جمعيات المبادرات الشخصية: حاجة خاصة لفائدة عامة
كما يقول المثل،" مصائب قوم عند قوم فوائد"، لعل لهذه العبارة تترجم شعور أشخاص مروا بحادثة ما، تركت جرحا عميقا في أنفسهم..
ويبدأون بالتفكير "باستثمار المأساة إيجابياً " على ارض الواقع لفائدة المجتمع.
وبتنا نلاحظ في الآونة الأخيرة انتشار عدد كبير من الجمعيات التي أنشئت بدافع شخصي، لأجل توعية المجتمع الأردني بمختلف القضايا الحياتية والأمراض التي يغفل في بعض الأحيان المسؤولون التركيز عليها كخطورة حوادث السير مثلا!.
فاغلب هذه الجمعيات جاءت بعد إصابة شخص بالعائلة أو بعد أن وفاته المنية إثر مرض ما، ولعبت بذلك هذه الجمعيات دوراً فاعلاً في توعية المجتمع بنشاطاتها وبرامجها المختلفة في مجالها، فأصبحت مؤثرة على الرأي العام في اتخاذ قرارات وتحريك ملفات بقيت مقفلة بإحكام إما سهواً أو مسكوتاً عنها في أدارج المسؤولين لسنوات!.
أمثال هذه الجمعيات كثر.. جمعية أصدقاء مرضى الدم الأردني، جمعية المعاقين عقليا، جمعية ونادي أصدقاء كبار السن، مبادرة حكمت للسلامة المرورية، وجمعية ضحايا الألغام، وجمعية غسيل الكلى وغيرها.
قانونيا، المادة الثانية من قانون الجمعيات الخيرية تحدد كلمة جمعية "خيرية" بأنها هيئة مؤلفة من ثلاثة أشخاص فأكثر غرضها تنظيم وتوحيد مساعيها بصورة دائمة لخير المجتمع دون أن تستهدف من نشاطها جني الربح المادي، وبعد تسجيلها وفق للمادة الثانية من ذات القانون تصبح لها شخصية معنوية قانونية معترف بها، تمكنها من الادعاء والدفاع باسمها والقيام بأي عمل آخر يجيزه لها نظامها الأساسي القيام به.
وبالتالي، لا يجوز تأسيس أي جمعية إلا بترخيص خطي من مجلس الوزراء بناء على توصية وزير الشؤون الاجتماعية وفقا لإحكام هذا القانون.
جمعية أصدقاء مرضى الدم الأردني؛ أنشئت من قبل جهاد البنا بعد أن رزقت بابن مصاب بمرض التلاسيميا في عام 1976 في وقت لم يكن يتجاوز عدد المصابين بهذا المرض 12 مريضا آنذاك، وتشرح جهاد،" بعد أن قمت بدراسة مستفيضة عن المرض الذي كرست حياتي بأكملها له، تبلورت لدي فكرة إنشاء جمعية خاصة بمرضى التلاسيميا أطلقت عليها اسم "جمعية أصدقاء مرضى الدم الأردني"، ومن خلال هذه الجمعية قمنا بعدة نشاطات لأجل توعيه المجتمع بماهية هذا المرض".
أول انجاز ترجم لهذه الجمعية على ارض الواقع، هو إلزام وزارة الصحة بضرورة إدراج مشروع الفحص الطبي قبل الزواج للكشف عن مرض التلاسيميا، وفق البنا، وتضيف" عرض هذا المشروع على مجلس النواب في التسعينات وتم الموافقة عليه بعد أن ركن في أدراج المسؤولين لفترة طويلة تم الموافقة عليه في عام 2003 بعد إصراري الشديد على ضرورة هذا الفحص".
استقالت البنا من الجمعية وقامت بتأسيس المنتدى الأردني للثقافة الصحية متعدد الأعراض من أهم أهدافه هو رعاية المرأة والطفولة في الأردن ونشر الوعي الثقافي للأمراض الوراثية السارية وتضيف " بهذا المنتدى ركزنا على أمراض أخرى بالإضافة إلى مرض التلاسيميا قمنا بإنشاء مركز في غور المزرعة والحديثة يخدم حوالي 30 ألف من سكان المنطقة، فضلا عن إنشاء برلمان لمرضى التلاسيميا من الشباب، وقام هذا المنتدى بتوظيف شباب مصابين بمرضى التلاسيميا في أمانة عمان الكبرى".
ولخطورة هذا المرض قامت جهات أخرى بإنشاء جمعيات في المحافظات لأجل توعيتهم بالمرض، الدكتور حسن بني نصر من الجمعية مرضى التلاسيميا في عجلون، يتحدث عن تأسيس الجمعية في العام 1996 الذي جاء بمبادرة من مجموعة أهالي عانوا أبنائهم من مرض التلاسيميا، وأن هدفهم "توعية الناس" من هذا المرض "كي لا يهملوا أطفالهم المصابين وبالتالي يعانوا مثلما عانوا هم أنفسهم".
مبادرة حكمت للسلامة المرورية، انبثقت عن جمعية الجود لرعاية العلمية في عام 2008 والسبب في إبصارها النور هو وفاه الشاب حكمت قدوره ذو 17 عاما بحادث دهس في إحدى شوارع عمان فهي قد ترجمت حزن وآلم عائلته إلى شيء ايجابي يستفيد منه المجتمع كافة.
فمنذ أن وجدت هذه المبادرة،عمدت إلى التخفيف من حدة حوادث السير والدهس الذي يقدر ضحاياه بالآلف سنويا، من خلال عملها على محورين متوازيين، الأول: الجهات الرسمية ذات العلاقة، والآخر: العمل مع المجتمع من خلال المساهمة بتحسين البنية التحتية للحد من هذه الظاهرة.
المدير العام لمبادرة حكمت لسلامة المرورية راما إسحاق تقول عن هذه المبادرة:" كان الهدف تحويل الإحزان إلى شيء ايجابي حتى يستفيد منها المجتمع ولا يتعرض احد للوفاة بحادث سير، فمن خلال هذه المبادرة نعمل على أحياء وشوارع ومدارس أكثر أمنا من خلال صيانة الطرق وعمل ممرات مشاة ومطبات لتخفيف السرعة بالإضافة إلى وضع إشارات توعوية تحدد سرعة الطرق في المنطقة".
المبادرة منذ نشأتها عملت على تحسين واقع 90 مدرسة داخل وخارج العاصمة، من خلال التعاون مع إدارة السير وأمانة عمان الكبرى والبلديات ووزارة الأشغال العامة.
عدنان العابودي رئيس جمعية ضحايا الألغام، تعرض لحادث سير على طريق السعودية الأردن عام 1989 أفقده أطرافه السفلية، لكن الحادث جعله ناشطا في قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، وتحديدا فيما يتعلق بضحايا الألغام الذين فقدوا أطرافهم جراء الألغام، ويعاونه عدد من الشباب الذين تعرضوا لانفجارات ألغام ويعملون في تلك الجمعية بنشاطات من شأنها التوعية بحقوقهم.
سميرة الفاخوري، أرادت أن تجعل المسنين في آخر عمرهم يعيشون بنعيم، فقامت على إنشاء جمعية ونادي أصدقاء كبار السن منذ ما يقارب 8 سنوات بعدد أعضاء يصل إلى 65 عضوا، وتقول:" الجمعية أنشئت تحقيقا للرؤى الملكية التي ينادي بها الملك عبد الله في الإستراتيجية الوطنية هي دعم المسنين، وأنا كنت أول المبادرين في إنشاء جمعية ونادي أصدقاء كبار السن، وطالبت بوضع تامين صحي أسوة بالأطفال وترجم هذا القرار على ارض الواقع، وما زلت أطالب بان يكون لهم صندوق معونة وطني خاص ينبثق عن صندوق المعونة الوطنية الشاملة لأجل ضمان مزيد من حقوق فئة المسنين".
وتقوم هذه الجمعية بعمل عده نشاطات للفئة المسنين منها ماراثون أجيال وأيام طبية مجانية للمسننين، بالإضافة إلى محاضرات ومؤتمرات لدعم حقوق المسنين، ورحلات ترفيهية وطرود خير وحملة الشتاء.
دلال العتوم، رئيسة نادي العون الإنساني، أنشأت النادي مع مجموعات سيدات أردنيات ناشطات في العمل العام، ولدى الكثير منهن المال الكافي لتجنيده للصالح العام. ولاقى تجمعهن دعما من قبل سيدات مسؤولات لهن دور كبير في العمل الاجتماعي العام.
قد يرى البعض في هذه المبادرات ترفاً فردياً في بعض الأحيان وخاصة أنها غالباً ما تأتي من طبقات اجتماعية غنية إلا أنها بالتأكيد توجه إنساني برغبة أصيله لمواساة أشخاص مروا بنفس المأساة فعاد ذلك بالفائدة عليهم جميعاً بالتخفيف من مصابهم بأن هناك أشخاص يعانون بما نعاني، وفائدة أعم يستفيد منها المجتمع لأخذ إما العبرة أو التوعية أو الحصول على حاجة ما كانت تنقصه مادياً ومعنوياً.
إستمع الآن











































