تغطية الإعلام للمشاجرات العشائرية: صحفيون على خط النار
أثارت التغطية الإعلامية لأحداث المشاجرات العشائرية الأخيرة في البلاد، جدلاً بين من عدّ "العنف العشائري" ظاهرةً متنامية تستحق اهتمام الإعلام، وبين من اعتقد أن الجديد هو "التركيز الإعلامي" على هذه الأحداث، لا أكثر. وفي حين أن هناك من يرى في "التركيز الإعلامي" تطوراً إيجابياً في أداء الإعلام، فإن آخرين يجدون فيه "تضخيما"، كما يقول الناطق باسم مديرية الأمن العام، محمد الخطيب.
"الظاهرة الجديدة والإيجابية هي المعالجة الإعلامية، وليس الموضوع نفسه"، يقول المحلل والكاتب في صحيفة "الغد"، إبراهيم غرايبة، موضحاً أن النزاع العشائري موجود منذ سنوات، ولم يكن الإعلام يتناوله على النحو الذي جرى مؤخراً، كما أن الأسلحة النارية كانت موجودة كما حدث في الانتخابات البلدية قبل سنوات، ولم تُشر إليها الصحف.
لكن مراسل صحيفة "الغد" في الكرك، هشال العضايلة، يختلف مع غرايبة، ويرى أن المشاجرات في ازدياد، وأن طبيعتها تطورت من ناحية استخدام الأسلحة النارية، والطعن بالسكّين والقتل، في حين اقتصر معظمها في السابق على العصي والحجارة.
وفي حين امتنعت الإذاعة والتلفزيون الرسميان عن تغطية المشاجرات العشائرية، تناولت وكالة الأنباء الأردنية بعض الأحداث في أخبار موجزة بلا أسماء ولا تفاصيل. أما الصحف المحلية، اليومية خاصة، فارتأت التقليل من خطورة المشاجرات العشائرية، وانتهجت خطاً محافظاً في نقلها مع أقل التفاصيل، وإخفاء أسماء العشائر المتورطة فيها، وتجاهل ما كان منها "صغيرا" أو لم يحدث تداعيات. غير أن المواقع على تعددها وكثرتها، مستفيدة من الناس، "المواطن الصحفي"، وتوفر التكنولوجيا السهلة الاستعمال، صارت بالمرصاد لكل مشاجرة مهما كانت صغيرة أو بدون تداعيات.
وفي المعالجة الواسعة للموضوع إعلامياً، بما في ذلك الأسماء والأحداث والصور، يتفق العضايلة مع غرايبة على كونها تطوراً إيجابيا ًساهم فيه الإعلام المجتمعي والتطور التقني للإعلام، مثل التصوير بالموبايل، والبث عن طريق الإنترنت، والتفاعل والتعليق عبر وسائل الإعلام، وبخاصة المواقع الإلكترونية.
"أصبح الإعلام في يد المجتمع أكثر من أيّ مرحلة ماضية"، يقول غرايبة، ويضيف: "تحوّلَ دور الإعلام ليصبح إعلاماً مجتمعياً، وليس إعلاماً سياسياً إخبارياً أو خدماتياً فقط. الأصل أن الإعلام هو أداة المجتمع نفسه أكثر مما هو أداة للشركات والقطاع الخاص أو الجهات الحكومية، حيث المجتمع نفسه يستخدم الإعلام لمعالجة قضاياه وتغطيتها والتفاعل معها، فالناس تقرر ماذا تريد من الإعلام".
يدعم غرايبة تحليله بمقارنة تغطية أحداث عجلون بتغطية أحداث قرية الطيبة في محافظة إربد، حيث المسألة متعلقة باهتمام الناس، العشائر المتنازعة. ويقول: "أتوقع أن أطراف النزاع في عجلون اهتمّوا بالإعلام أكثر من أطراف النزاع في الطيبة، رغم أن النزاع في الطيبة كان أشد شراسة وعنفاً، واستُخدمت فيه أسلحة نارية على مدى 5 ساعات، لكن وسائل الإعلام لم تتحدث في الموضوع سوى في إشارات قليلة. بينما أرادت الأطراف المتشاجرة في عجلون نقل الموضوع واستخدام الإعلام".
رغم الصعوبات والمحاذير التي تواجه تغطية موضوع حساس كهذا، أظهرت وسائل الإعلام المحلية، وبخاصة المواقع الإلكترونية، اهتماماً غير معهود بالمشاجرات العشائرية التي شهدتها عجلون، الكرك، إربد وسحاب.
ويتحدث العضايلة عن صعوبة الحصول على المعلومات من الأجهزة الأمنية التي صادرت الكاميرا وجهاز الموبايل اللذين كان يستعملهما خلال تغطيته إحدى المشاجرات. والتواجد في موقع المشاجرة، حيث إطلاق الأعيرة النارية، يشكل خطراً على حياة الصحفيين.
"تحدث المشاجرة في لحظة وتتطور في نصف ساعة يُطلَق خلالها آلاف العيارات النارية، وتتدخل أجهزة الأمن الموجودة في المنطقة باستخدام الأسلحة النارية والهراوات والغاز المسيل للدموع، وتنتهي القصة"، يقول العضايلة. ويوضح مشكلة تضارب المعلومات وشحها: "نعتمد على روايات أشخاص شاركوا في المشاجرة، وتختلف الروايات، وبعضها يفتقد الدقة، ونحاول الاتصال بالجهات كافة، وبعضها يرفض التصريح. كما يصعب الحصول على عدد المصابين من المستشفيات التي ترفض إعطاء المعلومات حولهم وحول أوضاعهم الصحية".
إلا أن ضغوطات الأطراف المتنازعة للتأثير في ما يكتبه الصحفي أشد خطراً، فقد تعرض العضايلة للتهديد بالقتل والضرب العام الماضي، ويروي كيف تقدم بشكوى للمدعي العام في الكرك لتعرضه وأبنائه للتهديد إثر تغطيته لمشاجرة حدثت في إحدى قرى الكرك.
ويضيف أن أطراف النزاع تتعامل مع الصحفيين على أنهم جزء من العشيرة، ويتوقعون منهم أن يصطفوا إلى جانبهم. لكنه يؤكد أن التغطية "واجب مهني"، وأنه يتعامل مع موضوع المشاجرات "كخبر، وبشكل مهني بعيداً عن إثارة الفرقة وبتوازن، لأن طريقة التغطية تؤثر لاحقاً في حل هذه الخلافات".
"كتبت بشكل وصفي ومهني، ورأت الأطراف المتنازعة في ما كتبتُ إساءةً لهم. رؤية الناس مختلفة ومتفاوتة لدور الإعلام، مثلاً بعض مؤسسات المجتمع المدني في المحافظات والأطراف ترفض تغطية المشاجرات العشائرية، لأنهم يعتقدون أن التغطية الإعلامية تضخّم القضية وتزيد من تفاعلاتها السلبية من حيث نقل الخلاف إلى أطراف أخرى قريبة وبعيدة"، يقول العضايلة.
ويرى غرايبة أن طبيعة كل وسيلة إعلامية تنعكس على طبيعة تناول الموضوع، فللموضوع نفسه قواعده وتقاليده. "النزاعات العشائرية لا يمكن تناولها إلا ضمن منظمة من الحذر وعدم الانحياز، لأن القضية قد يصبح لها تداعيات كثيرة، لكن لا مناص من ذكر أسماء العشائر، وعند التعليق على الخبر سيكون هناك انحياز وإساءة، ولن يحتكم الناس لقواعد مهنية، وعلينا تحمُّل هذه المسائل ضمن حدود، ويمكن للصحفيين التدخل ووضع حد عبر تدخل مذيع عند حديث متصل، أو عبر تحرير التعليقات".
تغطية الصحف، بالنسبة لغرايبة، كانت كافية، لكنه يرى أن هناك حاجة للنظر إليها بشمولية أكثر وليس في حدود الحادثة فقط. "يجب أن ننظر إليها ضمن البيئة والتحولات التي تحدث، دور الدولة الجديد والمتغير، أزمة التحولات منذ 15 عاماً عندما بدأت الدولة تتخلى عن دورها، وهذا ما يحدث في كل العالم وليس هنا فقط. هناك دور جديد للدولة حيث تتشارك مع القطاع الخاص والمجتمع".
ويبقى أن الاهتمام الإعلامي بنقل أخبار المشاجرات العشائرية، فتح أعين المحللين، على الأقل، على مسائل مهمة بات النقاش فيها مشرعا مثل دور الدولة وهيبتها والمساواة بين المواطنين وتعزيز سيادة القانون. وأمام تنافس وسائل الإعلام وتوفر وسائل تكنولوجيا حديثة وسهلة الاستعمال في أيدي الناس، لم يعد في الوسع إخفاء أي ظاهرة.











































