تقرير "نيويورك تايمز" عن انتخابات الأردنية

الرابط المختصر

نشرت "نيويورك تايمز" (يوم الأربعاء) تقريرا مطولا نسبيّا، مصورا، تحت عنوان "طلاب أردنيون يتمردون بتبني الإسلام". يتضمن التقرير قراءة على هامش انتخابات طلبة الجامعة الأردنية الأخيرة، وهو محاولة لتحليل ظاهرة إقبال الطلبة على الاتجاه الإسلامي، أكثر منه قراءة في نتائج الانتخابات. 
أتوقف عند قضيتين رئيستين، في التقرير، أولاهما تتعلق بأسباب انضمام الطلبة للحركة الإسلامية، والثانية تتعلق بتعاطي الإسلاميين مع العملية الديمقراطية.
وبالنسبة لأسباب الانضمام يشير التقرير لأسباب متنوعة، أولها مسألة "العدالة الاجتماعية"، إذ يخصص معدو التقرير جزءا كبيرا من تقريرهم لقصة طالب انضم لجماعة الإخوان المسلمين بعد أن ضاعت فرصه بالحصول على منحة للدراسة في الخارج بسبب عدم وجود "واسطة" لديه.
فالتقرير يتجاهل حقيقة أنّ المنح للدراسة في الخارج في مرحلة البكالوريوس، ليست شيئا يتنافس عليه الطلاب، لأنّه لا توجد منح للدراسة في الجامعات العالمية الكبرى والتنافس هو للدراسة في الجامعات الأردنية الحكومية. وكان التقرير سيكون أكثر إحكاما لو درس وجهات نظر شباب "الإخوان" الأكبر سنا والسابقين، وقد التقى التقرير عددا منهم فعلا، وهل يعتقدون فعلا أنّ "الجماعة" وقادتها ظلوا بعيدين كليّا عن الواسطة سواء في علاقاتهم مع الدولة، وفي المؤسسات التي يديرونها، وداخل الجماعة ذاتها؟ فلطالما سمعنا شكوى من شباب الإخوان حول ذلك.
السبب الثاني، الذي يطرحه التقرير، هو استغلال القضايا القومية الكبرى للتعبئة، فيشير التقرير لقصة اعتصام طلابي حول قطاع غزة. ولا شك أنّ تبني هذه القضايا، ومحدودية القنوات الأخرى للتعبير عنها، أمر يصب في مصلحة شعبية التيار الإسلامي.
السبب الثالث، كما في التقرير، أنّ العضوية في "أسر" الإخوان، توفر متنفسا للشاب للتعبير عن طاقاته ونفسه، وتوجد "شعورا بأنك تستطيع المشاركة بالتغيير"، و"أنك جزء من شيء مهم". وهذا السبب في واقع الأمر صحيح، فمسألة شعور الشاب بالقبول الاجتماعي، وشعوره أنّه جزء من شيء أكبر، ومن "جماعة"، وبأنّه فاعل ومؤثر، كانت دوما من عوامل انضمام الإنسان (في أي مكان في العالم) لجماعة ما سياسية أو فكرية أو خيرية...إلخ.
فالشاب العربي في الجامعات، في الأردن وخارجها يجد ذاته محاصرا في إطار خيارات أولها الإسلامية، وثانيها (الاثنيّة التقليدية): العشائرية والطائفية والجهوية، وثالثها، الجماعات التي تلقى رعاية رسمية بهدف أساسي هو إيجاد منافس للإسلاميين. وإذا ما تحولت الرعاية الرسمية للطلبة بصفتهم الفردية من دون النظر لانتماءاتهم الاثنية والسياسية، فهذا سيوجد مناخا لبروز تعددية حقيقة.
أعتقد أنّ استمرار المناخ الحر - المنضبط في الجامعة الأردنية وتعميمه لجامعات أخرى، سيؤدي بعد سنوات لبروز جماعات طلابية جديدة، لها برامجها الطلابية المنزهة عن التوظيف السياسي، ولا أستبعد أن يتحول هؤلاء لنواة تيارات سياسية وفكرية مستقبلية ربما تنقذ الحياة السياسية والديمقراطية في الأردن.
القضية الثانية التي أتوقف عندها في تقرير "نيويورك تايمز"، هي مسألة مفهوم الإسلاميين للديمقراطية. فالتقرير يوضح حقيقتين؛ الأولى أنّ كثيرا من الطلبة المتعاطفين مع "البديل الإسلامي"، لا يوافقون على ممارسات الإسلاميين المسيسين، ويرون بعضها تطرفا، ويشككون في صدق ادعاءاتهم بشأن الديمقراطية، وهذا يقود لحقيقة أنّ المناخ الحر سيضع كثيرا من هذه الممارسات موضع التجربة والنقاش، أمّا القيود فتسمح للجماعات الأصولية بادعاء المثالية والديمقراطية.
والحقيقة الثانية، التي يلمح لها التقرير قول أحد قادة التيار الطلابي الإسلاميين، إنهم لا يسعون "للسيطرة على كل شيء"، ويقصد أنّ الإسلاميين لم يترشحوا في كل مكان، وأنّ كتلتهم الانتخابية تركت هامشا لفوز آخرين. وهذا التوجه جاء في جزء منه لأنّ نظام توزيع الدوائر الانتخابية في الجامعة، وفقا لأقسام التخصصات العلمية، وهناك أقسام لا وجود منظما للإخوان فيها. وعدم سعي التيار الإسلامي السيطرة على كل الدوائر يستحق الإشادة، لأنّه اعتراف ضمني بعدم صحة سيطرة لون واحد على الحركة الطلابية حتى لو استطاع، بفعل قدراته التنظيمية.
المناخ الحر، سيكون اختبارا للتيار الإسلامي، وفرصة لرقابة شعبية ديمقراطية لأدائه وصدقه، بقدر ما هو فرصة له، وكثير من المقولات الغامضة وغير المختبرة حول الديمقراطية والحرية الشخصية وموقف التيار الإسلامي منها ستصبح موضع نقاش واختبار عمليين.