تطوير الإعلام في الأردن: احتكار حكومي

الرابط المختصر

من جلسات المنتدى العالمي لتطوير الإعلام الذي أقيم في اليوم الأخير من شهر أيلول الماضي، خصصت جلسة واحدة تناقش موضوع الإعلام الأردني.وهذه الجلسة التي أقيمت في 2 تشرين أول، كانت ساحة جديدة للتعبير عن وجهة نظر إعلامية واحدة، هي وجهة النظر الحكومية، سارقة الضوء من وجهات النظر الأخرى التي تمثل القطاع الخاص الذي ظهر من دون أن يتكلم عن نفسه ومشاكل قطاعه.



المنتدى العالمي لتطوير الإعلام يهدف أساسا إلى تطوير الإعلام بإبعاده عن الحكومات وتحريره من عباءتها، وتعزيز دور القطاع الخاص في هذا المجال.

لكن هل هذا ما حصل في المنتدى؟ ليكون السؤال أكثر تحديدا لهدف برنامجنا: هل هذا ما حصل في الجلسة الأردنية في المنتدى؟

الجهة التي تنظم المنتدى هي منظمة "إنترنيوز". وهدفها ليس التوجه إلى القطاع الحكومي، وإنما إقصاؤه، لأن الهدف النهائي هو تعزيز دور القطاع الخاص، بوضع الكرة في ملعبه، ليتحكم في دفة الإعلام التي يمسك القطاع الحكومي بها ويحركها كيف يشاء، كما قال المنظمون من إنترنيوز لبرنامج "مرئي ومسموع".



هكذا، فإن هذه المؤسسة المنظِمة، إنما توجه مؤتمرها إلى مؤسسات المجتمع المدني (غير الحكومية في شكل خاص) التي تعمل في مجال الإعلام. لذلك فهو ليس موجها إلى الصحفيين أو إلى الجهات الإعلامية الحكومية. لكن عندما ينظر الحاضرون إلى المشاركين في الجلسة سيرون فرقا بين الأمر النظري، والأمر الواقعي.

كان المشاركون في جلهم يمثلون الجانب الحكومي، بدرجات متفاوتة، ولا يمثلون القطاع الخاص فعلا: نائب رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة مروان المعشر، نائب رئيس المجلس الأعلى للأعلام هاشم خريسات، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون مصطفى حمارنة، رئيس هيئة الإعلام المرئي والمسموع حسين بني هاني، نائب نقيب الصحفيين نبيل غيشان، الصحفية رنا الصباغ، الصحفية رولا الفرا، ورئيس المركز الأردني للإعلام باسل الطراونة.



بين كل هؤلاء: من يمثل إعلام القطاع الخاص؟

إنترنيوز منظمة مجتمع مدني دولية كبرى، يفترض أنها تدعم استقلالية الإعلام عن الحكومات. لكن هذا لم يحصل هنا، في المنتدى: "إنترنيوز" تتحالف مع الشيطان – ليس بالضرورة أن الطرف المقابل شرير ليكون شيطانا، لكن هكذا هو التعبير.



تتشارك هذه المنظمة غير الحكومية مع جانب حكومي، هو المركز الأردني للإعلام الذي يوفر دعما كبيرا للجهة المنظمة، ويجلب رعاة كثر، يساهمون في تغطية نفقات المنتدى الضخمة التي يفرضها طابعه العالمي وعدد المشاركين الكبير فيه.



وهذا "الدعم" الذي قدمه المركز للمنظمين لم يكن بالمجان. كان المقابل هو "بيع" الجلسة الأردنية، وتجييرها لصالح الحكومة، ولو في شكل غير مباشر. ما حصل هو تغييب وجهة نظر القطاع الخاص، وطرح وجهة النظر التقليدية التي لا تحتاج لمؤتمر كهذا لتعلن عن نفسها وتأخذها وسائل الإعلام و"تبروزها" في صدر صفحاتها الأولى وعلى رأس نشراتها الإخبارية.



عن سبب توجه منظمة إنترنيوز غير الحكومية للشراكة مع الحكومة الأردنية لتنظيم منتدى يهدف إلى نقاش دور منظمات المجتمع المدني في تطوير الإعلام، يقول مدير المركز الأردني للإعلام، باسل الطراونة: "الدولة الأردنية تعيش الآن حالة من الانفتاح والاستقرار والأمن، ما جعل منظمة إنترنيوز تختار الأردن مقرا لمنتدى عالمي لتطوير الإعلام، لأول مرة. هذا الإنجاز الذي يبين مدة مصداقية الأردن تجاه الانفتاح الديمقراطي على كافة الوسائل والأدوات الإعلامية في الأردن. الآن لدينا إذاعات ومحطات أخبار وتلفزيون أرضية وصحف تمارس دورها بالكامل".



ويصف مدير المركز تعاونه مع إنترنيوز بأنه "مشروع شراكة حقيقية مع منظمات أهلية غير حكومية ومنظمات تمارس ضغوطا على حكومات العالم بضرورة الانفتاح والإصلاح والتطوير والتحديث. نحن في الأردن بدأنا بمشروع الإصلاح من خلال التحديث والتطوير لذلك حدثنا وطورنا وما زلنا".



ويضيف: "هناك بعض السلبيات التي لا ننكرها، لكن في المقابل عندما نزين الأمور نجد الإيجابيات تطغى على السلبيات. الإيجابيات التي أرادها الملك، وتنفيذا لرغبة الحكومة بالاستمرار في الانفتاح ونحن نحاول جاهدين الانفتاح، والدليل أن المركز، وهو الذراع الرسمي الحكومي، يقوم بشراكة مع منظمة إنترنيوز".



وبالفعل هذا ما أرادته الحكومة الأردنية من الشراكة مع منظمة غير حكومية عالمية: إظهار صورة "الأردن الريادي في مجال إعادة هيكلة وإصلاح وتطوير قطاع الإعلام"، وترويج "السمعة الطيبة التي يتمتع بها الأردن في مجالات الأمن والاستقرار والانفتاح والوسطية والاعتدال"، كما ورد في البيان الصحفي الصادر عن المركز الأردني للإعلام للإعلان عن المنتدى.



لكن المستهدف الرئيسي في المنتدى، وهو مؤسسات المجتمع المدني الأردنية كما علم راديو عمان نت من منظمي المنتدى من منظمة إنترنيوز، كان الغائب الوحيد عن الجلسة الخاصة بالإعلام الأردني في اليوم الثاني من المنتدى، والتي ساد فيها الطيف الحكومي.



وهو ما يبرره الطروانة قائلا: "كنا حريصين على بيان واستبيان مجموعة الجهود والقوانين والتشريعات الناظمة للعمل الإعلامي والصحفي في الأردن ودور المؤسسات المستقلة التي انتقلت من إعلام الحكومة إلى إعلام الدولة، أي مؤسسات الدولة التي أصبحت تتمتع باستقلال مادي وإداري، كمؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الأردنية بترا".



ويضيف: "نحن نريد الانفتاح على الجميع، والدليل هو مشاركة نقابة الصحافيين الأردنيين، ومشاركة المجلس الأعلى للإعلام ومشاركة القطاع الخاص، ومشاركة الحكومة. مؤسسات المجتمع جميعها اشتركت بهذا اللقاء. والدليل الآخر هو الرعاية المالية التي قمنا بتثبيتها على شراكة القطاعين الخاص والعام باستضافة هذا المنتدى".



ويرى مدير المركز أن الحكومة الأردنية تمارس دور الحوار الديمقراطي. "والدليل أنه قبل انعقاد هذا المنتدى بشهر أو شهرين، نحن في المركز الأردني للإعلام دعونا جميع الفعاليات الإعلامية، سواء وزراء إعلام سابقين، نقباء نقابة الصحفيين بالتتابع، ودعونا مجموعة كتاب ورؤسات تحرير الصحف جميعا ومجموعة من الصحفيين ومدراء مؤسسات إعلامية. وتم إشراك المجلس الأعلى للإعلام ونقابة الصحفيين الأردنيين وممثل عن القطاع الخاص بكل أطيافه".



وينفي الطراونة ممارسة ممثلي القطاع الخاص لأية ضغوط على المركز من أجل تمثيلهم في المنتدى. "تم الاتفاق مع معالي مروان المعشر في لقاء عقد في المركز الأردني للإعلام بحضورهم، وهو الذي نسّب رنا الصباغ ورولا الفرا اللتين تمثلان أطياف القطاع الخاص".

بذلك نسب الوزير الممثلتين للقطاع الخاص من بين المشاركين السبع، وحظيت الحكومة بخمسة متحدثين، سواء بأحد أعضائها (الوزير) أو بمن يعبرون عن سياساتها.

يقول مدير المركز: "نحن محصورون بالعدد. إنترنيوز حددوا لنا، بالاتفاق معنا طبعا، أن يكون هناك أربعة مشاركين، ونحن رفعنا العدد إلى ستة".

ويضيف: "قام المركز الأردني للإعلام والحكومة الأردنية بحالة ديمقراطية فريدة. أشركنا مؤسسات مستقلة، وهو ما أسميته إعلام الدولة الذي مثله رئيس مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون ورئيس المجلس الأعلى للإعلام وأيضا نقابة الصحفيين الأردنيين وهيئة الإعلام المرئي والمسموع. الحكومة شاركت فقط بالمركز الأردني للإعلام وهي الجهة التي تعبت وبذلت جهود كبيرة لتنظيم المؤتمر".

واللافت للانتباه ذلك الاختلاف بين ما جاء في البيان الصحفي الصادر عن المركز الأردني للإعلام والذي أظهر المنتدى على أنه مخصص لوسائل الإعلام، وبين حقيقة المنتدى المعني أساسا بالمنظمات الأهلية الناشطة في مجال الإعلام.

يقول الطراونة: "سأكون معك صريح جدا، نحن بُلغنا مؤخرا بمشاركة البعض. بمعنى أن التنسيق كان عاليا ولكن قبل انعقاد المؤتمر بيومين تفاجأنا بتغيير بعض الأمور الجوهرية. وهذه الأمور الجوهرية. نعم تفردوا ببعض القرارات ولكن نحن في الأردن حريصون على إنجاح التجربة والالتقاء معهم".

قبل المنتدى، وجه المركز الأردني للإعلام دعوة لعدد من ممثلي قطاع الإعلام العام والخاص لجلستي عصف ذهني للخروج بما سيتم نقاشه في الجلسة الخاصة بالأردن في المنتدى. لكن الدعوة الموجهة للقطاع الخاص اقتصرت على ممثلين من الصحف اليومية واستثنيت الأسبوعيات والإذاعات وإعلام الإنترنت وشركات الإنتاج الفني.

وانتهت جلسات العصف الذهني بقرار المركز بانتداب أطراف حكومية فقط للتقديم أوراق خلال المنتدى، ما احتج عليه ممثلو القطاع الخاص وطالبوا بتخصيص ورقة من أصل ثلاث للتعبير عن قضايا القطاع الخاص.

تقول الصحفية رولا الفرا، رئيسة هيئة تحرير يومية "الأنباط"، والتي تحدثت في المنتدى بالنيابة عن القطاع الخاص: "كنا نعتقد أن الهدف من الجلستين الخروج بأفكار مشتركة تطرح لتعبر عن كل رؤى قطاعات الإعلام في الأردن. ما حدث في الجلسة الثانية أنه تم اختيار جميع الأشخاص من قطاع الحكومة، فاعترض من يمثلون القطاع الخاص وتساءلوا عن دورهم إذا كان المقصود من دعوتهم أن يكون التمثيل حكوميا فقط".

وتتابع: "استطاع القطاع الخاص بفضل جهد مشترك، وكانت هذه من المرات القلائل التي يتفق فيها الاعلاميون من القطاع على كلمة واحدة، بعد أن كنا مهمشين في السابق بسبب عدم وجود عمل جماعي يوحدنا، والحقوق لا تمنح بل تؤخذ".

"في الواقع كل المشاركين من العالم هم شركات قطاع خاص، وليسوا مؤسسات حكومية إطلاقا، إذا الأولى أن يكون هناك بعض الأوراق باسم القطاع الخاص".

في النهاية حسم النزاع على اتفاق الطرفين على أنهما يريدان أن يظهرا ديمقراطيين أمام العالم. وبعدها اجتمع ممثلو القطاع الخاص وقرروا ما سيطرح في ورقتهم. لكنهم فوجئوا قبل الجلسة بيومين باتصال المركز الأردني للإعلام لإبلاغهم بتغيير المخطط، فلن يتمكنوا من قراءة ورقتهم بسبب زيادة عدد المشاركين في الحوار واللذين أصبحوا سبعة بدل ثلاثة، وأن بامكانهم توزيع الورقة على الحضور والحديث لمدة أربع دقائق.

تقول الفرا: "في النهاية أخذنا فرصة لطرح بعض الأفكار التي أردنا طرحها، وتعادل ثلث الأفكار الموجودة في الورقة، وكانت الأصوات المستقلة فقط اثنين من سبعة والبقية كانت من نفس الطيف الحكومي".

لكن ورقة القطاع الخاص أغرقت في تفاصيل قانونية جاءت على حساب قضايا أخرى ذات أهمية تخص القطاع، مثل المنافسة غير العادلة بين الإعلام الخاص والحكومي في سوق الإعلانات، وهو من الأسباب الرئيسية في الضعف الاقتصادي الذي يعيق تطور واستمرار وسائل الإعلام الخاصة.

وتقول مبررة: "حاولنا أن نكون مهذبين في الورقة بقدر المستطاع، بمعنى أننا كنا مدركين أننا نتحدث أمام إعلام أجنبي، فلم نحب أن نكون سكاكين في خاصرة الوطن. فحاولنا طرح نقاط عامة غير جدلية وغير خلافية بمعنى أن الكل يتفق عليها. موضوع الانحياز إلى جانب صحف ما أو إذاعات لها صفة ما، حكومية أو غير حكومية أو شبه حكومية أو مدعومة لصلة ما، لم نتطرق له لأننا لم نحب أن تخرج هذه الأمور "لبرا". لم نذكر أمثلة لأنه لم يكن هناك مجال أو وقت ولم يكونوا ليعطونا فرصة لهذه الأمور. العموميات وبالكاد استطعنا الحديث فيها".

وتضيف: "بإمكانكم أن تقولوا أننا انتزعنا منهم تمثيلنا في المنتدى انتزاعا، ولكن لو لم يكن هناك نوايا حسنة من قبلهم بإفساح المجال لنا بتقديم وجهة النظر الأخرى أمام 600 إعلامي قادمين من مختلف دول العالم وهذا يؤكد وجود بوادر انفتاح إعلامي لدينا في الأردن ولكن المسألة ليست سهلة. ما زالت بعض العقول في حاجة لاستيعاب مفهوم حرية الإعلام وأن القطاع الخاص يفترض أن يلعب دورا أكبر بكثير مما كان يلعبه في السابق".

أضف تعليقك