حراك متسارع لتشكيل أحزاب بالأردن.. وقلق من "تدوير النخب"
يشهد الأردن حراكا متسارعا لتشكيل أحزاب سياسية، خاصة بعد صدور القانون الجديد المتعلق بآلية تشكيلها.
قانون الأحزاب الجديد، والذي صدر بصورة رسمية قبل أسابيع قليلة، جاء في إطار إصلاحات سياسية، وجه بها عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، عقب تشكيل لجنة ملكية في حزيران/ يونيو الماضي.
وكانت مهمة اللجنة الملكية وضع مشروع قانون جديد للانتخاب، وآخر جديد للأحزاب، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة بالقانونين، وآليات العمل النيابي.
لكن مسارعة مسؤولين ووزراء سابقين وشخصيات محسوبة على الحكومة بتشكيل أحزاب أثار قلق البعض على المشروع الإصلاحي في البلاد.
التحدي في الإقناع
الخبير البرلماني عامر بني عامر، اعتبر أن "مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية لم تأخذ الوقت الكافي للحكم عليها بأنها فاعلة مع رؤى الملك، وتطلعات الشعب، أم لا".
وحول مسارعة مسؤولين ووزراء سابقين لتشكيل أحزاب وفق الرؤية الجديدة، وأثر ذلك على المشروع الإصلاحي، أوضح بني عامر أن "الأحزاب في أي دولة بالعالم، لا بد أن يكون جزء من قيادتها نُخبا، والوضع الطبيعي أن تكون تلك النخب المبادرة بتشكيل الأحزاب".
وتوقع أنه "خلال العامين القادمين ستكون أشكال الأحزاب مختلفة بشكل كبير، ولن تتوقف عند أسماء وفئات معينة".
وأضاف بني عامر: "لا يعيب تلك النخب أن تعلن عن تشكيل أحزاب في وقت مبكر مقارنة بالفئات الشعبية الأخرى، وهذا لا يعني بالمطلق أنها ستكون صاحبة السيطرة، فمن يعطيها ذلك من عدمه هو المواطن صاحب الاختيار".
وأشار: "هناك أصوات تتعالى وتهيء للمواطنين بأن هذه النخب تمثل أصوات الأردنيين، ولكن ما تم الإعلان عنه بتلك الأسماء حزبان فقط، وهما لا يمثلان النسبة الأكبر للأحزاب، والتي يزيد عددها عن 50 حزبا حتى الآن".
وأرجع بني عامر، سبب الإعلان المبكر لهذه النخب عن تشكيل أحزابها إلى "قدرتها على صياغة برامجها وترتيب أمورها بشكل أسرع، في ظل ما يحمله بعض أعضائها من خبرات سياسية"، ولفت إلى أن رؤية الملك تتمثل في "وجود أحزاب فاعلة".
واعتبر أن ما دفع تلك النخب إلى هذه الخطوة "التعديلات المتعلقة بآلية تشكيل الأحزاب، والحصانة، والضمانات التي أعطيت لها بموجب القانون الجديد".
تدخل الدولة العميقة
طلال صيتان الماضي، السياسي السابق وأحد شيوخ العشائر، قال إن "تسابق النخب نحو الأحزاب حق طبيعي لهم، للتكيف مع الحالة القادمة، رغم تعارض ذلك مع قناعة الشعب وبأن المُجرّب لا يُجرب".
واستدرك أن "المطلوب تغيير نمط إدارة الدولة بما يتلاءم مع التعددية الحزبية، فإقرار قانون الأحزاب الجديد مرحلة متقدمة ولكن هذا لا يكفي".
وأوضح: "لا بد من توضيح الأنظمة والتعليمات والتفسيرات المتعلقة بالعمل الحزبي، وخاصة مسألة تمويل الأحزاب التي سيكون لها دور في قوتها وبرامجها التي يمكن أن تطرحها".
ولفت إلى "أن وجود مسؤولين حاليين وسابقين بالأحزاب الجديدة دليل على أن التغيير المطلوب شعبيا لن يكون قريبا، ولكن أعتقد أن حافز التسابق لهذه الفئة من النخب على الأحزاب، تأكيد بأن العمل الحزبي خيار الدولة القادم".
ولم يستبعد الماضي أن تكون تلك النخب حصلت على "إشارات" لتأسيس أحزاب جديدة، واعتبر أن ذلك "ليس مشكلة.. لكن المشكلة هي التدخل الرسمي بالمخرجات".
وأضاف: "الشعب من سيقول كلمته في النهاية عبر صناديق الاقتراع، ونتمنى أن يكون التدخل (الدولة العميقة) بأقل ما يمكن، حتى تنجح رؤية الملك بالإصلاح".
وبيّن أنه "على الدولة العميقة أن تعيد النظر بتدخلها (في الحياة السياسية) وأن يكون في لحظات استراتيجية، وليس في كل شاردة وواردة".
دافع نحو مشاركة سياسية
وصفي الشرعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك (حكومية)، بيّن أنه "من الصعب أن نحكم على التجربة الجديدة للأحزاب في ظل التعديلات الأخيرة بأنها ناجحة أو فاشلة إلا بعد إجراء التجربة على أرض الواقع".
ولفت إلى أن "ما يميز هذه التجربة هو أن الأحزاب القديمة بقياداتها من كافة التيارات السياسية في أغلبيتهم لم يكونوا في أماكن صنع القرار ولم يمارسوا العمل السياسي واقتصر دورهم على التنظير".
واستطرد الشرعة: "لكن نأمل مع وجود أسماء مارست العمل السياسي من قبل ولديها اطلاع على سياسة الدولة الداخلية والخارجية أن تحدث فرقا، وتسهم في تنشيط العمل السياسي بما يحقق رؤية الملك الإصلاحية".
ولم يقلل الأكاديمي الأردني من أهمية وجود تلك الأسماء في الأحزاب الناشئة، واعتبر أنها "ستكون إضافة نوعية على العمل الحزبي، وستغير كل المنظومة الفكرية للعمل الحزبي السابق، نظريا وتطبيقيا".
وأردف: "هذه الشخصيات بدأت بالفعل بعقد لقاءات مع الشعب، في مختلف محافظات المملكة، التي كانت في الأساس تمثل لهم قواعد انتخابية، سياسيا وعشائريا".
وأضاف: "رغم وجود تحفظات شعبية واضحة على تردد تلك الأسماء، إلا أنني أعتقد بأن ذلك سيسهم في دفعة شعبية نحو الانخراط في العمل الحزبي، وسيقلل من مخاوف الانخراط بها ويزيد المشاركة السياسية بالمجتمع".
وشدد الشرعة على أنه "لا بدّ أن تكون تلك الأسماء حافزا للشعب نحو مزيد من المشاركة السياسية، ولا يمكن لأي حزب أن ينجح بأسمائه، ونجاحه يكون ببرنامجه وقناعة الشعب فيه وبمرشحيه".
وتابع أن "الانتخابات القادمة في ظل القوانين الجديدة ستكون الفيصل والعلامة الفارقة في طبيعة الحياة السياسية بالمملكة".
وقال إن الانتخابات المقبلة "ستكشف عن أحزاب أكثر استمرارا ورسوخا، بما يضمن تواجدها في الانتخابات اللاحقة، وهذا ما يطمح إليه الملك بأحزاب مستقرة وليست هلامية".
إعطاء الفرصة
خالد نواف العيطان، أحد الزعامات العشائرية، أشار إلى أنه "طيلة قرن كامل كان هناك تحذير وترهيب من العمل الحزبي، ولكننا نشهد تحولا كبيرا في ذلك، والسبب إرادة الملك بأحزاب برامجية، تمثل شرائح كبيرة من المجتمع".
ودلل العيطان، على ذلك بلقاءات حضرها للملك، قائلا: "نشعر دائما بأن الملك يريد تقدما بالحياة السياسية وحضورا للشباب".
واستدرك: "بالمقابل هناك جهات أخرى (لم يسمها) تعمل بعيدا عن توجيهاته، وهذا لا يخيفنا لأننا على قناعة بأن الملك هو المرجع وصمام الأمان".
ولكن العيطان، وصف ورود أسماء (لم يحددها)، اعتبرها بـ"المرفوضة مجتمعيا" في عدد من الأحزاب الجديدة بـ"نقطة سوداء قد تخلق حالة من التشكيك نحو جدية التغيير، وعدم الثقة والمصداقية".
إلا أنه دعا في الوقت ذاته إلى "إعطاء الفرصة لإنجاح فكرة العمل الحزبي".
وبين تشرين الأول/ أكتوبر 2016 ونيسان/ أبريل 2017، أصدر الملك عبد الله الثاني، ما تُعرف بـ"الأوراق النقاشية"، وعددها 7، والتي تمثل رؤيته لتحقيق الإصلاح الشامل.
وخصص قانون الانتخاب الجديد، 41 مقعدا من أصل 138 في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) للمقاعد الحزبية.
وفي آخر انتخابات نيابية في 2020، لم تحصل الأحزاب مجتمعة سوى على 12 مقعدا (من إجمالي 130)، تقاسمتها 4 أحزاب من إجمالي 47 شاركت في الانتخابات، وهو تراجع كبير مقارنة بانتخابات 2016 التي فاز فيها 11 حزبا بـ34 نائبا، بينما حصد المستقلون بقية المقاعد.
وتتسم معظم الأحزاب بأنها مغمورة وغير فاعلة، باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين)، والذي تعرض إبان مرحلة ما يعرف بـ"الربيع العربي"، إلى تصدّعات أدت إلى حدوث انقسامات في قياداته، وتشكيل أحزاب منشقة عنه.