جرائم الشرف قتل يبيحه القانون!

الرابط المختصر

انتهت حياة الطفلة هبة ذات الـ15 ربيعا وهي ما زالت طالبة في المدرسة، لتصبح أحد ضحايا "جرائم الشرف" بعد ان قتلتها عدة طلقات في صدرها من مسدس أخيها،

قبل أن تدرك حتى مفاهيم الكبار من "الشرف"، "العرض"، "العار"، وغيرها.

 

قصة هبة كانت واحدة من قصص "جرائم الشرف" التي شهدها مجتمعنا في السنوات الأخيرة، وعلى مدى سنوات متعاقبة لنساء قتلن بدماء باردة بذريعة "شرف العائلة" وأثارت سخط المجتمع على من يعطي نفسه صلاحية إنهاء حياة آخرين وأحيانا بأساليب قتل وحشية. "جرائم الشرف" أصبحت قضية رأي عام يطالب بتغيير قانون يبيح هذه الجرائم.

 

"جرائم الشرف" والقانون

 

"لا يوجد في قانون العقوبات ما يسمى بجرائم الشرف"، كما تقول المحامية نور الامام، وتوضح: "هناك مواد قانونية من قانون العقوبات الأردني تحدثت عن العذر المخفف في القتل، والعذر في القتل قبل التعديل كان العذر المحل في المادة 340 الذي كان يستفيد منه الزوج في حال انه فاجأ زوجته أو إحدى محارمه في حالة تلبس بوضع زنا مع شخص آخر وأقدم على قتلهما أو جرحهما حسب نص المادة قبل التعديل بإصدار القانون المؤقت سنة 2001 رقم 86 كانت عذر محل إلا بعد التعديل أصبحت عذر مخفف في القتل من مادة 340 قانون العقوبات التي نصت على ان: يستفيد من العذر المخفف من فوجئ بزوجته أو إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته حال تلبسها بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع فقتلها  في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معا أو اعتدى عليه او عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة، كما يستفيد من العذر ذاته الزوجة التي فوجئت بزوجها حال تلبسه بجريمة الزنا او في فراش غير مشروع في مسكن الزوجية فقتلته في الحال او قتلت من يزني بها او قتلتهما معا او اعتدت عليه او عليهما اعتداء أفضى إلى موت او جرح او عاهة دائمة".

 

فالأعذار في القانون نوعان: عذر محل هو الذي يعفى المجرم من كل عقاب على انه يجوز ان تنزل به عند الاقتضاء تدابير احترازية كالكفالة الاحتياطية مثلا، اما العذر المخفف هو إذا كان الفعل جناية توجب الإعدام او الأشغال الشاقة المؤبدة او الاعتقال المؤبد حولت العقوبة إلى الحبس سنة على الأقل، وإذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى فان الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.

 

وتعلق الامام: "للأسف ان التعديل تناول العذر المخفف وأعطى الحق للرجل والمرأة على قدم المساواة، وكنت أتنمى ان لا يكون التعديل بهذه الصورة فعندما نعطي عذر مخفف للقتل يعني أننا نبيح عملية القتل بتخفيف العقوبة، ومن باب أولى ان تلغى نص المادة 340 لأن هذه المادة تعطي دافع اجتماعي فكري للأشخاص للإقدام على القتل، وعند عودتنا لباب الاجتهادات القضائية الموجودة على مر السنوات نجد ان محاكمنا الأردنية لم تستخدم مادة 340 من خلال أصدرها لقراراتها إلا أنها كانت تستند في كافة الأعذار المخففة لمادة 98 الخاصة بالعذر المخفف التي يستفيد منها أي شخص سواء كانت جريمة ما يسمى بجرائم الشرف أو بالدفاع الشرعي عن النفس".

 

وتقول أن مرتكب الجريمة يستفيد من العذر المخفف نتيجة إقدام الشخص على جريمة القتل بدافع "سورة الغضب" وبالتالي يستفيد من العذر المخفف. ونص هذه المادة غير محتكم للشرعية الإسلامية، "وكما نقول انه لا بد ان تكون العديد من النصوص محكومة للشرعية الإسلامية وخصوصا في مسألة جرائم الشرف فهي مؤثرة بشكل كبير في المجتمع الأردني، إلا أنها لا تحتكم إلى الشرعية الإسلامية التي حددت العقوبة على فاعل الزنا وإنما هي تستند إلى عادات وتقاليد وفكر اجتماعي، وبالتالي عندما نعدل المادة بإضافة عذر مخفف للمرأة فنكون نحن نقوم بعملية الإضافة أي نعطي قناعة للمجتمع ان آيتان الفعل بالقتل سواء الرجل أو المرأة هو أمر جائز وهذا أمر مخالف لكل الشرائع".

 

هذا القانون صدر بصيغته المؤقتة نتيجة للعديد من الحملات التي قامت بها المنظمات ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات النسائية الأردنية، وفي السياق نفسه كان مجلس النواب الأردني رفض في مطلع اب قانونا مؤقتا أقرته الحكومة يشدد العقوبات على مرتكبي هذا النوع من الجرائم في غياب البرلمان الذي حل عام 2001. غير ان مجلس الأعيان وافق على القانون وأرسله مجددا مع بعض التعديلات إلى مجلس النواب الذي عاد ورفضه مجددا، ولا يزال القانون عالقا حتى الان.

 

ويبقى الجدل في القانون دائرا حول ما إذا كان تعديل قانون العقوبات سيقلل من ارتكاب جرائم الشرف، فالتعديل الذي شهده القانون لم يوضح ما إذا كانت المرأة ستستفيد من العذر المحل او المخفف إذا قتلت شقيقها او ابنها وهو في حالة زنا.   

"جريمة الشرف": دوافع عدة والنتيجة واحدة

 

جريمة الشرف، كغيرها من الجرائم، مدفوعة بالعديد من الأسباب والدوافع. والعامل الاقتصادي، كما يرى أخصائي علم الاجتماع د. مجد الدين خمش، هو من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى ارتكاب الجريمة بدافع الشرف. فيقول: "الجرائم التي تصنف تحت هذا المفهوم في الأردن قليلة وهي تتركز في الطبقات الشعبية، وبالتالي فان العامل الاقتصادي يلعب دورا كبيرا، لان مستوى الوعي والمعيشة في الطبقات الشعبية والمناطق الموجودة على إطراف المدينة متدني،ويتمثل بالقسوة والعدوانية في التعامل بسبب ظروف المعيشة الصعبة، بالإضافة إلى كثرة عدد الأطفال في المنزل نتيجة لكثرة الإنجاب ، فهذا يؤدي إلى حدوث  نوع من الضغط النفسي على الوالدين والإخوان مما يولد الكراهية بين الإخوة بسبب التصارع على الموارد القليلة، فيتعلم الأفراد العنف والعدوانية في التعامل بين بعضهم وقد تزيد هذه العدوانية حتى تصل إلى حد الإيذاء الجسدي".

 

ومن خلال دراسة قام بها المركز الوطني لطب الشرعي، بينت الدراسة ان نسبة القتل تزداد عند العاطلين عن العمل أكثر من غيرهم لتدني مستوى المعيشي.

 

من جانبه يجد أخصائي علم النفس د. جمال الخطيب ان الدوافع النفسية لها علاقة وثيقة بالنشأة وجزء كبير منها له علاقة بالوعي اللاجمعي بمعنى وعي او لاوعي الجماعة بشكل عام. "ونقصد بذلك العادات الموروثة التي تربى عليها الشخص والتي تحكم جهازه القيمي والجهاز الذي يحدد سلوكه وحكمه على الأشياء سواء كانت حلال أو حرام، وهي مسألة ذات قيمة اجتماعية أكثر من كونها ذات قيمة نفسية".

 

ويتابع: "وإذا كان لها قيمة نفسية فهي انعكاس للنشأة الاجتماعية التي تربى عليها الشخص وتكونت شخصيته ونفسيته بناء عليها, وكل جريمة لها ظرف محدد يقدم فيها الشخص على ارتكابها، بعض الجرائم ترتكب فوريا بمجرد رؤية الشخص للفعل المخل بالشرف فيرتكب الجريمة بناء على الرؤية المباشرة فيصبح الانفعال الشديد والغضب هو سيد الموقف".

 

ويضيف: "أما في حالات أخرى فيكون عن طريق التخطيط كأن يسمع الشخص ان احد محارمه قد ارتكب فعل مخل بالشرف، وتتم الجريمة بعد فترة فهو فعل مخطط لا يتم عن طريق ثورة غضب وانفعال وتوتر وإنما بدافع الأشياء التي تشربها في نفسيته على مدى السنين والأيام, إذن هي متعلقة بجزأين جزء للاوعي الجمعي الموجود عند جميع الناس والذي نستعمله بلحظة الأزمات، وجزء متعلق باللحظة نفسها واثر هذه اللحظة على الشخص".

 

واعتبر الخطيب أن الغيرة المرضية التي تمتد إلى شك بتصرفات وسلوكيات الشخص الأخر وهي من الأمور التي تنتهي غالبا بالقتل ويؤكد ان " الغيرة  تتشابك مع جريمة الشرف لأنها في كثير من الأحيان قائمة على وهم ونوع من الغيرة المرضية، وهو التعريف العلمي الوحيد الذي يستخدم في الطب النفسي لموضوع الغيرة وعلاقتها بالجريمة، إنما ليس هناك من تصنيف علمي آخر لها".

 

جرائم الشرف انتهاك لحقوق الإنسان

 

فجريمة الشرف منافية للحقوق الإنسانية للمرأة، وهي في الغالب ما تقوم على أدلة واهية او عبارة عن إشاعات لا توجد لها أدلة حقيقة وبالتالي هي جريمة، فالقتل بداعي الشرف يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية القضاء على جميع إشكال التميز ضد المرأة  ومن هنا بدا المجتمع بتسميتها "جرائم قلة الشرف".

 

دكتور الاجتماع مجد الدين خمش يعرف "الشرف" بأنه "النزاهة واحترام حقوق الآخرين والإنسانية وعدم الحكم على الناس من دون وجود أدلة كافية. فمفهوم الشرف في المجتمع ككل هو العمل والنجاح في العمل فالمرأة والرجل لهما شرف والمجتمع والمهنة كلها لها شرف، وبسبب غياب الوعي الكافي في الطبقات الشعبية يرتبط الشرف لديهم بالمرأة وسلوك المرأة وبالتالي هناك نوع من الازدواجية بالنظرة فالرجل أيضا إذا انتهك هذا الشرف فهو شخص ليس لديه شرف, وبالنسبة لهذه الطبقة ليس شرف الرجل مهم وإنما المهم هي المرأة وهذا الأمر غير صحيح لان شرف الاثنين مهم".

 

ويشير خمش إلى أن جرائم الشرف لم ترتبط كمفهوم بالأردن فهي موجودة أيضا في مصر والهند وباكستان وإفريقيا. ويخلص إلى أنها مرتبطة بالدول النامية، "لان هذه الدول لا تحترم حقوق الإنسان بشكل كاف، والمرأة في هذه المجتمعات لم تأخذ حقوقها ولا مكانتها المناسبة لها، وهناك نوع من العدوانية في التربية وفي سلوك الرجال، وهناك نوع من التراخي في تطبيق القانون، فالقانون لا يطبق بالشكل الكافي او المناسب".

 

في حين تجد الأخصائية الاجتماعية والحقوقية هيفاء حيدر ان قضايا العنف تعتمد اعتماد كليا على النظرة الدونية للمرأة لان الرجل ينظر إلى المرأة بأنها أدنى منه، وتقول: "لدينا ارث من العادات والتقاليد والأعراف التي تنظر إلى المرأة بأنها جسد أو أنها سلعة على الرجل ان يتمتع بها فعندما ينظر الرجل للمرأة كجسد وتارة تحت عورة وتارة أخرى تحت حرام وتارة أخرى تحت عيب يشرع لنفسه ان يأتي بها كيفما يشاء ويصل الأمر به إلى القتل إذا لم تذعن هي لرغباته وقد تكون رغبات جنسية أو رغبات لها علاقة بحصة ارث أو من خلال خلاف بينه وبين والده أو بين أصدقائه، ينعكس كل ذلك على الفتاة لان نظرته لها أنها امرأة قاصر ونظرة دونية منه".

 

فهناك بعض الممارسات التي تنتهك حقوق المرأة منها : عندما يتم الاشتباه ان المرأة لها علاقة غير مشروعة يتم إحالتها إلى الجهات الطبية للكشف عليها داخليا لإثبات عذريتها وهذا من شأنه إمتهان كرامة المرأة وحقها.

 

جريمة الشرف والطب الشرعي

 

تحدث سنويا في الأردن ما بين 16 إلى 18 حالة قتل تحت مسمى "جرائم شرف". د. إسراء الطوالبه من المركز الوطني للطب الشرعي، حيث يتم تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاه، تقول أنه "بعد انتهاء التحقيق تصل الينا الجثة، ويندرج عملنا تحت مسمى فني، فعندما نقوم بتشريح الجثة قد لا نجد علامات تدل على ان هذه الفتاة قد ارتكبت أمرا خاطئ أو في بضع الأحيان تندرج جرائم الشرف تحت ان الفتاة تزوجت بغير رضى الأهل".

 

وتتابع: "العديد من جرائم الشرف التي تعاملنا معها يكون القاتل من اهل الضحية ولديه العديد من الأسبقيات بحدود 70 أسبقية منها اغتصاب، سرقة، سطو مسلح، والشروع بالقتل".

 

وتبين طوالبه الأساليب الوحشية التي يستخدمها الجاني لارتكاب جرم "غسل الشرف"، فتقول: "أكثر الأساليب استخداما هو الطعن إذ ان بعض الجثث يتجاوز عدد الطعنات الى خمسين طعنة، بالإضافة إلى استخدام الرصاص والساطور لقتل، وكلها تندرج تحت اساليب قتل شنيعة تدل على مدى الغل والوحشية من قبل القاتل".

 

وتشير طوالبه إلى انه يتم التعامل مع الحالات بنوع من السرية التامة بين المركز الطب الشرعي والقضاء، مبينة ان البعض الأهل يرفضون استلام الجثة بعد الانتهاء من عملية التشريح لاقتناعهم بشرعية فعلهم.

 

جريمة الشرف من منظور اسلامي

 

الحفاظ على النفس الإنسانية من أولى المقاصد الشرعية التي اهتمت بها الشرعية الإسلامية وأولتها عنايتها الفائقة حتى أنها أوجبت الخلود في النار لقاتل النفس الإنسانية كما تدل على قوله سبحانه وتعالى: "من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنة وأعد له عذابا عظيما"، وقد شددت الشرعية الإسلامية على عقوبة قاتل النفس الإنسانية واعتبرت ان قتل نفس واحدة مساوي في الإثم قتل جميع الناس وقد دل على ذلك قوله تعالى "من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل ان من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جمعيا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جمعيا" صدق الله العظيم.

 

وبالرغم من ذلك نجد من لا يمتثل لأوامر الدين الإسلامي التي تحرم قتل النفس بغير حق. فبعض الفئات الاجتماعية تقدم على إزهاق النفس الإنسانية تحت عناوين مضللة كالحفاظ على الشرف والدفاع عن العرض، ناسين أو متناسين ان هذه المبررات لا يمكن ان تقلل من فداحة الجريمة التي ارتكبوها.

 

مصطلح جرائم الشرف اخذ عناوين عدة وضجة كبيرة في البلد، قد يكون كثير من الظلم الذي وقع على المرأة نتيجة تعرضها لضغط للحصول على الإرث أو من خلال ورقة صغيرة مكتوب عليها رقم تلفون، أو ان يتحرش بها أخاها جنسيا فيهددها بالقتل لإيجاد عذر يخفف عنه العقوبة تحت مسمى الشرف والخيانة.

 

 

 

لم نسمع يوما في مجتمعنا عن ذكر قتل لان له علاقة جنسية ما غير شرعية، فجريمة الشرف تعكس نظرة المجتمع للمرأة وجسدها وكيف تعود ملكيته لمؤسسة العائلة والعشيرة والمؤسسة الدينية والاجتماعية، فجسد المرأة ملك للجميع، سواها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقك