تقرير: عمال المياومة وغياب العدالة
أصدر المرصد العمالي التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية تقريرا يتناول عمال المياومة في الأردن بعنوان "عمال المياومة: غياب العدالة لعاملين في القطاع العام".
وتوصل التقرير إلى أن أعداد عمال المياومة في الأردن كبيرة وتقارب 23 ألف، وبعض التقديرات الرسمية تشير إلى أن عددهم يقارب 30 ألف.
وبين التقرير أن العمال المياومون لا يتمتعون بكافة الحقوق التي يتمتع بها نظراؤهم العاملين في المؤسسات الحكومية والمستقلة بالفئات المصنفة، إذ أن هذه الفئة من العاملين لا يطبق عليهم نظام الخدمة المدنية، بل نصوص قانون العمل، وأبرزها غياب الاستقرار والأمن الوظيفي الذي يتمتع به العاملين المصنفين، بما يعنيه ذلك من غياب لأسس العدالة.
وصرح أحمد عوض مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أنه ونتيجة لغياب العدالة التي تعاني منها هذه الفئة من العاملين مقارنة مع نظرائهم العاملين المصنفين، ونتيجة لغياب الاستقرار والأمن الوظيفي لهم، تم رصد ما يقارب 30 اعتصام منذ بداية تحركاتهم للدفاع عن حقوقهم في الأول من أيار عام 2006 وحتى نهاية شهر آذار من العام الجاري 2010، كان آخرها الاعتصامات التي نفذها عمال المياومة المفصولين من وزارة الزراعة.
وأشار عوض إلى أنه لا توجد أرقام دقيقة حول أعداد عمال المياومة في الدوائر والمؤسسات الحكومية والمستقلة، وأوضح أن أعداد عمال المياومة في الأردن يفوق الأرقام التي يتم تداولها سواء من قبل بعض الرسميين أو الناشطين في مجال الدفاع عن حقوق هذه الفئة من العاملين، فالأرقام التي تم حصرها في سياق إعداد التقرير من العديد من المؤسسات الحكومية والمستقلة تشير إلى أعدادهم تقارب 23 ألفا في كافة المؤسسات والدوائر الحكومية والمستقلة، منهم ما يقارب 20 % من النساء، موزعين كالتالي: 3200 عامل مياومة في وزارة الأشغال العامة، و1700 عامل مياومة يعملون في مشاريع إنتاجية تابعة لوزارة الأشغال و 7873 عامل مياومة في أمانة عمان الكبرى.
كما أفصح التقرير عن أن عدد عمال المياومة في البلديات يبلغ حوالي 3400 عامل، كما يتواجد في وزارة الزراعة ما يقارب 2200 عامل مياومة، وفي وزارة المياه يعمل بضع مئات من عمال المياومة لم تحددها الوزارة، و 1600 عامل مياومة يعملون في مؤسسة الموانئ في العقبة.
وبين التقرير أن ما يقارب 650 عامل مياومة يعملون في المراكز الجمركية، كما يعمل 500 عامل في قسم مكافحة الأمراض السارية التابع لوزارة الصحة، وتشير التقديرات أن عدد عمال المياومة العاملين في الجامعات الرسمية ما يقارب 2000 عامل. وأشار التقرير أن بعض المصادر الرسمية تشير إلى أن أعداد عمال المياومة في المؤسسات والدوائر الحكومية والمستقلة يقارب 30 ألفا.
ويتوزع عمال المياومة، بحسب التقرير، على مختلف مجالات العمل، وهم يعملون في عشرات الأنواع من الوظائف، فنجد بينهم مهندسون، وفنيون، وسكرتيرات، وطابعات وكتبة وعمال بستنة وبيطرة وتربية المواشي وترقيمها والتنظيف (عمال وطن) والحراسة والأمن وطوافين للحراجات وعمال أشغال وفنيي صيانة وميكانيك وسواقين ومراسلون وعمال خلطات (زفتة) ومراقبي حمولات محورية وعاملو مقاسم وعمال لاسلكي وغيرها العديد من الوظائف.
وكشف التقرير أن العاملين على نظام المياومة يواجهون الكثير من الصعوبات التي تتراوح في شدتها تبعاً لطبيعة العمل الذي يقومون به، ولا يتم في الكثير من الأحيان الالتزام بشروط السلامة والصحة المهنية، ومنها تحميل ونقل العمال من مكان عمل إلى آخر بوسائل نقل غير ملائمة وغير سليمة مثل القلابات المخصصة لنقل الأنقاض، وبعضها مخصص لنقل مادة الإسفلت (الزفتة)، الأمر الذي يشكل خطورة على حياتهم، وهذا غالبا ما يحدث في مشاريع وزارة الأشغال العامة والإسكان، وقد سبق أن سجلت حالة وفاة لأحد العمال جراء استخدام هذه الطريقة في النقل.
وبين التقرير كذلك أن بعض أماكن العمل لا تحتوي على وسائل اللازمة لتقديم الإسعافات الأولية عند اللزوم، خاصة في أماكن العمل التي يمكن أن تكثر فيها احتمالية حدوث إصابات مثل المشاتل وأماكن عمل الأشغال العامة، وأشار العديد من عمال المياومة أن بعض أماكن العمل البعيدة عن الوزارات والمديريات لا يتوفر فيها حمامات، وأن توفر في بعض الأماكن فهو مخصص للمدراء والمسئولين فقط. كما أن العديد من عمال المياومة الذين يضطرون للمبيت في مواقع عملهم، لا يتم صرف بدل "طعام وشراب" لهم بل يقومون بشراء طعامهم وشرابهم من حسابهم الخاص.
ولعل من أبرز الصعوبات التي يعاني منها عمال المياومة غياب الاستقرار والأمن الوظيفي الذي يتمتع نظرائهم المصنفين، فبإمكان أي مسؤول مباشر أن يقوم بمعاقبة العامل أو نقله وحتى فصله من العمل دون المرور بالاجراءآت الإدارية المتبعة في حالة العاملين المصنفين، وشكى العديد من عمال المياومة من تعرضهم لعقوبات بطريقة مزاجية لم تتبع فيها الأصول القانونية والإدارية.
كما كشف التقرير عن تعرض العديد من عمال المياومة للتهديد المستمر بإيقاع العقوبات بهم وتنفيذها في بعض الأحيان عند مشاركتهم بالاعتصامات الاحتجاجية، وتتراوح الإجراءات التي اتخذت بحق بعضهم ما بين الخصم من الراتب أو الإنذارات أو النقل إلى أماكن عمل بعيدة عن مكان سكناهم.
وأوضح التقرير أن هناك تمييزا واضحا يمارس ضد عمال المياومة في حصولهم على المكتسبات التي يحصل ليها نظرائهم العاملين المصنفين وخاصة في الأجور، فغالبيتهم يحصلون على رواتب تتراوح ما بين الحد الأدنى للأجور البالغ 150 دينار شهريا و 170 دينارا شهريا، وهذا المستوى من الأجور لا يوفر مستوى معيشي لائق للعامل وأسرته.
كذلك فغالبية عمال المياومة محرومين من العديد من العلاوات التي يحصل عليها نظرائهم العاملين المصنفين، وبقي هؤلاء حتى وقت قريب جداً لا يحصلون على زيادة سنوية اعتيادية، إذ تم صرف هذه الزيادة مع بداية عام 2010 فقط، ولا يحصل عليها جميع العاملين، إذ أن هنالك قطاعات لم تحصل عليها حتى ألان.
وتعاني قطاعات واسعة من عمال المياومة من التأخير في صرف الرواتب، فالعديد منهم يستلمون رواتبهم بعد انقضاء الشهر بمدة يمكن أن تصل إلى 10 أيام. وبعضهم يستلم راتبه بعد موعده القانوني بشهر خصوصا مع نهاية عام وبداية عام جديد بحجة القيام بعمليات الجرد في المؤسسات التي يعملون فيها.
وبين التقرير أيضا أن هنالك تفاوت بين عمال المياومة في استحقاقهم للتأمين الصحي، فبعضهم يحصل على بمجرد استلامه العمل، وبعضهم يحصل عليه بعد مرور سنة كاملة على عمله.
وكشف التقرير كذلك أنه ونتيجة للتحركات الاحتجاجية والاعتصامات التي نفذها عمال المياومة وتشكيلهم للجنة خاصة من بينهم لمتابعة قضاياهم، كان للحكومات المتعاقبة العديد من التحركات تجاه مشكلة عمال المياومة، وتلقى عمال المياومة العديد من الوعود من رؤساء وزارات ووزراء تقضي بتحويلهم جميعا إلى عاملين مصنفين.
كذلك قامت بعض الحكومات اللاحقة بتحويل العديد منهم إلى عاملين مصنفين في بعض الوزارات والمؤسسات، وامتنعت عن ذلك حكومات ووزارات أخرى.
وأوصى التقرير بضرورة إيجاد حلول جذرية لموضوع عمال المياومة من خلال تحويلهم إلى عاملين مصنفين، لأنه المدخل الوحيد لحل مشكلاتهم المتعددة، وإنه ليس من الحكمة ترك هذه القضية معلقة, وترحيلها من حكومة إلى أخرى, تارة تحت مسمى عدم وجود مخصصات او موازنات، وتارة بحجة أن القطاع العام متضخم وبحاجة إلى "ترشيق"، فليست هذه الفئة الضعيفة من المجتمع هي من عليها دفع ثمن تفاقم عجز الموازنة، وتحسين الأداء الحكومي، فغالبيتهم أن لم يستمروا في أعمالهم ويستلمون أجورهم لتوفر الحد الأدنى من الاحتياجات لهم ولأسرهم، سيجدون أنفسهم يقفون أمام صندوق المعونة الوطنية للحصول على معونات هي أيضا تأتي من خزينة الدولة.