حدود الخطر في الأوبئة الجديدة

الرابط المختصر

من المدهش متابعة الطريقة التي تتعامل بها الكثير من وسائل الإعلام والرأي العام في الدول العربية مع قضايا كونية مستجدة مثل مرض إنفلونزا الخنازير الذي يجتاح العالم حاليا. نظرية المؤامرة تسيطر بشكل غريب على العقلية السائدة في العالم العربي ، وكما كانت الحالة في الإيدز والسارز وأنفلونزا الطيور فإن البعض يعتقد بوجود قوى خفية من شركات الأدوية تحرك هذه الأمراض ، والبعض الآخر يصل في خيالاته إلى حدود وجود مؤامرة غربية ضد المجتمعات العربية والإسلامية من أجل إشغال بالها عن مقاومة الاستعمار.

 

هذا كله بسبب النقص في التوعية العلمية وعدم وجود تغطية إعلامية مناسبة للقضايا ذات الطبيعة العلمية مما يترك المجال مفتوحا أمام اجتهادات نظرية المؤامرة. ان الحقيقة التي يعرفها العالم الآن مفادها وجود مجموعة من الفيروسات الفتاكة التي كانت دائما تسبب الأمراض لبعض الحيوانات وهي الآن تجتاز الحواجز البيولوجية وتصل الإنسان. ان مرض الإيدز وأنفلونزا الطيور وكذلك الأيبولا وبعض الأمراض القاتلة بدأت اساسا في الحيوانات وانتقلت إلى الإنسان مسببة ذعرا حقيقيا وليس مخططا من قبل قوى جهنمية وخفية.

في المكسيك يتداعى الاقتصاد المنهار أساسا بسبب المرض ، والخوف يجتاح الولايات المتحدة والعالم والإجراءات الاحترازية تصل إلى حدود إعدام قطعان الخنازير في معظم دول العالم. منظمة الصحة العالمية رفعت حالة التأهب إلى خمس درجات من أصل ست ، وهذا يعني خطوة واحدة فقط عن حالة الوباء العالمي. الإصابات تجتاج قارات العالم ولكنها في خارج المكسيك أقل حدة وقابلة للمعالجة السريرية السريعة.

كل الإصابات تقريبا حدثت في أشخاص سافروا إلى المكسيك في الشهر الماضي. وحتى في الدول البعيدة جغرافيا عن المكسيك فإن أنماط العمل والتنقل والسياحة العالمية باتت تكسر الحواجز بين الدول ، والإصابات الي حدثت في إسرائيل هي لأشخاص سافروا إلى المكسيك ، ولذلك فإن الخطوة الأولى في محاصرة أي مرض في الدول البعيدة جغرافيا مثل الأردن هي في متابعة جميع المسافرين الذين ارتحلوا إلى المكسيك في الشهرين الماضيين سواء كانوا مواطنين أو أجانب.

خارج أوروبا وأميركا الشمالية والوسطى لا توجد إصابات إلا في إسرائيل ونيوزيلندا ، وفي حالتين فقط من إسبانيا وألمانيا تم وصف حالات انتقال من إنسان إلى آخر ، ولهذا فإن الوضع الحالي ليس بالخطورة التي يمكن أن تشكل قلقا عالميا ولكنها قابلة للانتشار في حال التراخي. في الأردن تم إتخاذ إجراءات احترازية صارمة وهذا توجه ممتاز حتى لا يقع اي خطأ يدفع المجتمع والاقتصاد فيه ثمنا باهظا ، ولكن المهم أيضا متابعة التنقل من وإلى المكسيك حيث تمثل مصدر الخطر الأساسي.

من المهم التركيز على الحقائق الطبية. المرض ينتقل من الخنازير إلى الإنسان فقط في المكسيك حتى الآن ولكن توجد في السجلات الطبية حالات انتقال في دول كثيرة ولكن بمعدل واحدة أو اثنتين سنويا ولم تصل مستوى الوباء إلا في المكسيك. وانتشار المرض عالميا سببه التنقل من وإلى المكسيك وفي حالتين فقط تم نقل العدوى من إنسان إلى آخر عن طريق الهواء ، ولا توجد أية إثباتات على انتقال الفيروس عن طريق تناول لحم الخنزير ، كما لم يتم أبدا نقل فيروس إنفلونزا الطيور من خلال تناول الدجاج.

حالة إنفلونزا الخنازير من المتوقع أن يتم احتواؤها مثل إنفلونزا الطيور وسارز ولكنها سوف تبقى تذكارا على الخطورة الكبيرة التي يمكن أن تسببها الفيروسات الجديدة ، وهي أيضا مثال آخر على ضرورة توخي الكثير من الدقة في التغطية الإعلامية ، فالتغطية للشؤون العلمية بعكس الشؤون السياسية لها معايير صارمة في الدقة والمصداقية والالتزام بالحقائق.