توقيعات، انسحابات وكلام عن خديعة: ماذا يفعل مجلس النواب بقوانين الإعلام؟

الرابط المختصر

ستون نائبا وقعوا على مذكرة تطالب بإقالة مدير عام وكالة الأنباء الأردنية ورئيس مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون. وفي اليوم التالي سحب غالبية النواب توقيعاتهم.ورد في المذكرة إنه "ونتيجة للتراجع الذي حصل في مؤسسة الإذاعات والتلفزيون والاشتباكات غير المبررة، والتراجع الذي حصل أيضا في الأداء واليأس والإحباط الذي أصاب العاملين في كلا المؤسستين، سواء كان في الإذاعة والتلفزيون أو مؤسسة وكالة الأنباء الأردنية، ولما لهاتين المؤسستين من أهمية ودور ريادي في مسيرة الدولة الأردنية وأهميتهما، فإننا نطالب بضرورة إقالة كل من رئيس مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون ومدير عام وكالة الأنباء الأردنية".

في معرض دعمه للمذكرة، يقول النائب محمود الخرابشة، الذي حرك هذه القضية، أنها تنطلق من مصلحة وطنية عليا، "على اعتبار أن كلا المؤسستين لهما دور كبير وريادي في مسيرتنا الإعلامية، وفي تعزيز صورة الأردن الحضارية داخليا وخارجيا، وأيضا مواكبة نهج الإصلاحات والتطورات والتنمية التي يقودها جلالة الملك".

لكن لماذا أراد الخرابشة رفع هذه المذكرة؟ أليس هذا الكلام عام بعض الشيء ويكاد ينطبق على غالبية المؤسسات الوطنية؟

يقول خرابشة: "ما يجري في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون لم يسبق وأن تم في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة الأردنية، أي أن يستقوي رئيس مجلس إدارة (مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، مصطفى حمارنة) على المدير العام (محمد نجيب الصرايرة) ويستقوي على المؤسسة وينفذ سياساته، وهنالك الكثير من المغالطات البعيدة عن مجتمعنا وعن واقعنا وهنالك أيضا الكثير من حالات سوء الإدارة وسوء استغلال السلطة".

لكن هذا الكلام استهلك كثيرا، وهو في حكم المنتهي تقريبا. فالحكومة، وهي الموجَهة لها هذه المذكرة، موافقة ضمنيا على تنحي الصرايرة، ومساندة لبقاء حمارنة. السؤال الآن: أين كان مجلس النواب لما كان هذا الموضوع في أوجه؟ ولماذا التحرك في هذا الاتجاه الآن؟

بالنسبة لقضية بترا، يقول الخرابشة: "وكالة الأنباء الأردنية من خلال مديرها ومن خلال ممارساته التي توحي بالشللية والفئوية والجهوية، توحي بأنه يريد أن يقتص من بعض الأشخاص ممن عرفوا بالنزاهة والإخلاص للوطن من العاملين في الوكالة، سواء كان بإحالتهم إلى التقاعد أو بتهميش دورهم أو تجميدهم أو قطع العلاوات عنهم أو نقلهم من المواقع الحساسة إلى المواقع الأقل أهمية، نتيجة لأمور شخصية معظمها تخص انتخابات نقابة الصحفيين التي جرت قبل فترة".

ويوضح أن مدير عام الوكالة كان قام بقيادة فريق (في الانتخابات) بهدف إنجاح أشخاص "ممن يدورون في فلكه أو محسوبون عليه". ولكن العاملين في الوكالة ارتأوا بأن هؤلاء لا يمثلون الوكالة ولا يمثلون مصالحهم، وأن هنالك فئة أخرى أفضل وأحسن من هذه الفئة ويفترض أن يتم دعمها، وبالتالي كان هناك رأيين أو فريقين داخل الوكالة: الفريق الأول يقوده المدير العام، والفريق الثاني يقوده مجموعة من الموظفين.

ويرى الخرابشة أنه نتيجة لهذا الموقف، قام مدير عام الوكالة ببعض الإجراءات التعسفية بحق ممن عرفوا بالمصداقية والكفاءة والنزاهة، "بالتالي فإن العلاقات الخاصة والشخصية والبعد أو القرب عن شخص المدير العام أصبح هو الذي يحدد (موقع الشخص)، وليس المؤهلات والكفاءة والخبرة والتجربة والولاء والانتماء للوطن".

وخلص النائب إلى أن هاتين الإدارتين أصبحتا غير جديرتين بالاستمرار، وأصبحت إدارة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وإدارة مدير عام وكالة الأنباء تعيق مسيرة المؤسستين. "وأصبحت سيفا مسلطا على رقاب العاملين في كلا المؤسستين، وأصبحت مصدرا لتهريب وتطفيش الكفاءات. وإضافة إلى ذلك خلقت يأسا وإحباطا في نفوس العاملين، مما أوجب صياغة هذه المذكرة وكتابتها وإرسالها إلى رئيس الوزراء، حتى تأخذ دورها وآليتها الدستورية التي يفترض أن تأخذها حتى يصار إلى الاستجابة لهذا الطلب واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتصحيح المسار في كلا المؤسستين".

تجوّلت المذكرة في أروقة مجلس النواب، ووقع عليها ستون نائبا. لكن اليوم التالي شهد تراجع عدد من الموقعين عن توقيعاتهم. الخرابشة قال إن عدد المنسحبين لا يتجاوز العشرين. أما مدير عام وكالة الأنباء الأردنية، فيصل الشبول، فقال إن عدد المنسحبين 40 نائبا.

وأضاف أن وراء المذكرة دوافع شخصية لعدد محدود من النواب الذين تعرضوا للخديعة، بأن أوحي لهم بأن المذكرة تهدف إلى إقالة مصطفى حمارنة من منصبه، والدليل على ذلك تراجع 40 نائبا عن توقيع المذكرة.

ويقول الشبول أن النائب محمود الخرابشة أراد الانتقام منه لأنه رفض طلب النائب بتوظيف أحد معارفه، وأنها ليست المرة الأولى. وأضاف أن النائب مصطفى شنيكات أراد دعم أحد أقاربه العاملين في الوكالة ممن ترشحوا لانتخابات مجلس نقابة الصحفيين دون أن يكون من المرشحين المجمع عليهم في الوكالة. وتابع أن مصالح النائبين التقت مع مصالح النائب حاتم الصرايرة الذي أراد الانتقام لقريبه محمد الصرايرة الذي توقف عن عمله كمدير عام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون إثر صراعه مع الحمارنة.

وفي استطلاع لآراء عدد من العاملين في الوكالة، نفى بعضهم وجود خلافات داخلية وشقاق، وأشاروا إلى أن المذكرة بالغت في وصف القضية المتعلقة بانتخابات نقابة الصحفيين. في حين أكد البعض الآخر وجود شقاق حقيقي في الوكالة ظهر خلال انتخابات مجلس نقابة الصحفيين، حيث كانت نتائج من ترشحوا في الانتخابات عن الوكالة أسوأ من التوقعات، ويفترض أنهم ترشحوا بناء على إجماع العاملين في الوكالة. في حين فاز هاني الحسامي الذي ترشح مستقلا عن القائمة المقدمة من إدارة الوكالة.

النائب سعد هايل السرور كان ممن وقعوا على المذكرة ونقل عنه تراجعه عن التوقيع في اليوم التالي. يوضح السرور موقفه بأنه غير موافق على إقالة مدير عام وكالة الأنباء الأردنية، فيصل الشبول. لكنه يؤكد أنه لم يسحب توقيعه. ويضيف أن المذكرة تهمشت وانتهت ولم يعد هناك داع لسحب التوقيعات.

وعن سبب توقيعه للمذكرة رغم عدم موافقته على إقالة الشبول، ووضوح ما ورد في المذكرة حول طلب إقالة الشبول والحمارنة في عبارة واحدة تكررت في بداية ونهاية المذكرة، يقول السرور أنه وقعها في عجالة ولم ينتبه لذكر مدير عام الوكالة، وأنه أراد من توقيعها إقالة رئيس مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون فقط.

مبدئيا، وبغض النظر عن عدد المنسحبين، لماذا انسحبوا وتراجعوا عن توقيعاتهم؟ ألا يقرأ النواب ما الذي يوقعون عليه؟

يقول الخرابشة: "إذا كان هناك نائب لا يعلم (على ماذا وقع) وتعرض للخديعة، فهذه كارثة. هذا كلام غير صحيح وكلام غير مبرر، وأعتقد أن النائب الذي يوقع على توقيع يفترض أن يتحمل مسؤوليته وإذا كان النائب يوقع ولا يعرف على ماذا يوقع فهذه كارثة أكبر".

وكلام الخرابشة فيه كثير من الصحة: هل يمكن لنائب برلماني أن يوقع على مذكرة تحتوي على ستة أسطر تقول من سطرها الأول هدفها، ويقول بعد ذلك إنه لم يقرأ ما فيها وأنه تعرض للخديعة؟

بالتأكيد هذه كارثة. لو أن المذكرة كانت تتحدث عن موضوع أكثر أهمية ومصيرية، لكان الأمر فضيحة بكل ما للكلمة من معنى.

لكن هل الذي حدث خديعة كما يقول الشبول؟

يقول الخرابشة: "هنالك من النواب ممن سحبوا تواقيعهم نتيجة للضغوطات الاجتماعية والواسطات والأسباب الجغرافية، لكن عددا من سحبوا تواقيعهم فيما يخص فيصل الشبول أقل من 20 نائب، وهنالك كثيرين ممن يريدون أن يوقعوا، وهذا لا يعني التراجع عن المذكرة، لكن دعيني أقول أن بعض المتنفذين الذين لهم مصلحة مع مدير عام الوكالة يفيدون أن هناك تراجع وأن هناك عددا كبيرا من النواب ممن تراجعوا عن تواقيعهم وهذا كلام غير صحيح".

إذا فالموضوع ليس سياسة وليس خلافا في وجهات النظر. إنها مسألة جاهات ومقاربات عشائرية، و"جماعة" فلان تدعم "جماعة" علاّن وهكذا. هل هذا مجلس نواب؟

يرى الخرابشة أن أداء مجلس النواب الحالي ضعيف، "وبعض النواب الموجودين حاليا لا يعرفون حقيقة واجبات النائب ولا يقدرون حجم مسؤولياته، وبالتالي يسهل عليهم أن يوقعوا وينسحبوا من التوقيع، وهذا طبعا يسيء للنيابة ومركز النائب، لأنه يفترض به أن يعلم حقيقة ما يجري وأن يعلم ما هي الأسباب التي تدفعه إلى التوقيع وما هي الأسباب التي تدفعه لأن لا يوقع. كيف يمكن لنائب ان يوقع على عريضة مصاغة بهذا الشكل (الواضح) والعريضة لا تتجاوز ستة اسطر؟ كيف يمكن له ان يتنصل من التوقيع على العريضة ومن مسؤولياته من هذا التوقيع؟ هذا يدخل ضمن الأعذار غير المبررة ومن ناحية ثانية يدخل ضمن اطار تهميش دور النائب وتوقيعه".

على كل، يبدو أن المذكرة ستدخل في غياهب النسيان. مصادر في مجلس النواب قالت إن المذكرة لم تسر في قنواتها الرسمية المفروضة لها، وهي أيضا عانت من انسحاب عدد من النواب، وبالتالي فإنها أهملت أو همشت.

وكانت المذكرة قد طرحت خلال النقاشات النيابية حول مشروع قانون مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وفيها اقترح نواب أن يكون رئيس مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون هو نفسه رئيس المجلس الأعلى للإعلام، مخالفين بذلك قرار لجنة التوجيه الوطني في مجلس النواب بالموافقة على قرار مجلس الأعيان بأن يعين الرئيس بقرار من مجلس الوزراء بناء على تنسيب رئيس الوزراء.

ورد نائب رئيس الوزراء، مروان المعشر، على اقتراح النواب بأن هذا التعديل يتعارض مع عمل المؤسستين (المجلس الاعلى ومؤسسة الاذاعة)، لافتا الى ان المجلس الاعلى للاعلام هيئة توجيه وتقييم، اما مؤسسة الاذاعة والتلفزيون فهي مؤسسة تنفيذية. وأوضح ان تولي رئيس المجلس الاعلى للاعلام لرئاسة مجلس ادارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون يؤدي الى تعارض واضح بين المؤسستين بحسب قانونيهما، مشيرا الى ان صلاحيات المجلس الاعلى تتمثل في تشجيع تعدد الهيئات الاعلامية وهو ما لا يستقيم مع قانون مؤسسة الاذاعة والتلفزيون اضافة الى ان المجلس الاعلى ينظر في شكاوى ترد للمجلس من موظفي الاذاعة والتلفزيون ويقيّم مؤسسة هو رئيس مجلس ادارتها.

وفي حين أصر النواب على قرارهم السابق، وافقوا على اضافة الاعيان لفقرة في القانون تتيح لرئيس الوزراء تسمية احد الوزراء رئيسا لمجلس ادارة مؤسسة الاذاعة والتلفزيون دون ان يتقاضى اي راتب او مكافأة مقابل ذلك.

ورأى النواب ان قرار المجلس ينسجم مع سياسة الحكومة في ضبط الانفاق و ترشيد الاستهلاك وايضا من شأنه انهاء حالة ما وصفوه بـ "التشتت والصراعات الشخصية والنزوات الفكرية" التي تسود مؤسسة الاذاعة والتلفزيون.

أضف تعليقك