تقارير حقوقية لا مكانة لها داخل أروقة المؤسسات

الرابط المختصر

شهدت الساحة الحقوقية في الأردن خلال الأسابيع القليلة الماضية تزامنا في إطلاق التقارير الحقوقية، فالبداية كانت مع تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأول من آذار الماضي والثاني للمركز الوطني لحقوق الإنسان بتاريخ الثاني من أيار الجاري والثالث لنقابة المهندسين الأردنيين في الثالث من أيار.

حشد التقارير تزامن مع عيد العمال العالمي الذي صادف في الأول من أيار وفيه نفذ العشرات من عمال المياومة اعتصاما أمام مقر الديوان الملكي الهاشمي مطالبين بتحسين أوضاعهم المالية، واعتصام آخر لعمال مصانع في منطقة الضليل احتجاجا على عدم تسلمهم رواتبهم لشهري آذار ونيسان الماضيين..فيما اعتبر تقرير المركز الوطني أن هناك تحسنا ملموسا في واقعهم عندما عدلت الحكومة بنوداً في قانون العمل تتعلق بإزالة أشكال التمييز بين العمال العرب والأجانب.

تقرير المركز أشار إلى انخفاض أعداد المشتكين حول "حق الجنسية" بالمقارنة مع العام 2007 إذا كانت 64 شكوى فيما انخفضت إلى 30 شكوى، عازيا الدكتور عدنان بدران رئيس مجلس أمناء المركز ذلك الانخفاض إلى عدم قدرة المركز على القيام بشيء حيال هذا الملف بالتالي انخفضت.
 
مجمل القضايا التي تناولها التقرير "هي قديمة جديدة سبق وأن تناولتها مؤسسات المجتمع المدني ولم تحدث التغيير المنشود وها هو المركز الوطني لحقوق الإنسان ينضم إلى حد ما إلى هذه المنظمات"، تقول الناشطة الحقوقية والمحامية إنعام العشي.
 
إذا كان تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان خصص جزءً من التقرير للحديث عن قضية "سحب الجنسية" وموثقا حالات قيُدت بحق مواطنين ومعتبرا أنه "لم يطرأ أي تغيير أو تقدم على التمتع بالحق في الجنسية خلال عام 2008" وفق نص التقرير، فها هو تقرير لجنة الحريات في نقابة المهندسين افرد مساحة واسعة حول هذه القضية حتى ان اسم التقرير جاء بعنوان "مواطنون بلا جنسية". مستعرضا تقرير النقابة الحالات التي سحبت جنسيتها وطالب الحكومة بضرورة إعادة الجنسية ل21 مهندسا.
 
 
أما تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان فقد اكتفى بـ"حث الحكومة" بعدم إصدار أي قرار بسحب الجنسية إلا بموجب قرار قضائي". وطلب "الكف" عن مثل هذا الإجراء. بينما تمنى الدكتور بدران أن ينظر ِإلى القضية "من جانب إنساني بحت" وقال: "لنتجاوز البعد السياسي للقضية وننظر للبعد إنسانيا".
 
ويطالب المركز في تقريره الأخير بضرورة تعديل 31 قانونا لتتواءم وحقوق الإنسان، أبرزها قانون الجنسية الأردنية ومنع الجرائم ومحكمة أمن الدولة والاجتماعات العامة الذي أدخل عليه تعديلات جوهرية تمس حق الإنسان وخصوصا ما يتعلق بتعريف الاجتماع وطلب الحصول على الإذن. مسجلا إيجابية للحكومة منها: إقرار قانون المظالم وتعديل قانون العمل وإقرار قانون الحماية من العنف الأسري. 
 
رئيس لجنة الحريات في نقابة المهندسين ميسرة ملص، برر اهتمام تقاريرهم السنوية بملف سحب الجنسية، "للارتفاع الملحوظ في أعداد المهندسين الذين سحٌبت جنسيتهم وتشكل تلك الشكاوى 60% من عدد الشكاوى".    
     
تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان الخمس التي صدرت طوال الأعوام الماضية منذ إنشائه بموجب قانون عام 2002 تشابهت في مضامينها، وترى الحكومة في ردها عند صدور كل تقرير أن ما يأتي دوما فيها مردود عليه مؤكدة استمرارها في احترام حقوق الإنسان.
 
ويطالب الناشطون الحقوقيون إحداث تأثير بالحكومة لتتجاوب مع تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان ولعل آخر تقاريره هو التقرير الخامس والذي أعُلن عنه السبت الماضي الثاني من أيار/مايو لواقع الحقوق في العام 2008.
 
وإذ لم يأتِ المركز الوطني بالجديد في الموضوعات وسبق وأن تناولتها المنظمات غير الحكومية، فالتأكيد على مكانة المركز "شبه الحكومي" وعلى اختلافه عن المنظمات غير الحكومية من حيث ما يقال دوما عن أنها "تصدر بناءً على أجندات خاصة" أو أنها "مسيسة" فها هو المركز المولود من رحم "المؤسسة شبه الحكومية" لذا، ما هذا التجاهل في عدم الرد الحكومي لما يتضمنه التقرير أو "لماذا التنكر وإدارة الظهر لقضايا حقوقية أساسية" على ما يقوله الناشط الحقوقي سليمان صويص.   
 
والحديث يجري عن أهمية مراجعة "ما أنجزه المركز" وما أحدثه من تغيير وما هي نسبة مساهمته في استعادة المواطنين لحقوقهم.
 
بالعودة إلى أولى تقارير المركز الذي أسس في العام 2002 الذي صدر في العام 2005 عن واقع حقوق الإنسان في المملكة للعام 2004 فكان الرد الحكومي عليه بعد عشرة شهور على صدوره. ويستذكر صويص أن الرد كان أشبه "بمرافعة" ردت على جميع الانتقادات التي نشرها التقرير.
 
التقرير الثاني للمركز في العام 2006 عن واقع الحقوق في العام 2005 كانت الحكومة وعدت أن ترد عليه لكنها لم ترد. أما التقرير الثالث "مر مرور الكرام" وكذلك الحال في التقرير الرابع له..وهنا يتساءل صويص: "هل سيبقى الرد الحكومي مزاجيا ويبقى تقرير المركز مناسبة نحتفي بها سنويا".
 
هناك حالة من الإحباط واليأس لدى العاملين في حقوق الإنسان..يقول صويص، فهذا التقرير من المفترض أن يشكل محطة مهمة للمؤسسات والمنظمات وفرصة للدولة كي تراجع سلوكها وسياستها تجاه حقوق الإنسان، فيما هي الآن تقوم بتصرفات بمنأى عن ما يتناوله التقرير وكأنه تقرير "مناسبة" يذيل بآخره "إلى اللقاء في تقرير قادم".
 
يضيف صويص "إذا لم يكن هناك تجاوبا من الحكومة ما الفائدة منه! هل هو للديكور أمام العالم لكي نريهم أن لدينا تقريرا حقوقيا صادرا عن مركز حقوقي، لا، فالفائدة الجوهرية للتقرير هو لحث الحكومة على التعديل وإجراء التغيير بما يتواءم وحقوق الإنسان".
 
أكاديمي بارز في  تخصص "علم الاجتماع" بجامعة البترا الخاصة، لم يكن يتوقع أن يتناول التقرير على "استحياء" واقع التعليم العالي. ويقول: لو قرأنا الفصل الخاص بالتعليم العالي لنجد أن جميعه "إشادة" في موضوع "القبول" و"الاستثناءات" فقد أخذت حيزا كبيرا فيما تم إغفال قضايا عديدة.
 
يستذكر الأكاديمي خلال عام 2008 صراحة الأكاديمي البارز عدنان البخيت في شهر تموز من عام 2008 عندما قال إن الجامعات الأردنية تحتضر وكذلك الدكتور وليد المعاني وزير التعليم العالي الذي كتب مقالة ونوه فيها إلى تدني مستوى التعليم العالي فأين التقرير من هذا الواقع.
 
عن أي واقع تعليمي يتم الحديث عنه في التقرير –يواصل الأكاديمي الحديث- هل تناول التدخلات والحد من استقلالية الجامعات والعنف الجامعي وتدني مستوى التعليم..نسجل العتب على رئيس مجلس أمناء المركز.                
 
إنعام العشي ترى أن المركز الوطني هو الأقرب إلى الحكومة منه إلى منظمات المجتمع المدني بالتالي "نسجل نقطة إيجابية بحقه على أساس أنه جهة تقر بحقوق المواطنين وتحديدا من فئة مسحوبي الجنسية".
 
الملك عبد الله الثاني، وعقب تسلمه التقرير السنوي للمركز الأحد الماضي، أكد على ضرورة دراسة جميع توصيات التقرير والتحرك باتجاه معالجة أي إشكالات وتجاوزات تؤثر سلبا على حقوق الإنسان في المملكة.
 
وطالب بوضع آلية عمل مؤسسية تعمل بشكل فاعل لضمان حماية حقوق الأطفال، الذي كان الملك أكد انه من غير المسموح ان يعتدى عليهم أو أن يساء إلى أي طفل في الأردن. لافتاً إلى أنه إذا أردنا أن نتحدث بشفافية أنا لا اشعر انه فيه آلية مؤسسية تدعم وتحمي المرأة والطفل بهذا الاتجاه.
 
الحكومة لم تواكب أي من التقارير التي أصدرها المركز خلال السنوات الماضية وإن كان هناك رد فيكون "باهتا لا رد في رده" يعلق ناشط تم إغلاق مركزه الحقوقي قبل عدة سنوات.
 
الانتهاكات التي يرصدها المركز في تقريره تأتي بنسق إحصائي "ما تفقدها الكثير من الأهمية وتحولها إلى مجرد أرقام بلا معنى"، يقول الكاتب علي حتر في مقالة له معلقا على أول تقرير أصدره المركز.   
 
المركز الوطني لحقوق الإنسان أسس في أواخر عام 2002 بموجب القانون المؤقت رقم (75) لعام 2002، والذي أصبح قانوناً دائما (قانون رقم 51 لسنة 2006) كمؤسسة وطنية مستقلة تتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري واستقلال تام في ممارسة الأنشطة والفعاليات الفكرية والسياسية والإنسانية المتعلقة بحقوق الإنسان.