حتى لا يبقى التطبيع أداة للتخوين
بعد 14 سنة من معاهدة السلام بين الأردن واسرائيل لا زالت الدولة العبرية مرفوضة تماما في الأردن ، وهذا السبب يعود الى الأحاسيس التي يملكهاالمجتمع الأردني في رفض التطبيع والتعاون مع دولة محتلة وغاصبة لا زالت حتى الآن تمارس العدوان وتدمير حياة المواطنين الفلسطينيين وتمنع الحق الفلسطيني وترفض كل أشكال وفرص السلام.
هذا الرفض الشعبي يبقى محترما من قبل مؤسسات الدولة الأردنية التي وقعت معاهدة السلام مع اسرائيل نتيجة الخيارات السياسية الاستراتيجية للدولة في رؤيتها لانهاء النزاع العربي - الاسرائيلي سلميا ، وهذه المعادلة بقيت خاضعة لأسس التفاهم في هذا البلد.
هذه السطور يكتبها شخص رفض التطبيع منذ اليوم الأول ولم يلتق مع اي شخص اسرائيلي لا ممثلا لحكومة ولا مجتمع مدني ولا اعلام ولا بيزنس.
ولكن وبعد الحملة الأخيرة التي قادتها "لجنة مقاومة التطبيع" التابعة للنقابات مدعومة بجمعية مناهضة التطبيع وبعض الأحزاب اليسارية والاسلامية ضد مهرجان الأردن بات من اللازم أن نعود الى الوراء خطوات لكي نحدد بالضبط ماهية التطبيع وكيفية التعامل مع هذه الملف الحساس حتى لا تبقى مجموعة من الناس أصحاب التوجهات الايديولوجية الحادة تملك حق الوصاية على تصنيف المواطنين والأحداث والنشاطات ووصفها بالتطبيع.
أن كلمة واحدة ، وبيانا واحدا وتصريح واحد يتضمن كلمة "التطبيع مع اسرائيل" قد يكفي لتدمير سمعة مثقف أو سياسي أو مؤسسة أو منظمة أو حتى حدث مثل مهرجان الأردن ولم يعد مقبولا أن يملك أصحاب التوجه الايديولوجي هذه الأداة لتدمير سمعة الآخرين.
في سنوات سابقة استخدموا أسلوب "اللوائح السوداء" لنشر اسماء كتاب ومثقفين التقوا مع اسرائيليين اما بحكم الواجب السياسي الرسمي أو من خلال التواجد في ورشة عمل أو مؤتمر.
وفي مرحلة أخرى باتوا يتهمون أي تعاون ثقافي وفني وسياسي مع عرب فلسطين التاريخية في 1948 بالتطبيع ، بل أن استضافة شخصية ذات احترام كبير مثل عزمي بشارة كانت تعتبر تطبيعا لديهم.
هناك مصطلحات ومفاهيم بحاجة الى توضيح.
التطبيع يحمل عدة أشكال ولكن في عالم صغير كهذا يجب أن نتحلى بالكثير من المنطق والعقلانية.
ليس من المعقول اتهام شخص شارك في مؤتمر أو في غذاء مع اسرائيليين في حدث عالمي بأنه مطبع.
وقد تعرضت شخصية سياسية اسلامية الى موقف طريف ونموذجي عندما تم تصويره الى جانب حاخامات اسرائيليين كانوا يسيرون بجانبه بالصدفة في مؤتمر دولي وتم اتهامه بالتطبيع وبات في حاجة الى الدفاع عن نفسه أمام مناصريه،، المسألة الأهم من فهم التطبيع المباشر بين الأردني - الاسرائيلي في محفل ما هي التطبيع من خلال طرف ثالث.
اذا كانت مؤسسة ما أو شركة ما قامت بتنفيذ مشروع أو مؤتمر في اسرائيل أو مع مؤسسة اسرائيلية هل ينبغي الامتناع عن التعامل معها؟ هل يفترض بدائرة العطاءات العامة في وزارة الأشغال مثلا رفض استقبال عطاءات لشركات عملت في اسرائيل أو لها فروع فيها؟ هل يفترض بنا مقاطعة الاتحاد الدولي لكرة القدم لأنه ينظم مباريات في اسرائيل؟ لا بد من وضع الحدود والضوابط والا أصبحت المسألة مزاجية وخارجة عن كل المعايير.
التطبيع أولا مسألة شخصية ولا أحد يملك الحق في اجبار الناس على سلوك معين.
في حال تم التطبيع بعيدا عن اطار مصلحة وطنية تقتضيها فان من المهم رفض ذلك السلوك والتحذير منه ولكن بدون تصنيف الناس وتشويه سمعتهم واعطاء أية جهة الحق في احتكار الوطنية.
بالطبع من الصعب الوصول الى حل مثالي لأن تنظيمات المعارضة الايديولوجية لن تتخلى عن أهم أداة تملكها في تحريض مشاعر الناس ضد معارضيها في الرأي ولن تتوقف النماذج والأمثلة على وجود روابط أردنية - اسرائيلية أما مباشرة واما عن طريق طرف ثالث ، لكن العيب هو في استخدام هذه الروابط لتصفية الحسابات الشخصية والايديولوجية وهذه ليست بطولة.
* نقلا عن الدستور الاردنية