جبل الحسين والمصدار مقصد لضحايا العراق

جبل الحسين والمصدار مقصد لضحايا العراق
الرابط المختصر

خلال السنتين الماضيتين، لم يخلو أي من الأّسِرَةِ الأربعين في الطابق الثاني التابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" داخل مستشفى الهلال الأحمر الأردني من مرضى عراقيين وبعض الغزيين الهاربين من أتون الحروب.
 

إضافة إلى المستشفى الواقع في "طلوع المصدار" بالأشرفية، يستقبل فندق "قصر جدة" الواقع في منطقة جبل الحسين 130 مصابا آتيا من العراق حيث الانفلات الأمني الذي يشهده منذ العام 2003 وحتى الآن.
 
يعمل 3 أطباء ومساعدين اثنين إضافة إلى 24 ممرضا قانونيا أردنيا وعراقيا لدى المنظمة الدولية في مستشفى الهلال. وتنسق المنظمة الدولية مع "الهلال" الأردني لاستقبال الحالات ومعالجتها في الأردن إضافة إلى إجراء عمليات صعبة تتعلق بالتجميل للحالات التي تتعرض للتشوهات جراء التفجيرات التي تقع هناك.  
 
تشرف الدكتورة غنوة عراقية الجنسية، على المرضى الذين يأتون من العراق، حيث تقوم بدورها كطبيبة وسط صعوبات تعتبرها "مؤذية نفسيا" عند علاج الأطفال الذين يقاربون أطفالها في العمر.
 
"أكثر الحالات التي نراها صعبة جدا هي إصابات الوجه والفكين". وتقوم على مبدأ إيفاد الحالات بناءً على سلسلة استشارات يجريها الأطباء في المنظمة من عمان مع أطباء عراقيين عن طريق الانترنت "تأتي الحالات من العراق بعد استنفاد السبل لعلاجها العراق".
 
"الأطفال هم الفئة الأكثر تأثرا وغالبية حالاتهم صعبة جدا جراء الانفجارات وتحتاج إلى وقت طويل من حيث العمليات الجراحية والترميمية والتجميلية"، تقول الدكتورة غنوة.
 
تستقبل المستشفى في عمان مجمل الحالات "الصعبة" والتي ترد من مستشفيات العراق حيث تحتاج إلى عمليات جراحية وبعضها جراء أمراض مزمنة ويصعب علاجها في العراق.
 
"على بعُد سنتيمترات من المنزل وقع الانفجار كنت حينها اقُفل باب المنازل متجها إلى عملي في الصباح الباكر، عندها شعرت أنني غفوت في مكاني، ولم أصحوا بعد ذلك إلا وأنا مضمد ولم أدرك أنني فقدت قدمي اليسرى".
 
يبدو أن العلاج لم يسعف عامر داوود من العودة إلى بلده، حيث شهورا طالت في إقامته في إحدى مستشفيات الحكومية ببغداد وهو النازف دما طوال وقته، ودخوله في وضع صحي حرج في كثير من الأوقات.
 
"أسلمت نفسي وقلت أنني سأموت لا محالة" هكذا فكر حينها عامر "عندها طلبت من أهلي أن يحضروا كفني ويحتسبوني إلى الله شهيدا جراء حادث انفجار أعمى لم يستهدف إلا رجلا مسنا مات فورا وإصابة أدت إلى وفاتي فيما"، يقول عمار الذي يلازمه شعور الموت جراء انفجار سنوات بعد حادث الانفجار.
 
انعدام الأمن في العراق منذ العام 2003 جدد مخاوفه من "الفقدان" وهو الذي كان وسط محيطه المتألم الوحيد من حادث الانفجار في 23-2-1998 وكانت سنة تشابه سنواتها بحصار أزهق المئات من الأطفال. "أدركت معنى الانفجار وألمه على نفس الضحية التي أوقعها قدرها أمام القنبلة".
 
أن تعي معنى الحياة عقب الانفجار هي قمة التحمل والتشبث بها، يقول عامر القادم من العراق منذ أسابيع خلت في محاولة لإصلاح قدمه المبتورة، أما باقي الإصلاحات فيلخصها بالقول "نفسيا أصلحت نفسي وتصالحت مع وضعي عاجز غير قادر على التحرك كما الآخرين أما شعوري الجسدي فمن حقي أن أقوّم نفسي طبيا كي أستطيع العيش دون أوجاع".
 
هي مادة كيماوية أثرت على عظم ساقي وأدى إلى ذوبانها بالتالي عجل الأطباء من بترها، يقول عامر الذي أتى من نينوى بالموصل إلى طلوع المصدار في عمان حيث مقر الهلال الأحمر الذي يستضيف في طابقه الثاني طاقم منظمة "أطباء بلا حدود" وينتظر أن يكون هناك أمل جديد لعمليته الجديدة هنا في عمان. 
 
أبو علي قادم من بصرة لأجل إجراء عملية لابنه علي 7 سنوات الذي تشوه رأسه بالكامل من سيارة مفخخة كان بالقرب منها في أحد أحياء المنطقة، "منذ سنتين وعلي يتلقى العلاج في العراق ولا تحسن وخضع لعمليات جراحية ولم تجد نفعا إلى حين اتخذ القرار رسميا لإجراء عمليات تجميلية وفحوصات لحالته". 
 
إثر انفجار سيارة في منطقة النهضة أصيب الطفل حسين 7 سنوات بحروق شديدة في رأسه وعينيه ما أحدثت تلفاً في  جفونه وهو حاليا يخضع لعمليات جراحية مطولة "تجميلية" .
 
والدته أتت إلى عمان -على خلاف الكثير من العائلات العراقية- التي يأتي ضحاياه بصحبة آباءهم لكن والدة حسين رفضت ان تفارق أبنها وأتت إلى عمان. "المهم أن يتحسن ابني وأعود به سالما إلى وطنه العراق". 
 
سرور 13 عاما طالها نصيب من التفجيرات التي أتت على وجهها وأجزاء من جسدها، تحلم بأن تكون طبيبة تجميلية ببساطة حلمها أن تكون كما غيرها من بنات جيلها.  
 
علي 18 عاما قادم من منطقة ديالا، يعاني من تشوه خلقي. لم توفر عائلته مكانا في العراق إلا وسعت إليه لأجل تلقي العلاج، "أعاني من تشوه خلقي في وجهه لكنهم في المستشفى قالوا لي ولوالدي أن حالتي ليست خطرة".
 
 حالياً، تستقبل المستشفيات الحالات المتضررة جراء انعدام الأمن في العراق ما دفعه إلى الذهاب إلى "أطباء بلا حدود" وسيخضع علي لثلاث عمليات جراحية تجميلية ويتأمل أن يتحسن الحال.
 
الممرضة روضة تعمل مع المنظمة في الأردن، ترصد الحالات التي ترد المستشفى وتقول أن الالتهابات التي تنتج عن الحروق جراء الانفجارات هي الأكثر إيلاما للضحايا وخصوصا من الأطفال الذين يعانون كثيرا من صدمتهم من الانفجار ومن تأقلمهم مع وضعهم الحالي.
 
نسبيا، على ما تقوله روضة، كل خمس حالات ترد المستشفى من بينها طفل واحد، فيما تمكث الحالات طويلا للعلاج وتحتاج إلى فترات طويلة. 
 
ويقتصر دور الأخصائية الاجتماعية إسراء على العامل مع الأطفال الذين يعانون نفسيا واجتماعيا من تقبلهم لأنفسهم عقب تعرضهم للانفجارات. حيث يتم تأهيلهم اجتماعيا ليتقبلوا حالتهم.
 
"أطباء بلا حدود" تعمل في البلدان التي تقع فيها نزاعات مسلحة، والكوارث الطبيعية. هي منظمة طبية وإنسانية خاصة ذات مهمة دولية. مهمتها الأساسية تقديم المساعدات الطبية للذين يعانون من أزمات مختلفة في العالم. وتعتمد المنظمة في عملها على المتطوعين، كونها مستقلة عن جميع الدول والمؤسسات الحكومية وعن جميع التأثيرات و القوى السياسية والاقتصادية والدينية.
 
تم تأسيس منظمة أطباء بلا حدود عام 1971 من قبل مجموعة صغيرة من أطباء فرنسيين و صحافيين. وتعتبر حاليا واحدة من أكبر المنظمات الإنسانية التي تقدم المساعدات الطبية الطارئة في شتى الميادين؛ الطبية والاجتماعية والإنسانية.