والزينكو أمام المسجد الحسيني.. ولكن حريقا أتى على أكواخهم تلك في بداية الاربعينات حتى احترقت.
وبعد ذلك اختاروا موقعا ثابتا وهو هذا الموقع الذي ما زال حتى هذه اللحظة في محلات وبنايات حجرية وذلك في العام 1942 اذ يعتقد ان سوق البخارية هو من أقدم الأسواق في مدينة عمان.
وقد اشتهر سوق البخارية وسوق البلابسة (وهذا السوق الثاني انشئ بعد سوق البخارية ربما بعشر سنين) ببيع المقصات وأدوات الحلاقة وابر الخياطة وأدواتها من أزرار وكلف وخيطان، ثم الاحزمة الجلدية ثم المحافظ (الجزادين) والقداحات والاقلام والنظارات وحلى النساء (الفالصو) من خواتم وأساور وعقود وأطواق وحلق، وجميع انواع البخور، ثم العطور بأنواعها وألعاب الاطفال والميداليات ولوازم الحج وهداياهم، والآلات الموسيقية البسيطة والمسابح الشعبية والفاخرة، ومكياج النساء وأدوات التجميل.
و يقع سوق البخارية بالقرب من المسجد الحسيني الكبير الذي يرتبط تاريخ تأسيسه ببدايات تأسيس إمارة شرقي الأردن عام 1921، ويقودك السوق للمعالم القديمة لعمان والتي كانت ولا تزال أحد الشواهد على تاريخ تأسيس العاصمة الأردنية.
وتعود قصة سوق البخارية إلى عام 1934 عندما أسس كمال الدين البخاري السوق الذي استقر في مكانه الحالي عام 1942.
صور السوق:
*للحصول على اخبار عمان نت مجانا دون تكلفة مادية.. أرسل كلمة:
عمان نت الى الرقم 97999











































