جفاف السدود يهدد المزارعين

سد زقلاب

كميات الأمطار الوفيرة الهاطلة على المملكة، حتى نهاية موسم الشتاء الأخير، يناهز 79 في المئة من المعدل السنوي (6436,3 مليون متر مكعب). رغم ذلك، أبلغت سلطة وادي الأردن في أيار/ مايو الماضي، المزارعين بعدم زراعة كامل أراضيهم المعتمدة على مياه السدود، لأن مخزوناتها لا تكفي للموسم الصيفي الحالي.

هذا التنبيه جاء متأخرا، يقول المستثمر زيد الجمعاني، الذي تكبد خسائر تجاوزت نصف مليون دينار، على وقع جفاف سد الوالة (جنوب محافظة مادبا)، الذي اعتمد على مياهه لري نحو 1200 دونم زراعي.

عاد الجمعاني إلى الأردن قادما من الخليج مطلع العام 2019، ليستثمر في قطاع الزراعة، رغبة منه في تنمية منطقته الريفية. استأجر أراضي زراعية، ووفّر فرص العمل لشبان وفتيات عاطلين عن العمل في منطقة الوالة، بعد تدريبهم. وأنشأ ائتلافا للجمعيات الخيرية، وتكفل بتأمين منحة مالية فضلا عن المواد الأولية والبنية التحتية، للبدء بمشروعه الزراعي، بعد أن طمأنته سلطة وادي الأردن، بوجود كميات كافية من مياه السد، لكن مخزونه بدأ بالانحسار التدريجي، حتى جفّ في أيلول/ سبتمبر العام الماضي، كما يقول.

ويحمل الجمعاني مسؤولية خسارته رفقة عشرات المزارعين، إلى عدم وضوح سلطة وادي الأردن مع مزارعي سد الوالة، إذ لم تصارحهم بحقيقة خطر جفاف السد، كما حصل مع مزارعي سد الموجب، إذ تبلغوا مسبقا بضرورة عدم زراعة أراضيهم بسبب قلة مخزون السد.

يرجع الجفاف السريع لسد الوالة، إلى قرار وزارة المياه والري، فتح بواباته، بداية العام الماضي، وفق رأي الجمعاني، إذ أفرغت مياه السد خلال ساعات عدة ، بحسب تقديره.

ولو أن سلطة وادي الأردن، أخبرت المزارعين بحقيقة انخفاض منسوب السد، وبعدم توفر كميات كافية لري أراضيهم، لما توسعوا في الزراعة يضيف الجمعاني، الذي خسر حوالي 70 ألف دينار تكاليف بذور وأسمدة لمحصول البطاطا فقط.

بعد الخسارة التي مني بها، بسبب غياب الخطط الحكومية، وخطأ الوزارة بقرارها فتح بوابات السد، وغياب الخطط البديلة، بحسب تعبير الجمعاني، قرر تصفية استثماراته الزراعية التي وفرت فرص عمل، والعودة إلى الخليج.

أخطاء إدارية

يرى وزير المياه والري الأسبق حازم الناصر، أن هناك أخطاء إدارية من قبل الجهات المختصة (وزارة المياه والري، وسلطة وادي الأردن)، ساهمت في جفاف السدود، مستشهدا بقرار فتح بوابات سد الوالة، في العام الماضي، ما أدى إلى استنزاف مخزونه وجفافه.

يعتمد مزارعو المناطق الواقعة من نهر اليرموك شمالا حتى الأغوار جنوبا، على مياه السدود، لري وحداتهم الزراعية (300 ألف دونم)، التي تتكفل سلطة وادي الأردن -تابعة لوزارة المياه والري- بمسؤولية توزيعها على المزارعين.

وفيما يعد الأردن ثاني أفقر الدول بالمياه على مستوى العالم، فإنه استند على إنشاء السدود باعتبارها الطريقة المثلى لتخزين المياه السطحية من الفيضانات والجريان الأساسي للأودية، وتوفيرها لحاجات الري والاستعمالات البلدية، بحسب تقرير سلطة وادي الأردن عام 2020.

لكن مخزون هذه السدود يشهد حالة من الانحسار بحيث باتت لا تغطي أكثر من 10 في المئة من حاجات المملكة أو أقل، بحسب الدكتورة في علم المياه والبيئة في جامعة آل البيت، سرى الحراحشة.

وتعتبر أن الاستخدام الجائر للسدود، وتراجع الهطول المطري بنسبة 20 في المئة، وما رافقه من تبخر شديد بسبب ارتفاع درجة الحرارة، من أهم الأسباب التي أدت لانحسار المخزون المائي فيها.

ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي، أعلن اتحاد مزارعي وادي الأردن، جفاف سد الوالة إلى جانب خمسة سدود رئيسية من أصل 17 سدا، بينما وصل سد الملك طلال (شمال المملكة)، مرحلة الخطر.

غياب الخطط الحكومية

بسبب انحسار مياه سد الملك طلال، اضطر المزارع حرب الشحادات، إلى تقليص مساحة أراضيه المزروعة في الأغوار الشمالية، من 60 دونما قبل خمس سنوات، إلى أقل من 20 دونما فقط هذا العام، نتيجة تقليص مخصصاته من مياه السد التي كانت تصله يوميا لمدة خمس ساعات، مقابل أربع ساعات لثلاثة أيام في الأسبوع، خلال الموسم الحالي.

يعتبر الشحادات الذي أصبح مثقلا بالديون والقروض، أن سلطة وادي الأردن، تعاني من مشاكل في توزيع الحصص المائية على المزارعين، رغم حصولها على أثمانها.

ولتجاوز العجز المستمر، يقترح الشحادات حفر آبار في مناطق الوحدات الزراعية لتوفير مياه بكميات أكبر وجودة أفضل. وبحسب ما يقول، فإن مياه سد الملك طلال غدت غير مناسبة حتى لأغراض الري، بسبب ارتفاع نسبة الأملاح والترسبات فيها، والتي تزيد طرديا كلما قل منسوب مخزونه.

9

من جهته، يرى أستاذ هندسة البيئة في الجامعة الأردنية رضوان الوشاح، أن المشكلة تتلخص في أن نسبة تعبئة السدود في المملكة، لا تتجاوز 30 في المئة من سعتها التخزينية البالغة 336 مليون متر مكعب.

ويشير إلى ضرورة توجه المزارعين نحو محاصيل تتحمل الجفاف ولا تتطلب كميات كبيرة من المياه.

في المقابل، يعتقد الوزير الأسبق حازم الناصر، أن هناك تقصيرا من قبل الجهات المعنية، في إيجاد حلول وخطط بديلة للتحكم بالمخزون الاستراتيجي للسدود، بطرق علمية وفنية، لتلبية الحاجات الحالية والمستقبلية للمزارعين.

ويقترح الناصر، حفر آبار في المناطق الغنية بالمياه الجوفية، ومد أنابيب من المناطق التي تشهد هطولا مطريا غزيرا، نحو المناطق الأقل هطولا.

بدورها، تقول أمين عام سلطة وادي الاردن منار المحاسنة، إن هناك مشروعا لإعادة تأهيل محطات التنقية بالشمال، لتعزيز مخزون السدود في مناطق شمال المملكة، فضلا عن مشروع لضخ فائض المياه من سد زقلاب، سيتم تنفيذه خلال السنوات القادمة.

وأضافت المحاسنة، أن سلطة المياه شرعت بحفر آبار في موقع سد الموجب، لتعزيز التزويد المائي، لافتة إلى انتهاء إحداها نهاية العام.

وبينما تؤكد السلطة وجود خطط بديلة لتعزيز مخزون السدود، يعاني مزارعون تحت وطأة الخسائر بسبب إجراءات حكومية غير فاعلة في إدارة ملف مياه السدود، وافتقاد المنظومة المائية الرسمية، لنظام إنذار مبكر يحذرهم من انخفاض منسوب مياه السدود قبل الشروع بالزراعة.

انفوجرافيك لجدول السدود

وبين هذا وذاك، يبقى السؤال حول جدوى الخطط الحكومية في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد جفاف عدد من السدود، ودخول المتبقي منها مرحلة الخطر.

 

 

 

 



 

أضف تعليقك