حتى لا تتكرر تجرية "امنية"
يبدو أن عرض هيئة الاتصالات للجيل الثالث فشل في استقطاب عروض من المستثمرين المستهدفين، ولن ندعي المعرفة الفنية بتفاصيل العروض، لكن باستثناء شركة "اورانج" لم نجد من يتقدم بعرض مالي مقنع، وحتى العرض الوحيد الذي تم تقديمه بما يعادل 50 مليون دينار، تضمن شروطا لا يمكن القبول بها من قبل هيئة تنظيم الاتصالات لأنها تضع شروطا على عدم منح تراخيص مشابهة لمنافسين لمدة ثلاث سنوات، وفي العادة فإن المتقدمين لعطاء ما يلبون الشروط المرجعية ولا يضعون شروطا إضافية.
ولعل هذا ، وليس عدم تقديم الضمانات الكافية، هو السبب الحقيقي لرفض العرض وتأجيل الموضوع الى حين صياغة شروط جديدة وطرع عطاء جديد يجذب مستثمرين جددا، ونحن بصدد الحديث عن العرض الجديد فإننا نستذكر تجربة بيع رخصة "امنية" التي اثارت جدلا طويلا بسبب الفرق الكبير بين سعر البيع الحكومي للرخصة والقيمة الفعلية التي أظهرتها القيمة السوقية بعد سنة من الترخيص، في حينه لم يطلع كثيرون على كيف تم بيع الرخصة الأولى أو كيف تم تسعيرها، في حينها سادت قناعة بأن السوق مشبعة وأنها لن تستوعب شركة جديدة والدخول الى السوق كان أشبه بمغامرة، ويجب الاعتراف بأن "امنية" أدخلت نموذج المكالمات منخفضة الكلفة وزادت المنافسة في السوق وثبت خطأ الحكومة، فهل كان ذلك فسادا متعمدا أم فشلا في قراءة السوق ومتغيراته؟
لن نعود الى الماضي الذي تشكلت في حينه لجنة نيابية لدراسته من دون التوصل لنتائج حاسمة، ولكن وضع الجيل الثالث حاليا من ناحية الطلب في السوق والإقبال على تلك الخدمات لا يزال في مراحله الأولية، وهذا لا يعني بيع الرخصة للمنافس الوحيد الموجود وبناء على السعر والشروط التي يريدها؛ فما العمل وكيف يمكن تجاوز هذه المعضلة التي تتكرر بأشكال مختلفة سواء من ناحية تلزيم عطاءات أو شراء أنظمة وغيرها؟ لقد بات من الضروري الإقرار بأن القطاع العام لا يمتلك الخبرات اللازمة لضمان أفضل الشروط والصفقات لصالح الحكومة.
والمخرج يكون بالإستعانة، بأسلوب شفاف وواضح ووفقا لمعايير ديوان المحاسبة، بدور الخبرة والاستشارات اللازمة، وفي العادة فإن كلفة هذا النوع من الخدمات مرتفعة، وفي حالة الجيل الثالث، أو الديسي، أو سكة حديد الزرقاء-عمان ستثور ثائرة الشارع والمراقبين لو علموا أن هناك مسشارا عالميا يتقاضى مثلا مليون دولار لتقييم قيمة الرخصة أو يساعد في صياغة شروط العقد الذي يعني حال نجاحه توفير مئات الملايين، سيعتبر ذلك تبذيرا للمال العام من دون مبرر. وقلة ستفكر بالدخل الضائع الذي كان من الممكن تحقيقه لو تم تنفيذ العملية وفقا لأفضل الممارسات.
فما هي الخسائر الحقيقية؛ هل هي تلك التي تتكبدها الخزينة على شكل دخل ضائع لا يحتسب لأن شروط التنفيذ صيغت باسلوب ضعيف، أو نظرا لأن القدرات المؤسسية ضعيفة، أم الخسائر المباشرة التي يمكن تحملها لمرة واحدة؟ ومن ناحية التعاطي الإعلامي، وهذا تناقض، يتم التركيز في العادة على النفقات المباشرة وليس الخسائر غير المباشرة التي تترتب على هكذا ممارسات، وهنا لا بد من التوضيح أننا لا نتحدث عن استشارات تصوغ لنا برنامج تنمية، بقدر ما هي استشارات فنية تحتاج الى معرفة متخصصة كما هو الحال في مجال الاتصالات.
مع استبعاد شبهة "الفساد" فإن الاستعانة بالخبرات وصياغة الشروط بشفافية وعدم التسرع في إحالات المشاريع سيجنبنا تكرار أخطاء كبيرة ارتكبت في الماضي سواء عن حسن نية أو سوئها، النتيجة سيان فيما يخص الأموال العامة الضائعة التي لم تحصلها الخزينة وينالها القليل من الاهتمام، فالمسافة شاسعة بين مساعدة فنية بحتة وبين تدخل في التخطيط التنموي الذي يجب أن يكون وطنيا بالدرجة الأولى؟











































